كيف نُتقن أصول اللعبة؟!

كيف نُتقن أصول اللعبة؟!

كيف نُتقن أصول اللعبة؟!

الأحد 5/7/2009

 
كم جميلا أن يملك الإنسان الحرية الكاملة في أن يصرخ بملء صوته، ليُطالب بحقه الذي سُلب منه؟! وكم رائعا أن يُعبّر المرء عن احتجاجه على انتهاكات حقوقيّة وقعت أمام ناظريه ليُعلمها الغادي والرائح! ولكن الأجمل من هذا وذاك، احترام إرادة كافة شعوب الأرض في التعبير العلني، كونه جزءا لا يتجزأ من معالم الديمقراطية الحقيقية. هذا ما أخذتُ أردده بيني وبين نفسي، وأنا أتابع الأحداث التي جرت مؤخراً في الشارع الإيراني، نتيجة فوز الرئيس محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية.
 
سواء كنتَ من المؤيدين للرئيس نجاد مُصادقاً على نزاهته، أو آثرت الوقوف في الصف المضاد له مُشككا في أحقية فوزه، فهذا لا يعني أن تتجاهل ما وقع هناك، أو تمتنع عن رفع يدك لتُحيي الجماهير الباسلة التي خرجت في مظاهرات حاشدة إلى الشوارع، مُطالبة بإعادة الانتخابات من جديد، وطاعنة في النتائج التي لم تُحسم لصالح رجل الإصلاح مير حسين موسوي.
 
هل ما وقع داخل إيران في الأيام الماضية يُشير إلى اندلاع شرارة لثورة جديدة، كما توقّع بعض المحللين، تشابهاً مع ما جرى في بداية ثورة الخميني؟! جميعنا نُدرك بأن ثورات التاريخ تقوم في أغلبها على جملة من التضحيات، وعلى سقوط ضحايا أبرياء تشبثوا بمطالبهم الحقوقية، لكن التصديق عليها والتنبؤ بوقوعها ليس بهذه البساطة!
 
لفت نظري أن الشريحة الكبرى التي قادت المظاهرات في ساحات إيران، كانت من شريحة الشباب من الجنسين، التي تربّت على الثورة المعلوماتية، وتأثرت برياح العولمة التي فتحت كافة منافذ العالم على الثقافة الأميركية تحديداً من أفلام هوليوود إلى مطاعم المكدونالدز ولبس الجينز الأميركي والرقص على موسيقى الجاز، وهو ما يعني بأن الجيل الجديد الإيراني القادم غدا راغباً في إحداث تغييرات جذرية داخل وطنه.
 
مبهورة أنا بشخصية المرأة الإيرانية، فهي لا تكف عن المجاهرة بمطالبها وفي تعزيز مواقفها، وقد كان صوتها مجلجلًا وسط المظاهرات، مما يعني بأن المرأة هناك تصرُّ على أن تكون لها أدوار إيجابيّة في الحياة السياسية، وأنها تتطلّع إلى نيل مناصب مهمة في بلادها مستقبلاً.
 
صورة المرأة الإيرانية حضرت بقوة في الإعلام العالمي في السنوات الأخيرة. فهناك قصة الصحفية الإيرانية الأصل “روكسانا صابري” التي اُعتقلت في فترة سابقة وأمضت أربعة أشهر في السجون الإيرانية بعد أن أتهمتها السلطات هناك بالتجسس لصالح أميركا ثمَّ أُفرج عنها لاحقاً بعد أن تمّت تبرئتها من كافة التهم المنسوبة إليها.
 
كما لا يجب أن نغفل الدور المضيء الذي تلعبه الإيرانية “شيرين عبادي” المحامية والناشطة في حقوق الإنسان والحاصلة على جائزة نوبل للسلام، والتي أخذت على عاتقها دعم حقوق الإنسان والمرأة والطفل في العالم الإسلامي.
 
قرأتُ مرة مقولة لأحد الأساتذة الغربيين “عوّد أبناءك على حياة النور، تنكمش فيهم نزعة الظلام”. وهي بالفعل مقولة صحيحة، فالذي ينشأ على ضوء النهار تعاف نفسه المكوث في الجحور المعتمة ويُحارب بجسارة خفافيش الظلام! والذي يشبُّ على نبتة العبودية يتعوّد مع مرور الوقت عليها وتلتصق بأعماقه، وتتشعّب جذورها في قلبه، ولا يملك القدرة على التحرر منها في كبره حيث تُصبح لصيقة بشخصيته الخانعة، مُتقبلة باستسلام الصور القاتمة من حولها، غير قادرة على إمساك الريشة لتعديل شيء من خطوطها المتعرجة!
 
دوما أعوّل على الأجيال الجديدة في قيادة حركة التغيير داخل أوطانها، وأعول على المرأة بصفة خاصة في تغيير واقعها نحو الأفضل. وما يجري هنا وهناك في العالم من حولنا يجب أن لا نستهين به أو نعتقد بأنه خارج نطاق اهتماماتنا! فكما أن تجاربنا التي نمر بها تقوّي عزائمنا وتدفعنا إلى التشبث بمطالبنا أكثر وعلى فهم ماهية الحياة، كذلك تجارب الآخرين يجب أن ندرسها ونُحلل أسبابها ودوافعها حتّى نُتقن مستقبلًا أصول اللعبة ونُدافع عن حقوقنا المدنية.
 
إن من أجمل الطبائع التي يجب أن تشبَّ عليها الأجيال الجديدة، الحرص على نفخ روح الحرية في دواخلها، وفي حفر أسس الاستقلالية على جدران عقولها، لأن هذه الطبائع المكتسبة هي التي ستنشئ على المدى البعيد أجيالا واعية قادرة على بناء أوطان متينة الدعائم. فالحضارة الإنسانية لم تُولد من فراغ ، فهي نتيجة مخاض متواصل من الألم الخلاّق.