عندما يعلو صوت المرأة

عندما يعلو صوت المرأة

عندما يعلو صوت المرأة

الأحد 12/4/2009

 
تابعت بفضول الحملات الانتخابية التي جرت خلال الأسابيع الأخيرة في الجزائر. وبالرغم من الأقوال التي ترددت في الأروقة السياسية عن حتميّة فوز الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بكرسي الرئاسة للمرة الثالثة قبل إعلان النتائج، إلا أننا حقيقة لم نسمع خلالها عن اعتقالات تتم في الخفاء لإخماد أصوات المعارضين السياسيين! ولم يصل لمسامعنا عن تدبير خطط خطيرة لإقصاء الأحزاب المعارضة، من أجل مصلحة حزب مُحدد يتسيّد الساحة السياسية كما يحدث في دول عربية معينة!
 
كنتُ قد دُعيتُ منذ عدة سنوات إلى الملتقى الذي أقيم في مدينة عمّان احتفالا بمرور خمسة وعشرين عاماً على مشاركة المرأة الأردنية في الحياة النيابيّة بالأردن. وقد شاركتُ حينها بورقة تحمل عنوان “جئتُ هنا لأعتذر” يتضمّن محتواها اعتراضا مبطّنا لإقصاء المرأة السعودية عن الساحة السياسية ومنعها من المشاركة في الحياة النيابيّة.
 
كانت من ضمن المشاركات في هذا الملتقى السيدة “لويزه حنون”. وكانت المرة الأولى التي التقي بها بعد محاولتها السابقة الترشيح لكرسي الرئاسة بالجزائر. وقد لفت انتباهي حينها في هذه المرأة جسارتها وقوتها المستمدة من إيمانها المطلق بمبادئ العدالة الاجتماعية، وتبنيها لحقوق المرأة، وقضايا الإنسان، وغيرتها الوطنية على ثروات وطنها.
 
تطرقنا في أحاديثنا التي كانت تدور أثناء فترات الاستراحة إلى القضية الفلسطينية. أخبرتني وقتها أنها بصدد القيام بحملة دولية للتضامن مع (عرب 48)، الذين يتعرضون للتمييز العنصري داخل دولة إسرائيل، وأنها ستقوم بعقد ندوة لنصرة النساء الفلسطينيات ستدعو لها كافة مؤسسات المجتمع المدني بمختلف دول العالم. سألتني إن كنتُ أرغب في المشاركة! لم أتردد لحظة واحدة وبحماس صادق في قبول دعوتها. وكانت وقتها الزيارة الأولى لي للجزائر.
 
لقد لمستُ بأم عينيَّ تفاعل الحضور مع القضية الفلسطينية، واستمعتُ إلى قصص مأساوية كثيرة على ألسنة المنظمات الفلسطينية المشاركة والناطقة باسم عرب 48، وكيف يتعرضون لمصادرة أراضيهم ومنعهم من ممارسة شؤون حياتهم، في الوقت الذي تتغنّى فيه الحكومة الإسرائيلية بالديمقراطية وبالعدالة الاجتماعية!
 
عادت بي هذه الذكرى إلى الوراء مع متابعتي للحملات الانتخابية في الجزائر. فوجدتُ السيدة “لويزة حنّون” المرأة الوحيدة بين المرشحين الخمسة، والتي جذبتني حينها بشخصيتها الباسلة، تعود ثانية إلى ساحة المنافسة. صحيح أن النتيجة النهائيّة لم تحسم لصالحها، إلا أنها حصلت على المرتبة الثانية في هذه الانتخابات، وهذا يعني ألا تمتنع الأيدي عن التصفيق لها بحرارة إعجاباً بها وتأييداً لوقوفها أمام الملأ، مُنددة بأعلى صوتها بمظاهر الفساد، مُطالبة بتطبيق مبادئ العدالة الاجتماعية، ومحاربة الفقر، وإعادة الاعتبار إلى المواطن الجزائري داخل أرضه، وتمسكها بالسيادة الوطنية على ثروات بلادها، في وقت لم تزل الأوضاع الأمنية المضطربة تعصف ببلادها.
 
يوما بعد يوم تُثبت المرأة العربية أنها قادرة على إتقان اللعبة السياسية إذا ما أفسح لها المجال، لكي تُظهر مهاراتها. والتاريخ يزخر بقصص كثيرة لملكات وقائدات وعالمات استطعن بقوة شخصياتهن وبفكرهن المستنير، تحريك بحيرة النساء الراكدة وبناء حضارات عظيمة في مجتمعاتهن.
 
وهذا لا ينفِي بأن ما يجري على أرض الواقع حاليّا يُثير الاشمئزاز نتيجة انتشار الفكر الأصولي المتطرّف، الذي يُشكك في قدرات المرأة! مما يُحفّز المرأة العربية على وجوب الثورة على أوضاعها والسعي لمحاربة هذه التعاليم الوضعية التي تُصر على العبث بمقدراتها.
 
في المجالس النسائية كثيراً ما تُطرح عليَّ أسئلة بلهجة يائسة، ماذا قدّمتِ للمرأة السعودية مع تكرار مشاركاتك في المحافل العربية والدولية؟! هل تعتقدين بأن صوتك سيصل يوماً ما إلى أوساط مجتمعك؟! هل تظنين أن المرأة السعودية صادقة النيّة، راغبة حقاً في التحرر من عباءة العادات والتقاليد العقيمة التي تُعيق حريتها، أم أنها بينها وبين نفسها تستحلي بقناعة نمط حياتها؟! ألا ترين بأن وجود فئة من المشايخ ورجال الدين الساعين إلى تقييد حركتها درءا للمفاسد، سيُعرّض شخصك للهجوم ويُثير من حولك الزوابع؟!
 
لكل شيء ثمن فادح، وتحرير المرأة لن يأتي إلا على يد المرأة المثقفة المستقلة الواعية لحقوقها المدركة لمسؤوليتها، كون المرأة الجاهلة لا تملك القدرة على انتزاع حقوقها، بل تظلُّ نائمة في الظل خوفاً من ضربة شمس قاتلة، علما بأن أشعتها هي التي تجعلها تُفرّق بين النور والظلام!!