كيف تُصبح محظوظاً!!

كيف تُصبح محظوظاً!!

كيف تُصبح محظوظاً!!

الأحد 18/10/2009

 
إذا كنتَ ابن مسؤول حكومي، فهذا يعني أن الطرق سالكة أمامك لكي تمشي في الأرض مرحاً دون أن تخاف من خفافيش الظلام!! وإذا كان لك قريب يحتلُّ منصباً رفيعاً في حكومة بلادك، فهذا يعني أن من حقك أن تُصفّق بكفّيك مثل هارون الرشيد في زمانه، لتجد أن كل من حولك يستجيب بسرعة البرق لكافة مطالبك. وإذا كان أبوك رئيس دولة فهذا يعني أنك تملك فانوس علي بابا السحري، الذي ما أن تشدَّ فتيلته حتّى يخرج لك خادمه الجني ليقول لك وهو مطأطئ الرأس “شبيك لبيك… أنا عبدك بين يديك”!
 
يظهر بأن هذه الصور المقززة ليست حكراً على العالم العربي ودول العالم الثالث، بل تخطتها لتصل إلى دول عظمى لها تاريخ مضيء في إرساء مبادئ العدالة الاجتماعية على أرضها، وأعني هنا فرنسا التي ضحّت بدماء الآلاف من أبنائها إبان ثورة الجياع لإيمانها بحرية الإنسان.
 
القصة بدأت من قصر الأليزيه في فرنسا حين قرر الرئيس الفرنسي “نيكولا ساركوزي” ترشيح نجله لتولي منصب رئيس هيئة إشغال وتطوير حي “لاديفانس” التجاري،مركز المال والأعمال الفرنسي. وقد انقسم الشارع الفرنسي ما بين مؤيد لقرار الرئيس ومخالف له.
 
المعارضة استغلت هذا الحدث وقامت بتنظيم حملة على الإنترنت للطعن في قرار الرئيس ساركوزي، على أساس أن نجله حديث السن لم يتجاوز الثالثة والعشرين من العمر، وليس له خبرة ولا رصيد تجارب لإدارة مثل هذه الشركة العملاقة. وبالفعل نجحت المعارضة في جمع تواقيع أكثر من أربعين ألف فرنسي على العريضة من ضمنها شخصيات فرنسية معروفة، طالبوا فيها ابن ساركوزي بالتراجع عن المنصب، واتهامه بالمحسوبيّة، واستغلال مكانة أبيه السياسية للاستحواذ على المنصب.
 
اعتدنا في عالمنا العربي على مثل هذه المواقف الهزلية والاستسلام لها كواقع حتمي لا فرار من قبضته الخانقة! ففي مجتمعاتنا العربية إذا كان لك أب أو عم أو خال يشغل منصباً حسّاساً في الدولة، فهذا لا يحتاج منك الوقوف ساعات في صفوف العاطلين، لكي تحظى في نهاية الأمر بوظيفة متواضعة بالكاد تُغطي تكاليف حياتك اليوميّة! أنت لحظتها ستكون مثل الساحر الذي نراه في ألعاب السيرك مُظهرا معجزاته الخارقة أمام الجمع الغفير ليصفقوا بحرارة على عرضه المبهر، دون أن يدركوا أن البطل الحقيقي ذلك الذي يُدير العرض من وراء الكواليس! كذلك أنت لا تحتاج إلى إظهار عضلاتك أمام لجنة التحكيم، فتقطع مئات الأميال جرياً، أو تُبيّن مهارتك في أداء أي لعبة من الألعاب الأولمبية! أنت حتما ستتفوّق على الأبطال الحاصلين على ميداليات البطولة بكافة الأنشطة لأنك تملك كارت “الجوكر” الذي يجعلك تخترق الجماهير المحتشدة لتقف على المنصة متباهياً بموهبتك الفذة الخارقة المتمثلة في هذا القريب الذي أعطى لك إشارة الانطلاق بإيماءة من رأسه!
 
الملاحظ في العقود الأخيرة أن الأمر لم يعد مقتصراً على الوصول إلى منصب أو وظيفة، بل أصبحت المطامح تتسع وتكبر إلى أن وصلت إلى توريث الرئاسة! وهذا ليس عيبا أو فيه اختراق للقانون أو فيه تجاوز أو تطاول على الدستور، فمن حق كل فرد تتوافر فيه الشروط أن يُرشّح نفسه للرئاسة أن رغب في ذلك. وهذا رأيناه نصب أعيننا في دولة مثل باكستان التي تولّت رئاسة حكومتها لثلاث مرات المرأة الحديدية “بنظير بوتو” التي اغتيلت أثناء حملتها الانتخابية منذ عامين، وهي سليلة عائلة سياسية عريقة حيث أن والدها هو الرئيس الأسبق المخلوع ذو الفقار علي بوتو. وحتّى داخل أميركا التي تملك دستوراً قوياً، نجد أن هناك أسرا ورّطت نفسها في عشق السياسة مثل عائلتي كيندي وبوش مرتكزة على نضالها السياسي.
 
ما أريد قوله إن مجتمعاتنا العربية واقعة للأسف في مستنقع المحسوبيّة إداريّاً وماليّاً وسياسيّاً حتّى أخمص قدميها! غير آبهة بأبسط قواعد العدالة الاجتماعية التي تُتيح للشعب أن يختار رئيسه من خلال انتخابات حرة نزيهة، لأن الزعيم الذي لا يأتي من رحم الشعوب، ولا يلتحم بهموم الناس، ولا يدخل قصر الرئاسة محمولا على أكتاف ناخبيه، لن تتحقق له الشرعية القانونيّة مهما قصر به الزمن أو طال!