الفنان وفتوى إهدار الدم!!

الفنان وفتوى إهدار الدم!!

الفنان وفتوى إهدار الدم!!

الأحد 25/1/2008

 
أُبتلينا في العقود الأخيرة بظاهرة الفتاوى العشوائية التي وصلت إلى حد إهدار الدم. وساهمت بعض المنتديات الموجودة على الإنترنت في سرعة انتشارها. فنجد على سبيل المثال أن هناك أقوالاً نُسبت لفنانين وكتّاب وإعلاميين تفوهوا بها بالفعل، أو تعمّد المشرفون على هذه النوعية من المنتديات تحريفها، لتلائم أهوائهم الهادفة إلى إثارة حفيظة المتطرفين ضد هذا الفنان أو ذاك الكاتب.
 
وفي الآونة الأخيرة مع أحداث غزة الدامية، تناقلت عدد من المنتديات تصريحات نُسبت للفنان عادل إمام بأنه ينتقد “حماس”، ويستنكر المظاهرات الشعبية التي خرجت في أنحاء متفرقة في مصر منددة بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وهو ما دفع أبا مصعب عبد الودود زعيم تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” إلى كتابة بيان تمّ تداوله عبر الإنترنت يُهدر فيه دم عادل إمام “لاستهزائه بدم الشهداء من الأطفال والنساء، وأنه بموقفه المتخاذل هذا يُعتبر مرتداً كافراً”.
 
الفنان عادل إمام أنكر ما نُسب إليه، وأن أقواله قد تمّ تحريفها، وأنه ليس ضد المظاهرات التي تُعدُّ قوة ضاغطة في السياسة الدولية. لكنه أكّد أنه ضد الانقسامات الحاصلة بين القيادات الفلسطينية، منتقداً إضراب التجار المصريين عن البيع تضامناً مع الفلسطينيين، كونها من وجهة نظره تصرفات تخدم إسرائيل وتُخرّب اقتصاد بلده. 

الفنان عادل إمام ظلّ عقوداً متربعاً على عرش الكوميديا في مصر رغم اختفاء الكثير من رفاق جيله عن الساحة الفنية، وظهور عدد من الفنانين الشباب الذين أخذوا في مزاحمته على “أفيشات” الأفلام، إلا أنه ظلَّ يُحقق أعلى الإيرادات بشباك التذاكر، وهو ما جعل الكثيرين يعتبرونه ظاهرة فنية ذات قامة عالية، لا تقل عن قامة أهرام الغناء في العالم العربي.
 
طوال مسيرة عادل إمام الفنية لم يكن فناناً عابراً، بل كان من الفنانين المثقفين الذين سخروا فنهم لإلقاء الضوء على قضايا أمتهم، خاصة تلك المتعلقة بالإرهاب. وهو ما جسّده في عدد من الأفلام الناجحة، التي جعلته عرضة للتهديد من قبل الجماعات الاسلامية المتطرفة التي عصفت بمصر في حقبة الثمانينات، ودفعته إلى أن يُردد بصوت عال أنه لا يخشى فتاوى إهدار الدم، وأنه واجه الكثير منها في حياته.
 
ما مدى صحة الأقوال المنسوبة إلى الفنان عادل إمام؟ هل من حق الفنان أن يتخذ موقفاً مُغايراً لموقف الشارع العربي، وإنْ كان سيؤدي إلى التشكيك في وطنيته أو الطعن في عروبته؟ هل من حق أحد مهما علت منزلته أن يُقاضي الفنان دون اعتبار لتاريخه المضيء؟ هل حق ملزم على الفنان أن يتدخل في السياسة، أم المفروض أن يقف على الحياد ويتقيّد بسلوك لا أرى لا أسمع لا أتكلم، حتّى لا تحترق ورقته أمام جماهيره الغفيرة؟ هل يستوجب على الفنان أن يُسجل مواقف إيجابية تجاه مجريات الأحداث التي تجري أمام ناظريه، وإن كانت مُعارضة لسياسات بلاده؟
 
سواء أطلق “إمام” هذه الآراء أو تراجع لاحقاً عنها، فهذا لا يعني أن يلجأ البعض لأداة الفتاوى لكل من خالفهم في الرأي، ولا يمكن أن يكون سلاح إهدار الدم هو الحل الأمثل لإخراس الأصوات التي تُعارض هذه الفئة أو تلك.
 
لكن يجب ألا نغفل أن الفنان ليس كعامة الناس نتيجة تأثيره المباشر على جمهوره. ومن جانب آخر يجب أن نُدرك أن مواقف الفنانين تجاه قضاياهم قد تؤثر على شعبيتهم بين الناس. وكم من فنانين رفعهم الناس إلى أعلى المراتب بسبب مواقفهم الناصعة؟ وكم من فنانين أسقطهم الناس من فوق أكتافهم ورموهم من القمم الشاهقة ما بين يوم وليلة بسبب مواقفهم؟
دوماً أردد أن الفن رسالة سامية، بل إنه في أغلب الأحيان يكون مردوده أكبر من مردود خطبة مكتوبة بلغة بليغة، وأشد فعالية من منشورات تُلصق على الجدران ليقرأها الذاهب والآتي. الفنان الحقيقي هو صوت ضمير الإنسانية.