تاريخ الإنسان مع الحرية

تاريخ الإنسان مع الحرية

تاريخ الإنسان مع الحرية

الأحد 20/1/2008

 
كثير من القيم الحياتية تختلف من مجتمع لآخر، وتتغيّر بتغيّر المكان وتقلّب الزمان. وما نراه في مجتمعاتنا عيباً قد يكون صواباً في مجتمعات أخرى. لكن مبادئ العدل والمساواة والحرية لا يختلف عليها اثنان وتظل تطلعات فطرية تتفق عليها كافة شعوب الأرض. وفي كل مشارق الأرض ومغاربها وعلى مر العصور وتعاقب السنين، سقط ضحايا كثيرون من أجلها، وقدّمت أسماء مناضلة أرواحها من أجل أن تراها تتنفس على الأرض، وتنعم بها البشرية جمعاء. فهي لصيقة بالآدمية لكون الإنسان وُلد حراً ينفر من الاستعباد، ويُحارب الظلم، ويُجاهد من أجل تذوّق حلاوة المساواة.
 
بعد أيام تُحيي المنظمات الحقوقية في العالم، ذكرى الزعيم الأسود مارتن لوثر كينج، الذي حصل على جائزة نوبل للسلام لمناداته باللاعنف، ولدفاعه الدائم عن حقوق السود داخل الولايات المتحدة الأميركية. هذا الرجل الذي قُتل في أواخر الستينات على يد متطرف أبيض، ضحّى بحياته من أجل توفير حياة أفضل للأميركيين السود الذين عانوا قروناً من استعباد الرجل الأبيض لهم نتيجة عنصرية العرق واللون، والتي لم تزل آثارها باقية، حيثُ السود هناك يُعانون من الفقر والبطالة وتهميش مطالبهم في دولة عظمى تتغنى صباحاً ومساءً بجنة الديمقراطية على أرضها!.
 
ليس “مارتن لوثر كينج” وحده من راح ضحية مبادئه السامية، ففي عالمنا العربي والإسلامي آلاف مؤلفة ممن رفعوا لواء الحرية وطالبوا بتحقيق العدل والمساواة على أرضهم، وهو ما يوجب علينا إضاءة شموع بيضاء تعبيراً عن امتناننا لكافة المناضلين الشرفاء الذين قتلوا في سبيل تمسكهم بمبادئ ناصعة. وإعلان تأييدنا المطلق لكافة سجناء الرأي القابعين في السجون والمطالبة بفك أسرهم، بل وتكريمهم في المحافل الدولية لكونهم اقتحموا ساحات الوغى بصدورهم العارية دون أن ترتجف قلوبهم أو ترتعش أجفانهم!.
 
بمناسبة إحياء ذكرى “مارتن لوثر كينج”، لنرسل تحية لكل من سطّر بقلمه حقيقة كانت غائبة عن عين مجتمعه. لنرسل تحية لكل صوت جهوري احتج على هتك كرامة إنسان، وثار على ظلم وقع في بلده. لنرسل تحية لكل من تلقّى ضربة مباغتة على أم رأسه وهو سائر في درب النضال من أجل إحياء حقوق الإنسان على أرضه. لنرسل تحية للشعب العراقي الذي خدعوه حينما قالوا له إن الديمقراطية سترفرف ألويتها في أفضية وطنه، ليلفي نفسه يودّع كل صبيحة يوم عدداً من أبناء عشيرته إلى مقابر جماعية لم تعد تتسع لمزيد من الأجساد! لنرسل تحية إلى شعب لبنان المحب للحياة، الذي كل ذنبه أن الله حباه بأرض جميلة جعلها مطمعاً لكل متسوّل! لنرسل تحية إلى الفلسطينيين العزل المحاصرين في غزة، ونواسي شهداءهم الذين يسقطون كل يوم مُضرّجين بدمائهم أمام أنظار العالم المتحضّر الواقف موقف المتفرّج الصامت تجاه ما يجري لهذا الشعب من حرب إبادة على يد الجيش الإسرائيلي المتعجرف! لنرسل عبارات مواساة لكل أم ثكلى فقدت ابناً لها في خضم هذه الهجمات المسعورة الواقعة هنا وهنا، والتي لا تمت للإنسانية بصلة!.
 
هذه ليست شعارات جوفاء عفا عليها الزمن، بل هي مبادئ لا بديل لها في كل مجتمع متمدّن سلك طريق الديمقراطية وآمن بمبادئها.
 
صحيح أن الزَبَد كثير، والأفاقين وبائعي الذمم أضحوا ينتشرون مثل النار في الهشيم، لكن مهما كانت ذراع الظلم طويلة إلا أنها لن تستطيع أن تصل أعالي السماء!. ومهما وقع ضحايا على الأرض، سيُولد مناضلون جدد قادرون على مواجهة الصعاب والمطالبة بشجاعة في حق الأجيال القادمة أن تنعم بالعيش داخل أوطانها في أمن واستقرار، وتتمرّغ بخيراتها في مناخ ديمقراطي حقيقي.
 
المناضلون وحدهم صانعو حضارات العالم. وعلى الرغم من صور الاستبداد التي تعلو أمواجها يوماً بعد يوم، إلا أن إرساء معالم العدل والمساواة والحرية ستأتي على أيدي أبنائها، خاصة أن ثورة الاتصالات ساهمت في كشف المستور، وفي نشر الغسيل عفن الرائحة أمام الجميع مهما حاولت الأنظمة الفاسدة سكب العطور النفاذة الغالية الثمن عليه لمداراة عفونته! والشعوب تقويها الأزمات، وتمنحها المعاناة اليومية حصانة ضد كل فيروسات الظلم والاستبداد، والأمم ولاّدة، لذا لا نهاية لعظماء التاريخ!