إعلام مشكوك في ذمّته!

إعلام مشكوك في ذمّته!

إعلام مشكوك في ذمّته!

الأحد 08/3/2009

 
بين حين وآخر تطفو صورة الإعلام على سطح المجتمعات خالقة جدلاً واسعاً حول دقة خطوطه ونوعيّة ألوانه! فهناك من يتهم المؤسسات الإعلامية بأنها لم تزل مُسيّسة، تابعة لأنظمة بلادها، بما فيها القنوات الفضائية الخاصة التي تُساهم بقصد في ليِّ عنق الحقائق وتقديمها للمشاهد بما يتناسب مع رؤية مالكيها المؤيدين لسياسات بلدانهم وإنْ كانت خاطئة! فهل هذه الآراء تُؤكد أن الإعلام أصبح مشكوكاً في ذمته، وأن كلمة إعلام حر ليس ليس لها وجود على أرض الواقع؟!
 
أحد المراكز الإعلامية الفلسطينية داخل إسرائيل، قدّم تقريراً يُظهر أن الإعلاميين الفلسطينيين وعلى الأخص مُقدمي البرامج الإذاعية والإخباريّة والسياسية، يتعرضون لضغوطات مهنية تُهدد حياديتهم، وأن علاقتهم مع المؤسسات الإعلامية الإسرائيلية تخضع وفق ولائهم لخطاب الإعلام الإسرائيلي الرسمي القائم على محاربة الوجود العربي، وهو ما يعني ضمناً اختراق المبادئ الإنسانية المتعلقة بمهنة الإعلامي.
 
أتذكّر إبان الحرب الأخيرة على غزة، أن قامت حملة على مقدمة أخبار في قناة إسرائيل الرسمية بسبب تأثرها بمشاهد القتل والدمار التي خلّفتها الأداة العسكرية الإسرائيلية حيثُ ذرفت المذيعة حينها دموعها أمام الشاشة، وهو ما أدّى إلى طعن الكثيرين في وطنيتها ومطالبتهم بطردها من عملها! وهو ما يعني إلزام الإعلاميين بتبنّي سياسة الجهة التي يعملون فيها.
 
منذ فترة قُتل شاب فرنسي من أصل عربي على يد متطرّف فرنسي، ورغم شبهة العنصرية التي تُـحيط بالواقعة، فإن المؤسسات الإعلامية تعاملت معها بتجاهل وبرود! في الوقت الذي قامت الدنيا ولم تقعد حين تعلّق الأمر بمقتل شاب فرنسي يهودي، وهو ما يوضّـح ازدواجية المعايير في التعامل مع الحدثين!
 
أحياناً أرفع يدي تحية للإعلام الغربي في تعامله بجرأة مع شؤونه العامة، خاصة تلك المتعلقة بقضايا الرشوة والفساد وتبديد الرأي العام والمجاهرة بمحاسبة المسؤولين المتورطين فيها. وأحياناً أخرى أصاب بخيبة أمل كُبرى حين ألمس تعامله المجحف مع أحداث الشرق الأوسط. ولا أعرف حقيقة أسباب هذا التناقض في المواقف!
 
حين أجلس أمام التلفاز، أحرص على أن أرى كيفية عرض خبر مهم وقع في الشارع العربي، فأجد طريقة صياغة الخبر تختلف في كل قناة عن الأخرى بما فيها قنواتنا العربية! خاصة إذا ما ارتبط الأمر بسياسة إسرائيل التعسفية وبالشأن الفلسطيني الداخلي.
 
المشاهد العربي اليوم فكره مشوّش، لا يدري أين يضع ثقته من يُصدّق ومن يُكذّب! والأدهى والأمر أن هناك مذيعين ومُقدمي برامج صرّحوا علناً بأنهم تخلّوا عن مواقعهم الوظيفية حين لمسوا عدم مصداقية القناة التي عملوا تحت إمرتها، وتحدثوا عن حجم الضغوطات، التي تعرضوا لها من أجل دحض أو تثبيت هذه الواقعة أو تلك! وإن آثرت الأغلبية الاستسلام لسياسة المؤسسة التي ينتمون إليها لتوفير لقمة عيشهم!
 
الإعلام مسؤولية كبرى، ولهذا يجب أن يكون مستقلاً عن سياسة بلاده، وهنا أتحدّث عن الإعلام الخاص الذي أعول عليه كثيراً، لكونه لا يخضع لأي جهة رسمية! كما تجب حماية المذيعين ومُقدّمي البرامج الحوارية السياسية من بطش المسؤولين، وتركهم يُقدّمون برامجهم بحيادية تامة، لكون الإعلام النزيه أُقيم لإفشاء المستور دون مواربة أمام الرأي العام.
 
للأسف كما نعيش اليوم ردة فكرية، نعيش أيضاً ردة إعلامية، وعلى الرغم من ثورة التكنولوجيا التي ملأت الآفاق، والتطوّر التقني الذي يتذوقه الجميع، فإن حرية الرأي آخذة في التقلّص، وعمليات التعتيم والحجب تسير على قدم وساق!
 
ما هو الحل؟ يجب أن لا نتقبّل الأمر الحاصل بروح الاستسلام، وكأن الأمر تحصيل حاصل، بل يجب على طبقة الكتّاب شن حملة شعواء بأقلامهم على المؤسسات الإعلامية بقنواتها المختلفة، وحثها على أن تقوم بأدوارها الحقيقية في تبنّي سياسة المكاشفة بحيادية تامة، ومساندة الإعلامي ليقوم بدوره المطلوب منه حتّى لا يكون لقمة سائغة في يد المؤسسة التي يعمل فيها!
 
إن الحق لا يحيا بعيون كثيرة، عين تغمز لترضي جميع الأطراف! وعين تقفل جفنها بحجة أنها ناعسة ترغب في النوم! وعين تدمع كي لا ترى ما يقع أمامها من سلبيات! الحق له فقط حدقة واحدة واسعة لتُعلن دون أن ترتجف رموشها، لا لميوعة المواقف، ولا لتسييس الإعلام!