القمم العربية… وهمومنا المعيشيّة!!

القمم العربية… وهمومنا المعيشيّة!!

القمم العربية… وهمومنا المعيشيّة!!

الأحد 5/4/2009

 
في مطلع كل يوم تُفاجئنا وكالات الأنباء بخبر جديد يتعلّق بتداعيات الأزمة المالية التي اجتاحت العالم في الشهور الأخيرة، فنسمع عن قيام شركات عملاقة بإعلان إفلاسها بين يوم وليلة. واضطرار شركات أخرى إلى تسريح أعداد كبيرة من موظفيها رغبة في تقليص مصروفاتها حتّى تتمكّن من طرد شبح الإفلاس عنها. وهو ما أدّى تباعاً إلى انخفاض مستوى الفرد المعيشي في أغلبية بلدان العالم.
 
لقد استوقفني طويلا الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام مؤخراً، أن تجارة بيع البويضات قد نشطت داخل الولايات المتحدة الأميركية، وأن النساء هناك اضطررن لعرض بويضاتهن للبيع في عيادات الخصوبة حيثُ المغريات عالية. وقد وصل سعر بيع البويضات إلى عشرة آلاف دولار، وهو ما دفع بعضهن إلى تقبّل الأمر لتحصيل المال وتسديد نفقاتهن، لمقاومة تداعيات الأزمة التي لحقت بأسرهن.
 
ماذا عنّا؟! هل كل شيء منضبط لم يخرج صوب دائرة الانفلات كما تُردد حكوماتنا العربية، أم أنها وسيلة مستهلكة لتهدئة الشارع العربي؟! هل حقيقة نحن بمأمن من هذه الأزمة الطاحنة، أم أننا في أوطاننا العربية تعودنا على مواربة الحقائق، وعدم الشفافية في التعامل مع قضايانا العامة؟! ألم يُؤكّد خبراء الاقتصاد بأن هذه الأزمة ستستمر في التصاعد، وستظل سحبها القاتمة تُخيّم على أفق حياتنا لمدة لا تقل عن خمس سنوات؟!
 
أعترف بأنني أضحيتُ كثيرة الشجار مع الخادمة، ما أن أقوم بإرسالها إلى السوبر ماركت لإحضار بعض اللوازم المنزلية حتّى أتفاجأ بها تُقدّم لي ريالات قليلة مرفقة بفاتورة المشتريات، فأقوم بتلقينها درساً في التقشّف الاقتصادي، طالبة منها أن تُراعي ميزانية البيت. فترد عليَّ بلغة عربية متكسّرة مخارجها “إيش أسوي مدام!! كله نار. السوق غالي كتير مدام!”. فأهدأ وأؤنّب نفسي على ضيق صدري معها، وأن لا حول لها ولا قوة في ارتفاع أسعار السلع الغذائيّة. مُعلّقة بيني وبين نفسي بأن ما جرى مع نساء أميركا كان من الممكن أن يحدث في بلداننا! وأنه لولا المظاهر الاجتماعية التي يتمسّك بها الناس، والتعاليم الدينية التي تحترمها الأسر العربية، لما ترددت النساء العربيات لحظة واحدة في طرق هذا الباب لفك ضائقتهن المالية!
 
مع كل عام مع انعقاد القمة العربية، تنشط ذاكرتي، وأفتح أدراج مكتبي، وأنفض الغبار عن أوراقي، وأراجع مع صويحباتي مطالبنا البسيطة في مضمونها، ثم نجلس أمام شاشة التلفاز بأنفاس محبوسة، داعين بصوت خافت أن تُفكّر القمة العربية في همومنا الإنسانية وما أكثرها!
 
بلا شك أن قمة هذا العام جاءت مختلفة عن سابقاتها، وسط عاصفة الأزمة المالية وارتفاع الأسعار في كل شيء، وهو ما جعل الأعين جميعها مُشخّصة صوب ما ستخرجه من قرارات تصبُّ في مصلحة الفرد العربي.
 
لا أريد أن يُقال عني إنني امرأة متشائمة أنظر إلى الكوب من جزئه الفارغ! وسأكون عادلة في حُكمي لأعترف بأن قمة هذا العام جاءت متميّزة عن غيرها، كونها نجحت في عقد مصالحة تاريخية بين بعض القادة العرب، وهذا إنجاز لا يجب الاستهانة به في زمن أضحت جلسات المصالحة بين الأشقاء ضرباً من الخيال!
 
لكن أين الإنسان العربي من القمم العربية؟! لم يصل لسمعي قرارات فعلية تصبُّ في مصلحته العامة! ماذا عن مشكلة البطالة بين صفوف الشباب التي ترتفع نسبتها يوما بعد يوم، والتي ستؤدي على المدى البعيد إلى خلق فوضى عارمة؟! ماذا عن السوق العربية المشتركة التي مللنا من سماع نغمتها الساحرة، حيثُ لم تزل إلى اليوم حبيسة الأدراج؟! ماذا عن الدفاع الأمني العربي الذي نحن في أشد الحاجة إليه لتبديد الهواجس التي ينظر بها العربي لأخيه العربي؟! ماذا عن مشكلتي الفقر والأمية اللتين تغزوان مجتمعاتنا بجيوشهما الجرارة، دون أن تُطلقا رصاصة واحدة أو تُشهرا سلاحا؟! ماذا عن تجارة الرقيق الأبيض، وانتهاك حقوق الطفل العربي، الآخذتين في الانتشار تحت ستار من التكتّم الإعلامي؟! لماذا لم تضع القمة حلولا جذرية لمواجهة الأزمة المالية الطاحنة، التي أدّت إلى تكرار حوادث الانتحار والقتل بين العديد من الأسر العربية، نتيجة عجز أربابها عن تحمّل نفقات المعيشة؟! ماذا … وماذا… وماذا… ؟!