أسواق المال… وفقدان الرجولة!!

أسواق المال… وفقدان الرجولة!!

أسواق المال… وفقدان الرجولة!!

الأحد 26/10/2008

 
أنا لا أفقه شيئاً في عالم الاقتصاد، ولا أفهم في أرقام البورصة، وليس لي خبرة في دنيا “البيزنس” من قريب أو بعيد، كل ما يربطني بهؤلاء هو حبّي لشراء ما يلزم وما لا يلزم من منبع أصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب! وعندما سمعتُ مثل غيري عن انهيار سوق المال العالمي وما رافقه من تداعيات سلبية كبيرة، حمدتُ ربي على نعمة الصحة وراحة البال، خاصة عندما قرأت عن حالة الهلع التي أصابت المستثمرين في كافة أرجاء العالم، وتعرّض البعض منهم إلى أزمات قلبية بعد اكتشافهم حجم خسائرهم، ووقوع مشاجرات أمام مقر عدد من الشركات المالية التي مُنيت بخسارات فادحة، مما جعلها عرضة لتهديدات مجهولة المصادر!
 
يُقال في مثلنا الشعبي “شر البلية ما يُضحك”! وقد حضر في بالي حين قرأت خبراً نشرته صحيفة القبس الكويتية، عن تأثّر العلاقات الأسرية سلباً بالكويت بعد انهيار الأسواق المالية، وهو ما أدّى إلى ازدحام العيادات النفسية بالمرضى الذين تعرضوا لحالات من الاكتئاب الشديد بعد أن خسروا أموالهم، واضطرارهم اللجوء إلى الأطباء النفسيين لانتشالهم من حالة الحزن والإحباط التي وصلوا إليها.
 
ذكرت الصحيفة أن أحد المضاربين الذين تلقوا صفعة قوية وتبخّرت أموالهم في أسواق البورصة، وصل إلى إحدى العيادات النفسية فاقد الوعي بعد أن عيّرته زوجته بذكورته الناقصة، مساوية بين خسارته في البورصة وفقدانه لرجولته، فاضحة سره الذي أخفته طويلاً أمام أبنائه عن ضعف أداء واجبه الزوجي، على أساس أن المال يغفر لصاحبه كل زلاته ويغض عن عيوبه!
 
سواء أنكرنا أم اعترفنا على استحياء، تُظهر وقائع الحياة بأن المال هي اللغة التي لا تحتاج إلى قاموس لغوي للتفاهم بين كافة شعوب الأرض، لكي تفهم دوافعه، أو تفك طلاسمه، أو تُحرر شيكات آجلة الدفع! فسطوة “أوراق البنكنوت” تفتح أمام المرء كل السبل المغلقة، وتزيح عن طريقه كافة العقبات، وإلا فكيف نبرر ما جرى من تصدّع وتشقق في الأسرة، ووقوع خلاف بين الزوجين، حيثُ كان من المفترض أن تحمي علاقتهما مشاعر الود وأواصر المحبة، لا حفنة من أموال مرصوصة في الخزائن!
 
نصحتُ مرة قريباً من أقربائي أن يُخصص وقتا أطول لبيته وأبنائه، بعد أن بدأت زوجته تُعلن تبرمها من إهماله لها وتفضيله عمله على أسرته. رد عليَّ بهدوء: كل ما ذكرتِه أدركه جيدا، لكن من دون الجهد الذي أبذله في عملي وأحصل منه على دخل جيد، لن أملك القدرة على تعليم أبنائي في مدارس جيدة. ولن أستطيع أخذهم في العطل الصيفية إلى أماكن يرغبون في مشاهدتها. ولن أقدر على إكمال بناء بيت العمر. ولن أستطيع تلبية مطالب زوجتي الخاصة. باختصار شديد أنا الماكينة التي تدرُّ ذهباً والتي توفّر الأمان والاستقرار لأسرتي.
 
مع اقتراب أعياد “الكريسماس” وأعياد الميلاد، أخذ الناس العاديين في أوروبا وأميركا الذين تعرضوا للخسارة في أسواق البورصة، ينظرون بعيون منكسرة للأضواء التي تُزين الطرقات، وإلى “الفترينات” التي تعرض بضائع مخفضة في مثل هذا التوقيت من كل عام، وأخذوا يُهيئون أنفسهم لمواجهة واقعهم الجديد بالتخلّي عن الكثير من الكماليات وتقليص حجم مشترواتهم.
 
الخبراء يؤكدون على أن هناك كارثة اجتماعية كبيرة ستحدث إذا لم تحتوِ حكومات العالم الأزمة المالية، التي من الواضح أن الجميع سيكتوي منها بلا استثناء! وهو بالفعل ما بدأنا نلمسه من حولنا ونُعانيه يوميّا مع موجة الغلاء التي أدّت إلى تفاقم المشكلة!
 
لماذا تركنا المال يُحرّك حياتنا، ويُصيبنا بالفزع إذا هرب من بين أيدينا؟! من يتحمّل الوزر الأكبر؟! هل الحكومات تتحمّل جانبا كبيراً منه، على أساس أنها الراعية الأولى لشعوبها ودورها حمايتها من جشع الشركات العملاقة، فلم تُقدّم لها البديل المضمون؟! هل الرجل والمرأة يتشاطران المسؤولية، بسبب جعلهما سعادتهما الزوجية مرهونة بحضور المادة طوال الوقت؟!
 
يُقال بأن الفقر إذا دخل من الباب هرب الحب من الشباك! ولا أدري إلى أي مدى تصدق هذه المقولة، لكن ما جرى في الكويت جعلني أضع يدي على قلبي مرددة بصوت واجف: أيها المال كم من البيوت انهارت بسببك!!