القرآن والمرأة

القرآن والمرأة

القرآن والمرأة

الأحد 2/11/2008

 
قدّمت حركات تحرير المرأة المسلمة في مؤتمر برشلونة الذي عُقد مؤخراً بإسبانيا، قراءة نسائية للقرآن والسنة مخالفة للمفاهيم الشائعة المهيمنة على المجتمعات العربية والمسلمة منذ ظهور الإسلام إلى اليوم. “أمينة ودود” أول سيدة تقوم بتفسير القرآن برؤية نسويّة من خلال كتابها “القرآن والمرأة” الذي نشرته، مُعتبرة بأن الجدل الدائر في العصر الحالي حول المرأة المسلمة وكل ما يرتبط بعالمها، هي هلوسة فكرية لم تكن متواجدة منذ ثلاثة قرون بهذا القدر من الغلو والتطرّف! مبينة بأنها تسعى من خلال كتابها ومحاضراتها، إلى وجوب وضع رؤية جديدة معاصرة تقوم على مبدأ تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة من خلال علاقتهما بالله وعلاقتهما ببعضهما بعضا.
 
هذه السيدة الأميركية من أصل أفريقي، كانت قد أثارت ضجة عارمة في العالمين العربي والإسلامي حين أمّت المصلين نساء ورجالًا في صلاة الجمعة بمدينة نيويورك منذ سنوات قليلة. ثمّ أعادت الكرة منذ عدة أسابيع في بريطانيا حيثُ قامت بإمامة الناس في صلاة الجمعة بجامعة أكسفورد، مما أثار جدلًا واسعاً وسط الجالية الإسلامية هناك ما بين مؤيد ومعترض وصل إلى حد التهديدات بقتلها! 
 
“أمينة ودود” ليست بالمرأة المسترجلة، أو المهووسة بالشهرة، أو تلك التي تسعى إلى افتعال ضجيج حولها لإشباع غرورها! فهي مُفكرة وأستاذة جامعية، وكان والدها قسّيساً محافظاً، وظلّت تعتنق الديانة المسيحية إلى سن العشرين إلى أن غدت من أهم المفكرات المعاصرات المدافعات عن حقوق المرأة المسلمة.
 
تُذكرني السيدة “ودود” بالدكتور “مصطفى محمود”، الذي اعترف بأنه في بداية حياته كان ملحداً، وسجّل تجربته الشيقة في كتابه “رحلتي من الشك إلى الإيمان”، ليُصبح بعدها من أبرز وأهم المفكرين المسلمين المستنيرين.
 
تقول “ودود” إنها اعتنقت الديانة البوذية أيضاً قبل أن تتحوّل إلى الإسلام، وإن إسلامها جاء بمحض الصدفة حين تعرّفت عليه لأول مرة من خلال مسجد يقع في الحي الذي كانت تعيش فيه بذلك الوقت، وأن سماعها اليومي للآيات القرآنية ساهم تدريجيّاً بدخولها إلى حظيرة الإسلام، لكنها لاحظت من خلال بحوثها وإطلاعاتها على شؤون المرأة في العالمين العربي والإسلامي، أن التشريعات التي تُمارس على المرأة المسلمة قد تداخلت مع مرور الوقت بالموروثات الاجتماعية التي تقوم أصلاً على تبجيل الرجل والحط من مكانة المرأة، مما دفعها للمطالبة بإحداث تغييرات جوهرية على أوضاع المرأة المسلمة.
 
لم يتوقف الأمر عند السيدة “ودود”، فقد تناقلت الصحف العربية مؤخراً موافقة الحكومة المصرية على تعيين أول امرأة محامية بوظيفة مأذونة شرعية، حيثُ كانت حتّى الماضي القريب حكراً على الرجال. كما أصدرت دائرة العلاقات العامة في وزارة التربية بإيران بيانا يُجيز للمرأة أن تؤم النساء في صلاة الجمعة داخل المساجد.
 
هذه الصور المضيئة التي تنبثق من هنا وهناك وترسم خطوطها نساء واعيات، تدل على أن المرأة قد قررت التحرر من عباءة الرجل، وكسر القيود المفروضة، مصّرة على أن تجهر بحقوقها في مجتمعات ذكوريّة لم تزل تتطلع إليها بعيون حذرة مترقبة مليئة بالتوجس!
 
مواقف جريئة تحمل في طياتها رسائل ذات مغزى كبير، وإن حرّكت مخاوف البعض، في أن المرأة ماضية قُدماً لإرساء مطالبها، على الرغم من الحملات الشرسة التي تحاول تكبيل يديها وقدميها!
 
جميل أن تنثر المرأة عطرها الفواح في كل رقعة بمجتمعها، وبين حجرات بيتها، وداخل أسوار مدينتها، وفي كافة الحدائق المحيطة بوطنها، وإنْ كانت تربتها جافة تستلزم الحرث والإصلاح على المدى البعيد! لكن على المرأة أن تُدرك بأن كل ما تحلم به لن يحدث، وهي واقفة مكتوفة اليدين تنتظر منّة من الرجل! وتغيير مفاهيم رجعية ظلّت راسخة قرونا طويلة تجاه المرأة، تحتاج إلى معاول حديدية، وإرادة صلبة، لردم كل الثقوب التي تعترض دربها الذي يبدأ حقيقة من البيت، تلك المؤسسة التي تزرع النواة الأولى في فكر الأجيال الصغيرة حتّى تنشأ على تقدير المرأة، واحترام فكرها، والتباهي بانجازاتها، وليس بسجنها داخل جدران أربعة، أو دفنها في الأقبية بحجة حمايتها من أعين الفضوليين! أحيانا كثيرة العتمة القاتمة تتيح الفرصة لحشرات الأرض أن تلتهم كل شيء في صمت لذيذ!!