ما بين الفن والسياسة!!

ما بين الفن والسياسة!!

ما بين الفن والسياسة!!

الأحد 6/9/2009

 
هل من الممكن أن يجتمع الفن مع السياسة في مجلس واحد؟! هل من الممكن أن تتعانق السياسة مع الفن بحميميّة صادقة؟! هل هناك صداقة متينة بين الفن والسياسة، أم أن الفن أينما حلَّ أشاحت السياسة بوجهها؟! هل هناك صلة بين المبدعين والطغاة، أم أن الإبداع يتبرّأ من هذه القرابة جملة وتفصيلا؟! هل الفن كما يُقال مرتبط بالمعاناة التي تدفع صاحبها إلى سكبها وإفراغ شحنتها، في شكل لوحة، أو قصيدة ملتهبة، أو تسطيرها في قصة أو رواية، أم أن الفن من الممكن أن يُطأطئ رأسه، ويسير صاغرا خلف كل طاغية، وإن لم يكن يملك موهبة حقيقية لصياغة الأفكار أو خلط الألوان والإمساك بالريشة؟! من الذي يُخلّد الآخر، الفن هو الذي يُخلّد صاحبه، أم أن صاحبه هو الذي يُخلّده؟! لماذا تنظر السياسة بريبة للفن، في الوقت الذي يكون فيه الفن ناصع النية تجاهها؟!
 
أفكاري أحياناً تُصاب بالتشويش، وأنا أرى العالم مُنشطر الرؤيا، يُهلل لأعمال إبداعية خلقها أكبر الطغاة في التاريخ، دخلوا عالم الشهرة من أوسع أبوابها بجبروتهم وبما ارتكبوه من مجازر في فترة حكمهم! وهناك أسماء لزعماء وسياسيين فاسدين سال لعابهم لفكرة الإبداع، فوضعوا أسماءهم على إحداها وعرضوها على الناس دون أن يتجرأ أحد الحاضرين على نقدها أو القول جهاراً بأن هذا العالم ليس بمكانهم!
 
ذكرت صحيفة ألمانية بأن هناك ثلاث لوحات مائية منسوبة إلى أدولف هتلر ستُباع في مزاد كبير، وقد سبق أن بيعت لهتلر لوحات في بريطانبا تجاوزت الآلاف بعملة اليورو. ولكن رواج لوحاته لا يعني أن هتلر قد نافس فناناً خارق الموهبة كبيكاسو، بل ساهم بطموحاته الجنونيّة وأفكاره النازيّة في نشوب حرب عالمية كبرى أدّت إلى سقوط ملايين من الضحايا.
 
ما الذي جعل هتلر يقتحم دنيا الفن التشكيلي؟! يُقال بأن هذا الطاغية حاول في بداية حياته دخول أكاديمية الفنون، لكن طلبه قوبل بالرفض لافتقاده لموهبة الرسم، ولو اقتنع وقتها أساتذة المعهد بموهبة هتلر لتغيّر مجرى التاريخ ، ولما أصبح أشهر زعيم نازي عرفته البشرية في العصر الحديث.
 
يظهر بأن كل إنسان مهما حقق من نجاحات على أرض الواقع، ومهما حظي بمكانة عالية داخل مجتمعه، ومهما نال من أوسمة ونياشين، يظلُّ حبيس حلم الماضي الذي فشل في تحقيقه، يُراود خياله، ويُداعب فكره، ويلحُّ عليه بين حين وآخر، كي يُعيد له كرامته المخدوشة. ورغم أن هتلر كان منهمكاً في توريط العالم في حرب ضروس، إلا أنه لم يتجاهل حلمه المدفون، واستمر في رسم لوحات مستوحاة من بطاقات بريدية بريشته المحدودة الموهبة. 

نيرون طاغية روما، الأخير في سلالة يوليوس قيصر، كان يعتقد بأنه فنان موهوب، فكان يعشق التمثيل ويقوم بأداء مشاهد فوق المسرح، ويُقال بأنه قتل زوجته ضرباً لأنها انتقدت أداءه المسرحي.
 
في العصر الحديث، سال لعاب الرئيس الراحل صدام حسين، فقام بكتابة رواية سمّاها “زبيبة والملك”، وحقيقة أنني لم أقرأها وكثيرون شككوا في أنه كاتبها! لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة في فكري.. لماذا يصرُّ طغاة التاريخ على أن يدسّوا أنوفهم في عالم الإبداع؟! هل هي عقدة دفينة من السياسيين تجاه المبدعين كونهم يخلقون عوالم مثالية، تدفع الناس للتحليق معها واحترام من جسّدها؟! هل هي غيرة من المبدع كونه قادرا على كشف الجوانب المضيئة للبشرية، في الوقت الذي ينصاع الناس للطغاة بالتهديد وبرفع السلاح؟!
 
بلا شك هناك حقيقة مؤكدة بأن الطغاة والسياسيين الفاسدين، مهما حاولوا منافسة المبدعين في عالمهم الافتراضي الجميل، فلن يستطيعوا أن يسحبوا البساط من تحت أقدامهم كونهم أكثر قدرة على التلاحم مع معاناة البشر. ولأن عالم السياسة المليء بالدماء والسقطات والخدع الماكرة طريق لا يمشي فوقه المبدعون! كما أن السياسيين الفاسدين وطغاة التاريخ يسعون دوماً إلى حشر الناس في مخادعهم، وإن جافى عيونهم الكرى، بعكس المبدعين الذين يفتحون الأشرعة عن آخرها ويُطلقون العصافير من أقفاصها لكي تغني حرة في الأفضية!
 
لذا من الصعب أن يجلس الطغاة والسياسيون الفاسدون في نفس المقاعد المخصصة للمبدعين، فلكل منهما أهداف ونهايات مختلفة!