معركة شريفة… أم مؤامرة مُدبّرة؟!

معركة شريفة… أم مؤامرة مُدبّرة؟!

معركة شريفة… أم مؤامرة مُدبّرة؟!

الأحد 4/10/2009

 
لم أكن أرغب الخوض في تفاصيل معركة الوزير المصري فاروق حسني وحملته للفوز بمنصب مدير عام اليونسكو، لكن المقالات الكثيرة التي انشطرت أقلام أصحابها ما بين مؤيد ومُعارض للنتيجة التي انتهت بخسارته أمام المرشحة البلغارية \\\”إيرينا بوكوفا\\\” من جهة، ومن جهة أخرى التصريحات نارية الطابع التي صرح بها الرجل بعد خروجه، والتي أدهشتني وجعلتني أتساءل:كيف يمكن لرجل يجلس على كرسي وزاري ثقافي مهم لأكثر من عقدين أن يدع زمام أعصابه ينفلت بسهولة من بين يديه؟!
 
من أقوال فاروق حسني، والتي تناقلتها الصحف المصرية بأنه فوق المنصب، وأنه من خلال ترشيحه أعطى شهرة لهذه المنظمة العريقة. وأن العامل الرئيسي لهزيمته يعود إلى مؤامرة صهيونية قادها اللوبي اليهودي داخل أميركا بعد تهديداته السابقة بحرق الكتب الإسرائيلية المتواجدة في وزارة الثقافة، رغم أن الجميع يعلم بأنه عاد وغازل إسرائيل حتّى يضمن ورقة القبول من جانبها!
 
لو قرأ الغربيون هذه العبارات العشوائية المحتوى ، لأشاد الإعلام الغربي بانحياز المجتمع الدولي للبلغارية \\\”إيرينا بوكوفا\\\”!! مع ملاحظة وقوف عدد من الكتاب المصريين إلى جانب الرجل بأسلوب منمّق! وقد قرأت مقالا لصحفي كبير يُشيد فيه بفاروق حسني الفنان، بل ولم يتورّع عن تشبيهه بالفنان العالمي \\\”بيكاسو\\\” في عظمة فنه!! ولا أعرف حقيقة كيف قام بوضع الفنان فاروق حسني مع احترامنا لفنه في نفس مرتبة فنان عبقري في قامة بيكاسو الذي تُباع لوحاته بالملايين في المزادات العالمية.
 
لا أدري لماذا كلما فشلت الحكومات العربية في انتزاع منصب دولي، أو تعرّضت لانتكاسة في المحافل الدولية، أو عجزت عن ترسيخ مكانة أحد مسئوليها في العالم، تخرج ألسنتها، وتفتح أعينها عن آخرها، وتزعق بأعلى صوتها، مرددة بنبرة حزينة أنها ضحية مؤامرات خسيسة تُحاك حولها للقضاء عليها بوحشية وبدون رحمة!
 
الشيء المضحك المبكي أن مجتمعاتنا تعتقد اعتقاداً جازماً أنها محط أنظار الجميع! وأن العالم بأسره يقف بالمرصاد لها وينظر نحوها بغل وحقد وحسد، كأنها تقف في مقدمة الصفوف وتُبهر العالم كل يوم بإنجازاتها الحضارية وبصراعاتها العلمية! والحقيقة المرة التي يعرفها القاصي والداني أنها تقتات على إنجازات الغرب وتحيا بعلومه، وتعيش اليوم أحلك عصورها وتمر بأصعب مرحلة في تاريخها!
 
عندما يُردد البسطاء من الناس أن هناك خططا ومكائد تُدار من خلف ظهورهم، فهذا من الممكن أن أتقبله بتسامح كون الجهل يُقيّد عقل صاحبه ويجعله عاجزاً عن رؤية الحقيقة بعين مجردة! لكن عندما يخرج كلام غير منطقي من مثقف وصاحب فكر مستنير، فهنا كما يقولون تكون الطامة الكبرى!
 
مشكلة الشخصية العربية كونها تتربى في بيئة مقموعة لا تحترم كينونة الفرد، وتحيا في جو مفعم بالازدواجية البغيضة، وتتغذّى ليلا ونهاراً على مصادرة حقها في التعبير الحر، كلها تجعلها في أعماقها لا تتقبّل الخسارة، وترفض الانحناء للأعاصير وأن أودت بحياتها!
 
والأهم من هذا وذاك أن مجتمعاتنا عاجزة عن مواجهة أخطائها، ولا تسعى بجد إلى تحليل موطن الخلل حتّى تتداركه مستقبلا، بل تتعمّد وبنعرة متطرفة إدارة رأسها وإعطاء ظهرها باستخفاف لكل من يحاول تقديم النصح لها بإخلاص أو يُوضّح لها عوامل هزيمتها!
 
إذا كان بين مثقفينا ومفكرينا من يحمل عقداً متضاربة في أعماقه، من واجبنا إذن أن نلتمس العذر لشعوبنا إن هي انحرفت عن الوجهة الصحيحة، كون المجتمعات لا تُصبح واعية لحقوقها، مُدركة لمسؤولياتها، تفهم ما يدور حولها إلا من خلال مفكريها وعلمائها المستنيرين!
صحيح أن فقدان منصب اليونسكو ليس نهاية العالم، لكن المهم أن تعي حكوماتنا هذه الصفعات القاسية التي تتلقاها على صدغيها بين حين وآخر. عليها أن تسأل نفسها.. لماذا يخشى العالم المتحضّر تواجدها بينه؟! لماذا لا يُرحّب بجلوسها على مقاعده؟! لماذا ينظر بعين التوجّس إلى نياتها؟! لماذا لم تُحرز إنجازات بلغت الآفاق إلا في نطاق ضيق؟! لماذا تعجز عن انتزاع منصب مرموق إلا فيما ندر؟! لماذا لا تواجه ذاتها في لحظة صفاء.. هل العيب فينا أو في أحبابنا من حولنا؟!