لعبة الدمى… والحريات الشخصية!!

لعبة الدمى… والحريات الشخصية!!

لعبة الدمى… والحريات الشخصية!!

الأحد 9/11/2008

 
بين حين وآخر تصل لمسامعنا أخبار مُفرحة، تهزُّ أعماقنا، وتستفزُّ مشاعرنا، وتدفعنا إلى التساؤل عن طبيعة ما يجري من حولنا! ولماذا تتكرر هذه الوقائع كثيراً في دول الغرب، ولا تحدثُ إلا نادراً في أوطاننا العربية؟!
 
مؤخراً، توقفت حدقتا عينيَّ عند الخبر الذي تتحدّث سطوره عن الرئيس الفرنسي “نيكولا ساركوزي” وخسارته للقضية التي رفعها ضد شركة “كيه أند بي”، بسبب تصنيعها دمية على هيئته تُباع مع كُتيّب يُوضّح الخطوات التي يجب أن يتبعها مشتريها.
 
لعبة “الفودو” هي في الأساس مذهب ديني متواجد منذ القدم في غرب أفريقيا ويُمارسه البعض في جنوب الولايات المتحدة الأميركية. وتستلزم طقوس هذا المعتقد أن يغرس أصحابها دبابيس في دمى تُمثّل أعداءهم ليُصابوا باللعنة!
 
الرئيس “ساركوزي” لم يتحمّل فكرة أن تلحقه اللعنة، وإنْ كانت عن طريق دمية جامدة لن تحل ولن تربط! مما دفعه إلى رفع قضية على الشركة المنتجة لهذا النوع من الدمى. وقد ارتكز القاضي في رفضه للقضية على أنها تدخل ضمن تضييق الحريات الشخصية التي تتعارض جملة وتفصيلاً مع مبادئ الديمقراطية التي يتمسك بها الغرب. ويبيّن كذلك استقلالية القضاء في الدول المتحضرة، التي لا تعرف “خيار ولا فقّوس”! ولا تُفرّق بين مسؤول كبير وموظف صغير في أحكامها!
 
في إيطاليا حدثت قصة مُشابهة، فقد أصدرت المحكمة العليا حكماً بأن المحسوبيّة واستغلال النفوذ يُعد جريمة في نظر القانون! مما جعلها تحكم بحبس عمدة مدينة “تراباني، واثنين من معاونيه لمدة تُقارب السنتين بسبب استغلال مناصبهم في حصول ابن عم زوجة العمدة على وظيفة يُوجد كثيرون غيره أجدر بها منه!
 
قاضي المحكمة العليا برر نطقه لهذا الحكم، أن تصرفات المتهمين قد أخلّت بالقوانين التي تنصُّ على وجوب تمسّك أصحاب المناصب بالنزاهة والأمانة، حتّى وإنْ لم يُقدّم هؤلاء رشوة مالية لتسهيل مطالبهم!
 
الحقيقة أنا حائرة في ماذا أقول أو أعلّق على هذين الخبرين اللذين لا يُوجد لهما نسخة طبق الأصل في أوطاننا العربية من محيطها إلى خليجها! حيثُ لا يتم شيء من دون محسوبية أو واسطة إلى حد أن كلمة “تعرف فلان”؟! أو “لديك قريب في هذه الدائرة الحكومية أو تلك”؟! غدت عبارات دارجة في معيشتنا اليومية! تجدها مُشاعة في كافة المؤسسات الخاصة والحكومية، بل وفي وسائل الإعلام التي تُسيطر عليها العلاقات الخاصة والشللية، التي أصبحت ورقة العبور لعالم المجد والشهرة!
 
وحدّث ولا حرج عن الانتهاكات الصارخة التي يقوم بها عدد من المسؤولين ورجال الأعمال الكبار، الذين يستغلون سلطتهم النافذة في التنكيل بمن يُنبّش وراءهم، أو يواجههم بأخطائهم، أو يحاول الوقوف في وجههم!
 
هذه الصور القاتمة ساهمت في انتشار الفساد بكافة أنواعه، وجعلت مجتمعاتنا العربية مهددة بالانحدار نحو وديان مظلمة، وهذا كله بسبب الاستهتار بآدمية الإنسان داخل أوطانه، وتلاشي قيم العدل والمساواة، وتضييق الحريات، وانعدم الشفافية، وعدم استقلالية القضاء.
 
المشكلة الكبرى التي سنواجهها على المدى البعيد، أن غياب مجتمع القدوة سيفرز أجيالا “بهلوانيّة” تُجيد الرقص على حبال المراوغة والضحك على الذقون، لكي تصل لنهاية مشوارها دون تعب أو جهد، متخذة تصرفات الكبار الذين يُربّتون أمام الملأ بيد ويبطشون في الخفاء باليد الأخرى، نماذج يحتذون بها!
 
الشيء المخجل أن أغلبية مثقفينا لا يكفون عن الصراخ بأعلى أصواتهم طوال الوقت، وأمام شاشات التلفاز، بأن دول الغرب في خطر نتيجة انحسار المبادئ الأخلاقية عن مجتمعاتها، وانتشار الإباحية الجنسية والمخدرات بين أبنائها، متجاهلين الجوانب المضيئة لديها التي قدّمت لنا الانجازات العلمية الهائلة، التي لولاها لغرقنا في ظلام دامس!
 
إن حضارة الأمم تنهض بأجيالها الواعية القادرة على الإمساك بمهارة، النجوم المتلألئة في السماء، وهذا لن يربو في أوطاننا إلا إذا زرعنا مجتمع القدوة الذي يضمُّ النخب على تباين توجهاتها، واضعة على عاتقها السعي بكل ما أوتيت من قوة إلى تطبيق مبادئ العدل والمساواة والحرية على أرضها.
 
شواطئ البحار مهما كانت رمالها خلاّبة، ستفقد رونقها إذا لم يتم تنقيتها من المخلفات التي تُلقيها أمواجها عند صبيحة كل يوم عاصف!!