الوهم… مصيدة كُبرى!!

الوهم… مصيدة كُبرى!!

الوهم… مصيدة كُبرى!!

الأحد /21/9/2008

 
من حق كل إنسان أن يحلم واقفاً، أو قاعداً، أو مستلقياً، أو نائماً، فليس هناك رخصة مدفوعة الثمن على الأحلام. والأحلام ليست مقتصرة على أناس معينين. الفقير والغني من حقهما أن يحلما. والمرأة والرجل من حقهما أن يحلما. والكبير والصغير من حقهما أن يحلما. لا تُوجد متاريس صلبة أمام الأحلام. فهي مثل الأشباح التي يُقال عنها بأنها تمتلك قوى خارقة لاختراق الحواجز، وعبور المحيطات، وتسلّق أعلى القمم، والانزلاق إلى قيعان الوديان، والتحليق في الأفضلية. كما أن الأحلام تملك خاصية فريدة نادرا ما نراها متواجدة من حولنا، وهي إيمانها بالمساواة بين الأفراد وحق الجميع أن يحلموا كما يشاؤون في أي وقت ودون مواعيد محددة!
 
لكن قلة من الناس من تعرف كيف تُفرّق بين الحلم والوهم، كون الوهم كالأطياف الهلامية التي تُلقي بعاشقها إلى الهاوية على غفلة منه مؤدّية إلى هلاكه! فهناك شعرة رقيقة تفصل بين الحلم والوهم، وكم من أوهام إنقاد خلفها عظماء فتسببت في ضياع أمجادهم. وكم من أوهام أنساق وراءها أفراد فقضت على حياتهم.
 
التشبث بخيط الوهم أوقع كثيرين في مشاكل مستعصية، خاصة البسطاء من الناس الذين ينصبُّ محور تفكيرهم على بلوغ الثراء وتحقيق رغد العيش. وكل يوم نسمع عن عمليات نصب واحتيال أضاع أصحابها ما جنوه في شبابهم. كان آخرها تلك التي وقعت في منطقة حائل بالسعودية حيثُ كان أغلب الضحايا موظفين من الجنسين، قدموا أموالهم إلى شركة استثماريّة بعد أن أوهمتهم أنها ستعطيهم أرباحاً شهرية مُضاعفة. وانتهت القصة كسابقاتها من القصص المأساوية التي نقرأها في الصحف العربية، بتبخّر المال وهروب صاحب الشركة إلى مكان مجهول، تاركاً المستثمرين وراءه يضربون أخماساً في أسداس ويولولون على ضياع “تحويشة العمر”!
 
أتذكّر أغنية قديمة للفنانة “شريفة فاضل” اسمها “حارة السّقايين” يقول مطلعها “على مين على مين .. بتبيع الحب لمين.. روح إسأل قبله أنا مين.. ما ترُحش تبيع الميه في حارة السّقايين”. وتعني كلماتها بأن السّقا لا يمكن أن يبيع ماءه في حارة مشهورة بوفرة الماء! كذلك النصابين لا يُمكن أن يتجرؤوا على إغواء الضحايا، والتحايل عليهم، والتلويح لهم بهذه الأرباح الخيالية، إذا لم يجدوا أرضا خصبة لدس حيلهم، واللعب على أوتار الأوهام، لنهب أموال هؤلاء الساذجين!
 
لا أعرف كيف يقع أفراد في شباك هذه المصيدة، وهم على علم مُسبق بحوادث النصب التي تتناقلها الصحف بين حين وآخر! فهل أخطأ هؤلاء الضحايا حين توهموا أنهم سيصبحون بين يوم وليلة من الأغنياء؟! هل الذي وقع لهم كان نتيجة أوهام صنعوها في مخيلتهم وتشبثوا بها عن جهالة فنالوا ما نالوا نتيجة غبائهم؟! هل مطالب الحياة القاسية هي التي جعلت الناس يتوجسون من الغد، ويهرعون للقفز فوق الحواجز دون رويّة حتّى يضمنوا حياة كريمة لأسرهم؟! هل الإنسان بطبعه جاهلاً كان أم متعلماً، يقع أسيراً لأوهامه؟!
 
صحيح أن القانون لا يحمي المغفلين، لكن أيضاً الحكومات العربية تتحمّل جزءاً من هذه المصائب التي تحدث غالباً في العلانية! ومن الواجب عليها- بعد أن غدت تتكرر- أن تقوم بنشر التوعية بين الناس من خلال الإعلام بقنواته المختلفة، وتحذيرهم من مغبّة الانجراف خلف هذه النوعية من الشركات التي تلوّح بالمكسب السريع من خلال دس السم الزعاف لهم في كلمات معسولة!
 
كما أن على الحكومات مراقبة أعمال هذه الشركات من البداية، قبل أن تقع الفأس في الرأس، وتبدأ في ملاحقة الجاني، الذي يُصبح لحظتها “فص ملح وداب”!
 
جميل أن يسعى أئمة المساجد في خطب الجمعة، الى تشجيع الناس على فعل الخير ونبذ العنف وتقديم الصدقات، لكنهم لا يُعفون من المسؤولية كذلك! فأغلبية أئمة المساجد ينصب حديثهم في حث الناس على نبذ ملذات الدنيا وترهيبهم والتلويح لهم بفداحة العقاب في الآخرة مُتجاهلين أن الحياة دين ودنيا، وأن جزءاً من مهمتهم ينصبُّ في إحياء الضمائر الغافلة، وتنشيط العقول الساذجة.
 
الوهم يحتاج أحياناً إلى مراقبة إنسانية وقانونيّة في عالم أصبحت المادة هي الحاكمة الفعلية على الأرض!!