السحر بين الحقيقة والكذب!!

السحر بين الحقيقة والكذب!!

السحر بين الحقيقة والكذب!!

الأحد /12/10/2008

 
أعترف بأن عالم الجن وقصص الأسحار تلفت انتباهي، وإلى اليوم كلما شاهدتُ فيلماً يتناول هذا الموضوع يُجافيني النوم طوال الليل، وتحضر في ذهني حكايات واقعية سمعت تفاصيلها من أمي أو على ألسنة الأهل والأقارب، لأناس دُمّرت حياتهم بالكامل بسبب تعرضهم لمس من الجان، أو قيام البعض بأذيتهم من خلال عمل تعاويذ سحرية للانتقام منهم، وأظلُّ أقرأ سور المعوذات في سرّي حتّى ينبلج الفجر، فيهدأ بالي، وتتبخّر هواجسي، ويتلاشى خوفي، وأستسلم صاغرة لسلطان النوم.
 
هذه الحالة لا أنفرد بها، بل تنتاب أكثرية الناس في مجتمعاتنا، حيثُ يجفلون من سيرة الجن ويتخوفون من قدرات السحرة على فعل المعجزات. وقد ساهم في ترسيخ هذه المفاهيم الموروثة، أنها مذكورة في مواضع كثيرة بالقرآن، بل إن هناك سورة كاملة باسم الجن، إضافة إلى أحاديث كثيرة مأخوذة على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعضها صحيح والبعض الآخر مغلوط!
 
إضافة إلى الكم الهائل من الكتب المطبوعة المنتشرة في المكتبات وعلى الأرصفة، التي أستغلَّ أصحابها عدم خضوعها للرقابة في التطرّق بحرية لهذا العالم غير المحسوس، وإظهار قدرة الجن والسحرة على اللعب بمصائر البشر! بجانب البرامج المكررة التي شاعت في العقود الأخيرة بالفضائيات العربية، التي تتحدّث بالصوت والصورة عن هذا الموضوع ونجاحها في استقطاب كم هائل من المشاهدين العرب.
 
لفت انتباهي منذ فترة مقال منشور للدكتور عمّار بكار، ينتقد فيه عدم وجود أكاديمية تقوم بعمل دراسات علمية لعالم الجن وقضايا السحر، على أساس منهجي منظم للتحقق من صحة الروايات التي تُحاك يوميّاً حول هذا العالم “الميتافيزيقي” أو الغيبي! خاصة وأن الفرد المسلم يتعايش يوميّاً مع هذا العالم كونه يُمثّل جزءاً لا يتجزأ من عقيدته الإسلامية، ضاربا المثل بالعالم المتحضّر، الذي لم يقف عند حاجز معين، بل قام بتطوير العديد من الدراسات “الميتافيزيقية” التي تتناول بحرية تامة عالم الروحانيات.
 
ما دفعني اليوم للتعليق على هذا المقال، قيام عدد من القنوات الفضائية بعرض مسلسلات في شهر رمضان تدور أحداثها حول عالم الجن والسحرة، وكيف يمكن اللجوء لأعمال السحر في تدمير بيوت، وهتك أعراض، وتبديد أموال. وقد جمعت هذه المسلسلات حولها مشاهدين من الجنسين ومن مختلف الأعمار بكافة الدول العربية. وعلى الرغم من أنني لم أكن متابعة دائمة لهذا النوع من المسلسلات، إلا أنني حرصتُ على رؤية بعض حلقاته من باب الفضول.
 
تمنيتُ من المنتجين الذين يهدرون أموالهم على إنتاجها، أن لا يوجهوا أنظار الناس صوب هذا الاتجاه، ورمي حمولة أخطاء الأفراد على السحر، وتخويفهم من آثاره الفعلية في التلاعب بمقدراتهم! فمن المألوف أن تتجمّع الأسرة حول التلفاز خاصة في شهر رمضان، الذي يضم فتيات في سن الزواج، ومراهقين لم يصلوا إلى مرحلة النضج الفكري! وهو ما يجعلهم يعتقدون بأن الانغماس في هذه الدائرة البراقة سيحل لهم مشاكلهم المادية العالقة، وينقذهم من شبح البطالة في المستقبل. وسيدفع الفتاة التي تحلم بعريس دافئ الجيب، إلى اللجوء لأحد السحرة ونفحه مبلغاً من المال، ليجلب لها عريسا “لقطة”، أو يخطَّ لها تعويذة تُسهّل لها سرقة أحد الأزواج المتخمي الثراء وتنضم بفضله إلى طبقة الأغنياء.
 
عودة لمقالة الدكتور “بيكار”، الذي يحثُّ على تدريس هذا النوع من الغيبيات ضمن العلوم الاجتماعية والإنسانية، لعدم وجود جهود أكاديمية لفهم تفاصيل هذا العالم الذي يؤمن الكثيرون بأنه علم لا يخوض فيه إلا نوعية معينة من الناس تملك القدرة على التواصل مع عالم الجن وإتقان أمور السحر، مما سيساهم مستقبلاً في حال تطبيقه إلى حماية الإنسان العربي من الدجالين ومن الوقوع في شباك المشعوذين!
 
ألا يكفي أن مجتمعاتنا مخذولة، يعيش جلَّ أفرادها واقعاً مريراً، وتترقّب صبيحة كل يوم معجزة إلهية تنقذها من معاناتها اليومية التي لا تنتهي، حتّى تقوم القنوات العربية بفتح باب مشبوه على مصراعيه أمامها، مُتسببة بقصد أو من دون قصد في هلاكها وتشويش ذهنها!
 
يجب أن تؤمن مجتمعاتنا العربية أن ضروب الحظ لا تأتي للإنسان المتكاسل، وإنما الحظ يلهث خلف الإنسان الذي يكد ويشقى ويتعب لكي يُحقق أحلامه، بل وتجثو عند قدميه إجلالا له.