الحنين لزمن “سي السيد”!!

الحنين لزمن “سي السيد”!!

الحنين لزمن “سي السيد”!!

الأحد /5/10/2008

 
يظهر بأن الرجل ما زال في قرارة نفسه يحنُّ إلى شخصية “سي السيد” في ثلاثية الأديب نجيب محفوظ. وذلك من خلال ملاحقته بنظرات متحسرة، المسلسلات التي تُصوّر المرأة المستكينة التي لا هم لها سوى النفخ والطبخ والانهماك في أحاديث النميمة بين الجارات، وتبجيل الزوج ليل نهار، كالعبارات التي تُرددها بطلات مسلسل “باب الحارة” في أجزائه الثلاثة مثل “يا تاج راسي” و “الله يخليلي إياك” وغيرها من الكلمات التي تُشبع الأنا المتضخمة في الرجل الشرقي!
 
وفي الوقت الذي يتسابق فيه المخرجون العرب على إحياء تلك الحقبة، وتصوير الواقع الذي كانت تحيا فيه المرأة حين كانت منقادة كليّاً للرجل، مما أسال لعابه وحرّك في أعماقه أمنية الجلوس في عرين الأسد، طالب مؤخراً في بروكسل عدد من أعضاء البرلمان الأوروبي بوجوب حظر الإعلانات التي تحصر دور المرأة في صورة ربة المنزل، التي تقتصر مهامها على الطهي والغسيل وترتيب البيت، كون هذا النوع من الدعايات يُوجه رسائل عنصرية تجاه المرأة، ويُقلل من مكانتها الاجتماعية، ويُلغي إنجازاتها العلمية!
 
كل مجتمعات الدنيا ذكوريّة، لكنها تتفاوت نسبتها من مجتمع لآخر حسب نظرة أفراده المتحضرة للمرأة، ووعي نسائه، وجسارة المرأة في المطالبة بحقوقها كجزء لا يتجزأ من كينونتها. وهي عناصر للأسف نفتقدها في بعض المجتمعات العربية والمسلمة، التي ارتفعت فيها نغمة التطرف الديني المنادية طوال الوقت بتقييد حركة المرأة وكتم صوتها!
 
في أغلبية الحوارات التي تُجرى معي حول رواياتي، دوما تُطرح عليّ أسئلة محددة، لماذا صورة المرأة العربية في رواياتك وفي جلِّ الروايات النسوية، محصورة في المرأة المقهورة، المنكسرة، الخاضعة لسلطة المجتمع الذكوريّة؟! لماذا لا يُوجد بين أبطال رواياتك، نموذج للمرأة القوية الفاعلة داخل أسرتها وفي مجتمعها؟! هل الرواية النسوية لا تتوفّر فيها عناصر النجاح، إلا إذا قامت بتوظيف النساء المستسلمات المقهورات، لضمان خلق زوبعة من الضجيج الإعلامي حولها؟!
 
دوماً أؤكد أن ما يُسطّره قلمي ما هو إلا قطرة في محيط لما يجري في مجتمعي السعودي تحديداً، حيث لا تستطيع فيه المرأة أن تخطو خطوة واحدة إلا بمباركة من الرجل، وإن كان أقل منها علماً ومكانة! وأتذكّر كم أحسُّ بالمهانة وأنا أقف أمام ضابط الجوازات، مادة له يدي بتصريح السفر، مرددة دوماً أمام صديقاتي بأنني أعتبره قيداً في معصمي لا ورقة مرور إلى الجانب الآخر من العالم! وعندما يأخذنا الحديث نحو الوصاية المفروضة على المرأة من الألف إلى الياء، أؤكد لهن بأن تعزيز مطالبهن لن يتم إلا بالقيام بحملة اجتماعية تقودها النساء وليس الرجال!
 
لقد ضحكتُ وأنا أقرأ عبارة رئيس “جمعية الحرية لأصدقاء الرجل” في مصر، وتحسره على ضياع سيدة الزمن الجميل المتمثلة في “ست أمينة” زوجة السيد عبد الجواد في ثلاثية محفوظ، كونها كانت امرأة عاقلة، صبورة، تُقدّس الحياة الزوجية! بدلاً من أن يُحرّض على حقن الأجيال الناشئة بمصل تقدير الجنسين لبعضهما بعضا، والسعي لإلغاء النظرة الدونية التي ينظر بها أغلبية الرجال للنساء!
 
كما لا أعرف ماذا قصد بقداسة الحياة الزوجية! وهل القداسة مقتصرة على المرأة وحدها، أم أن على الرجل أيضاً أن يحترم قداسة الحياة الزوجية؟! لقد كانت السيدة أمينة من وجهة نظري سيدة سلبية، مغلوبة على أمرها، لكنها كانت تغض الطرف عن نزوات زوجها الفاسد من منطلق من لا حول له ولا قوة! والحياة تستلزم الموازنة وتقدير كل طرف للآخر، لا أن تنحصر مهمة المرأة في تقديم تنازلات يوميّة للرجل، وإرضاء ذاته المتضخمة، وإن كان نزقاً همّه إشباع نزواته!
 
عودة إلى مسلسل “باب الحارة” وغيرها من المسلسلات التي تغمز على المرأة “السوبر”، التي كانت تقدّم للرجل كل شيء من أجل أن يغرقها الرجل بكلمات الرضا، مندهشة من هذا الرضا الباهظ الثمن الذي لا يمنحه الرجل للمرأة، إلا بعد أن تُقدّم له صكا مدموغا ببصمتها عن إنكارها لحقوقها!
 
إن هموم الحياة غدت تنخر في بنية الأسرة مخلفة ثقوباً كثيرة، وقارب الحياة لا يمكن أن يسير بأمان بمجداف واحد، وإلا تمايل جانب على حساب الجانب الآخر مؤدياً في نهاية الأمر إلى غرقه!!