“أنا قلبي دليلي”

“أنا قلبي دليلي”

“أنا قلبي دليلي”

الأحد 20/9/2009

 
حرصتُ في شهر رمضان، شهر “ماراثون” المسلسلات التليفزيونية، على متابعة مسلسل “أنا قلبي دليلي” الذي يتحدّث عن سيرة حياة الفنانة “ليلي مراد”. والذي دفعني لمتابعته، حبي لهذا النوع من المسلسلات التي تتعرّض لسير حيوات المشاهير، خاصة بعد النجاح الساحق الذي حققه مسلسل أسمهان العام الفائت.
 
سبب آخر جعلني حريصة على متابعة حلقات المسلسل، ويعود إلى أن حياة الفنانة ليلى مراد زاخرة بالوقائع المشوّقة كونها تنتمي لأسرة فنية يهودية قبل أن تُعلن إسلامها. ولرغبتي في تتبّع المرحلة التاريخيّة المهمة التي كانت تعيش فيها، والتي قلبت وقتذاك الكثير من الموازين في عالمنا العربي.
 
المتابع للمسلسل يُلاحظ مهارة المخرج في إظهار المناخ الفكري والاجتماعي والسياسي السائد في تلك الحقبة بمصر، إلا أن اختياره للممثلة صفاء سلطان التي قامت بدور ليلي مراد لم يكن موفقا، وقد كانت عاملا رئيسيّاً في إضعاف المسلسل، حيث أن تعابير وجهها الجامدة، وصوتها الضعيف، وأدائها المتصنّع، كلها مجتمعة أفقدت المسلسل الكثير من رونقه، وأضاع على المشاهد فرصة التفاعل مع الأحداث الجارية. عكس الطفلة الموهوبة آية رمضان التي قامت بدور ليلى مراد في طفولتها مُضيفة بأدائها المتميّز رونقا على حلقاته الأولى. كما ساهم المسلسل في إبراز موهبة عدد من الفنانين الشباب، وعلى الأخص الفنان أحمد فلوكس الذي تفوّق بالفعل على نفسه من خلال تقمصه شخصية الفنان الراحل أنور وجدي.
 
وبعيدا عن الفن والفنانين، يُصاب المرء بالدهشة وهو يرى مناخ التسامح الذي كان موجوداً في مصر، حيثُ كان المسلمون والمسيحيون واليهود يعيشون جنبا إلى جنب، دون أن تكون هناك ضغائن في النفوس أو مكائد تُدار في الخفاء لزرع الخلافات بينهم، مما يؤكد على أن الوطن العربي حتّى الأمس القريب كان يتقبّل الآخر، ولم يكن يُفرق بين الأديان أو الطوائف أو المذاهب على أرضه.
 
يُظهر المسلسل أيضاً أن الفنانة ليلى مراد كانت مواطنة مصرية أصيلة ولم تتورّط في دعم الحركة الصهيونية لتوطين اليهود داخل فلسطين، ولم تقم بتمويل العصابات اليهودية في حرب 48، وقد برّأها مجلس الثورة الناصرية من أي تهمة حاول المغرضون إلصاقها بها والتشكيك في انتمائها لبلدها!
 
لم تكن ليلى مراد اليهودية الوحيدة التي كانت تُعلن حبها لمصر في السر والعلن، بل كان هناك الكثير من أمثال يوسف باشا قطاوي الذي كان له دور مهم في إنعاش الحياة الاقتصادية والسياسية داخل مصر.
 
إذن لماذا تلاشت نبرة التسامح، وانعدمت لغة الحوار؟! لماذا لم يعد هناك احترام للديانات والمذاهب والطوائف الأخرى في العالمين العربي والإسلامي؟! هل يعود هذا إلى حرب 48 التي أشعلت فتيل الخلافات بين اليهود والعرب، خاصة وأن الطائفة اليهودية المقيمة في مصر إبان تلك الحقبة كان لها دور كبير في تنشيط حركة الهجرة إلى فلسطين، وكان يهود مصر أول من طعنوا المصريين في الظهر وغدروا بمصر التي فتحت لهم ذراعيها واحتضنتهم؟!
 
بلا شك أن مشكلة فلسطين كانت سبباً قويّاً في تأجيج مشاعر الكره ضد اليهود، لكن الذي يُثير العجب اليوم أن رفض الآخر لم يعد مقتصرا على اليهود وإنما تعدّاه إلى المسيحيين والمذاهب والطوائف الأخرى والتشكيك في ولائهم، مما يعني أن هناك خللا كبيراً وقع يجب معالجته.
 
هذا الخلل يُدركه كل فرد عربي، بأن الاستبداد السياسي، ورفض تداول السلطة، وغياب المؤسسات المدنية، وهضم حقوق الأقليات، وتلاشي مجتمع القدوة، وانتشار الفساد الإداري والمالي، والتنكيل بالمثقفين المستنيرين ورميهم في غياهب السجون، وتفاقم الفقر، وانتشار تجارة الرقيق الأبيض التي ساهمت في استعباد المرأة وتقهقر مكانتها، وارتفاع نسب البطالة بين الشباب التي أدّت إلى تفاقم معدلات الجريمة، والأهم من كل هذا دعم الإعلام العربي للفكر المتطرف من خلال إخضاع قنواته لمشايخ الدين ليفتوا في كل شيء، مما ساهم في تدجين العقل العربي وبرمجته على قائمة فتاوى عشوائيّة، وإلغاء قيمة العقل في توجيه سلوكيات الإنسان، جميعها أدّت إلى نشوء مجتمعات لا تتعامل إلا بلغة العنف للتعبير عن آرائها.
 
إنها موجة عارمة تجتاح أقطارنا العربية بنسب متفاوتة، فهل هناك أيد واعية قادرة على أن تتصدّى لها وتُوقفها عند حدّها؟!