فساد بنكهة غربية!!

فساد بنكهة غربية!!

فساد بنكهة غربية!!

الأحد 2/8/2009

 
هل الفساد جرثومة قاتلة تنتقل بالعدوى؟! هل هو صناعة عربية أم غربية؟! هل يقتصر الفساد على بيئة أو مجتمع بعينه، أم أنه أضحى موضة العصر في كافة بلدان العالم بلا استثناء؟! هل الفساد مرتبط بالظروف الاقتصادية المتردية التي يمر بها العالم اليوم، وهو ما جعل ذمم الناس تضعف أمام الإغراءات المطروحة أمامهم ليغطوا نفقات معيشتهم؟! هل الفساد السياسي المتفشي بدول العالم الثالث تحديداً، ساهم تباعاً في تعزيز الفساد المالي والإداري؟! هل الحروب الأهلية وانعدام الأمن والقلاقل السياسية وتقهقر أوضاع المرأة اجتماعيّاً، أدّت إلى نشوء سوق نخاسة بصورته الحالية المتطورة، وهو ما ساهم في رواج تجارة الرقيق الأبيض؟!
 
مؤخراً أثارت حملة الاعتقالات الكبيرة التي تمَّ الكشف عنها في نيوجرسي بأميركا، لغطاً كبيراً في المجتمع الأميركي، وفي الأوساط السياسية داخل إسرائيل. وقد تداول الإعلام الأميركي القضية بتوسّع، وذلك بعد تورّط عدد من الحاخامات وعدد من رجال الأعمال اليهود، ورؤساء بلديات، في شبكة كبيرة يهودية لتبييض الأموال على مستوى عالمي، تُستخدم لرشوة كبار المسؤولين داخل إسرائيل.
 
دافعت المؤسسة الإعلامية لحزب “شاس” الإسرائيلي عن المتورطين في هذه الفضيحة، مستخدمين شعار “معاداة السامية، والقول إن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي تعمّد القبض على هؤلاء الحاخامات ورؤساء بلديات بغرض إذلالهم. وقد دافع كذلك عضو في الكنيست عن حزب “شاس” قائلًا إن الشرطة الأميركية تُحاول إثبات أن هناك “مافيا” يهودية داخل أميركا!
 

جميعنا يعلم أن إسرائيل دولة عنصرية تُمارس أساليبها على الأرض حين يتعلّق الأمر بالفلسطينيين وحقوقهم المدنية، ولكن هذا لا ينفي أيضاً أن هناك شفافية في تعاملها مع قضايا الفساد السياسي والمالي والإداري المتفشية داخل المجتمع الإسرائيلي!
 
هذا الواقع لا يقتصر على إسرائيل وحدها، بل يشمل كافة البلدان المتحضرة، ونسمع كل يوم عن فضائح لمسؤولين كبار تمَّ الكشف عن سلوكياتهم المشينة أمام الإعلام، ونشر تفاصيل فسادهم أمام الملأ ليصبحوا عبرة لغيرهم!
 
في أوطاننا العربية الفساد بأنواعه والمتوغل في عمق تربتنا، ساهم في تعزيز ثقافة المواربة ولي الحقائق والتعتيم على قضايا الفساد! وإن لزم الأمر، تقوم الحكومة باستخدام شعار من أين لك هذا، إذا ما رغبت في تأديب مسؤول بارز بقص ريشه! أو تُريد محاربة رجل أعمال مهم من خلال اللجوء إلى لعبة هزلية، لا علاقة لها بالنزاهة !
 
للأسف، لا تُوجد في مجتمعاتنا العربية ثقافة المكاشفة إلا في حالات نادرة، وهو ما أدّى إلى إفقار الشعوب العربية، واقتصار ثرواتها على طبقة معينة دون غيرها! والويل والثبور لمن تسّول له نفسه من الصحافيين كشف الحقائق أمام الرأي العام، إذ سينتهي مصيره إما إلى تلفيق التهم له، أو زجه في السجن، أو طرده من عمله، أو اختفائه عن الوجود في ظروف غامضة!
 
المجتمعات الغربية ليست بمجتمعات ملائكيّة، بما فيها بلد حضاري كاليابان، الذي يُقدّس أفراده العمل ووصلوا في وقت قصير إلى أن يُحققوا ثورة علمية كبيرة، مع هذا يتوغّل فيه الفساد بكافة أنواعه، وما أن يُزاح الستار عن تورّط مسؤول في قضية فساد، حتّى يلجأ إلى الانتحار كي لا يواجه العقاب القانوني القاسي الذي تُطبّقه اليابان على مواطنيها الفاسدين!
 
عالمنا العربي زاخر بمهازل كثيرة، ونلمس بالصوت والصور الحية، رجال أعمال ومسؤولين كباراً متورطين في فضائح مشينة يعلمها القاصي والداني، لكن يجفل الإعلام من التعاطي معها، ونبش فضائح أصحابها، وهو ما أدّى إلى اختلاط الحابل بالنابل!
 
إن مجتمعاتنا العربية لن تُصبح ناصعة البياض في سلوكياتها، ما لم تتم غربلة الفساد بأنواعه. إنها حلقة متصلة ببعضها سيؤدي تجاهلها وتجاهلها، إلى تفشّي البطالة وانعدام الأخلاقيات وفقدان الثقة في الحكومات وإلى حدوث فوضى عارمة داخل المجتمعات!
 
مُحاربة الفساد واجهة حضارية وإنسانيّة، يجب أن تتعامل معها مجتمعاتنا بصرامة وحزم.
 
وهذا ليس فقط من أجل حفظ ماء وجوهنا، بل من أجل خلق أوطان جميلة يتشبث بها أبناؤها بكل قوة وحب، حتّى لا يضطرون إلى الهرب في يوم شديد القيظ خارج حدودهم، بعد أضاقت بهم أحضان أوطانهم!