الشباب… والقارب المثقوب!!

الشباب… والقارب المثقوب!!

الشباب… والقارب المثقوب!!

الأحد 7/9/2008

 
الشباب يعني الغد والأمل والطاقة والتوهّج. الشباب هم من يحملون في أيديهم المعاول لتعبيد طرقات أوطانهم. الشباب هم من يُعلقون فوانيس الإضاءة لتنير دروب مجتمعاتهم. فكيف يكون الحال إذا تكسّرت أنصال عزيمة الشباب على صخور الواقع المرير؟! وما مصير الشباب الذين يتملكهم الإحباط حين تعترض طريقهم الحواجز والعراقيل، ويفشلون في تحقيق أحلامهم التي زرعوها في تربة أيامهم؟!
 
دارت هذه التساؤلات في فكري، وأنا أطالع خبراً عن قيام شاب سعودي باختراق موقع وزارة العمل السعودية، معبّراً في رسالة كتبها في الموقع عن معاناته الحياتيّة لفشله في الحصول على وظيفة تُناسب مؤهله العلمي.
 
قد يستهجن البعض تصرّف الشاب وأنه يُعدُّ نوعا من القرصنة التي قد تُعرّض فاعلها لعقوبة السجن، رغم أنه لم يمُس الموقع بسوء! وقد يتندّر البعض على فحوى الخبر بأن فيه شيئا من الطرفة! لكن الأمر في حقيقته لا يدعو للاستهجان، ولا يبعث على الضحك، بل يُثير الشفقة وإلى ضرب كفٍّ بكف على ما آلت إليه أحوال الشباب في مجتمعات تفوح منها رائحة الثراء باعتراف الغرباء قبل الأقرباء!
 
لفت انتباهي تصريح لأحد أعضاء مجلس الشورى السعودي، بأن قضية البطالة لا تنحصر في قلة الوظائف، وإنما في المرتبات البسيطة التي لا تفتح بيتا! رامياً الكرة في ملعب القطاع الخاص بوجوب أن يقوم بأدوار فعّالة في تقديم دورات تأهيليّة للشباب المتقدّم للوظائف الشاغرة.
 
قد يكون في هذا التبرير شيء من الصحة، لكن لا يمكن إغفال الجانب الأهم وهو عدم وجود تنسيق بين المؤسسات التعليمية وبين متطلبات سوق العمل. وهذه المشكلة لا تنحصر فقط في السعودية، بل هي مشكلة تُعاني منها أغلبية الدول الخليجية، التي ترتفع فيها نسب البطالة بين الشباب يوما بعد يوم، رغم أسعار البترول الجنونيّة!
 
والله لا أجلس في مجلس، إلا وتصدّرت البطالة والغلاء أحاديث الناس. وكم يتسرّب الحزن إلى قلبي حين أقف في بهو استقبال داخل مستشفى أو أثناء تجوالي في مراكز تجارية، ويخدمني شاب في مقتبل عمره لا يزيد مرتبه عن ألف وخمسمائة ريال، في وقت أصبح الغلاء غولا يلتهم الأخضر واليابس!
 
إن بطالة الشباب مثل القنبلة الموقوتة التي قد تنفجر يوماً مخلفة دماراً كبيراً، وستؤدي إلى حدوث فوضى اجتماعية عارمة ستظهر آثارها في المستقبل القريب إذا لم تتم معالجتها من جذورها! فليس سهلاً على الشاب المتخرّج الذي ضيّع سنوات من عمره على مقاعد الدراسة، أن يرى أحلامه تتبخّر ما بين يوم وليلة. وبعد أن كانت أمانيه واسعة في الحصول على وظيفة محترمة وبناء أسرة صغيرة، تتقلّص لتُصبح محصورة في تأمين مأكله ومشربه حتّى لا يُصبح عالة على أسرته التي كدّت وتعبت لتقذف به إلى معترك الحياة. وينتهي مصيره إلى الاستيقاظ متأخراً ليُمسك الصحف اليومية ويُلاحق بعينيه إعلانات الوظائف الشاغرة. وفي الليل يُهدر وقته في التسكّع مع أصحابه العاطلين مثله، أو بالجلوس في المقاهي يُدخنون “الشيشة”!
 
تعقد الدهشة وأنا أرى إعلانات الوظائف التي تُعلن عنها القطاعات الخاصة مصحوبة بعبارة تعجيزيّة أن يُجيد المتقدّم اللغة الإنجليزية كتابة وتحدّثا! ثم تقع عيني على خبر جانبي يقول إن مجلس الشورى السعودي ما زال يُناقش فكرة تدريس اللغة الإنجليزية من بداية المرحلة الابتدائية! وخبر جانبي ثالث يتضمّن تحذيرات لرجال الدين من مغبّة تطبيق هذا القرار! والنتيجة أن الشباب هم ضحايا هذه القرارات الخاطئة في زمن عولمة مخيف تجاوز هذه الأفكار العقيمة!
 
عندما يتناهى لسمعي ما يجري في الدول المتحضرة، عن استقالة وزير بعد إقراره بعجزه عن إيجاد مخرج لأخطاء وزارته! أو إقدام مسؤول على الانتحار بعد تورطه في فضيحة فساد! أتساءل كم من المسؤولين في أوطاننا العربية يحقنون أوردتهم لتنشيط ضمائرهم النائمة، أو يقومون بتحريض أنفسهم لتحمّل مسؤولياتهم كاملة تجاه الأجيال الشابة؟!
 
نحن لا نريد منتحرين، ولكن نريد أن تظل الضمائر مستيقظة، وأن لا يجعل مسؤولونا ووزراؤنا الحفاظ على مناصبهم من أولويات حياتهم، بل يضعوا نصب أعينهم أن أمم الأرض لا تنهض إلا بسواعد أبنائها، فإذا ضمرت انهارت المجتمعات من الداخل ونخرت فيها كل آفات الأرض!!