العلم… درع التحرر

العلم… درع التحرر

العلم… درع التحرر

الأحد 25/10/2009

 
لنابليون بونابرت عبارة جميلة “من فتح مدرسة أقفلَ سجناً”. وهي تحتوي على مضامين جميلة بأن التسلّح بالعلم هو الطريق الآمن للتحرر من قيود الجهل، والخلاص من سجن الفقر والمذلة. وأن إنارة العقل بشعاع المعرفة، هي الأداة الفعّالة لحماية الإنسان من الوقوع في برك التخلّف الراكدة، ومن الانقياد خلف مفاهيم خاطئة أو الانصياع لتعاليم مغلوطة!

 

بابار علي، شاب هندي في السادسة عشرة من العمر، ويُعتبر أصغر مدير مدرسة، حيث قام بإنشاء مدرسة مجانيّة وخصصها لتعليم الأطفال الفقراء المتعطشين للعلم، الذين لا يملك أهاليهم مالا لتعليمهم، وجرفتهم دوامة الفقر بعيداً عن تلبية مطالب الحياة الأساسية.
 
بابار علي، لا يتعلّم في مدرسة خاصة أسوة بأبناء الأسر الغنية، بل يتلقّى تعليمه في مدرسة حكومية، وبعد انتهاء يومه الدراسي يذهب إلى مدرسته التي أسسها عندما كان في التاسعة، يُعاونه في تعليم الأطفال مجموعة من أصدقائه ومعارفه المقربين.
 
سُئل بابار علي… لماذا سخّرتَ وقتكَ وجهدكَ لتعليم الأطفال الفقراء! فأجاب: واجبي الإنساني يّحتّم عليّ ذلك
 
من أجل مستقبل أفضل لبلدي.
 
لعن الله الفقر والجهل، فهما عاملان أساسيان لتخلّف الأمم، وهما اللذان يؤديان إلى تفاقم الكثير من المشكلات داخل المجتمعات. لكنني حقيقة، وأنا أتابع مشهد الشاب بابار علي وهو يتحدّث ببنيته النحيلة، وملابسه المتواضعة عن حلمه الكبير، تساءلت: تُرى كيف كان سيصبح حال مجتمعاتنا العربية لو كان لدينا عشرات الشباب من أمثال بابار علي؟!
 
لمعروف الرصافي بيت شعر جميل.. “إذا ما الجهل خيّمَ في بلاد، رأيتَ أسُودها مُسخت قرودا”. فهل مجتمعاتنا العربية لا تعي الدروس ولا تلتفت لمواعظ مفكريها، لكي تبني مجتمعاتها على أسس سليمة؟! هل العيب في شبابنا الذي أضحى همّه الشاغل الدخول إلى مواقع الدردشة وإقامة علاقات مشبوهة، والسهر حتّى ساعات الفجر على ما تبثه الفضائيات من أغان خليعة؟! هل جيل الشباب الصاعد بريء مما يُنسب له من اتهامات، كون مؤسساتنا التعليمية والتربوية هي المسؤولة الأولى عمّا آل إليه مصير شبابنا، نتيجة إبعادهم عن الحراك الاجتماعي لكي يستحلوا الصمت ويتعوّدوا على الاستكانة؟! هل الخطأ تتحمّله الأسر العربية التي تُربّي أبناءها على الاتكاليّة، وتقتل في أعماقهم بذرة الابتكار، وتغرس في أدمغتهم نبتة الأنانية وعدم الإحساس باحتياجات مجتمعاهم؟!
 
أعتقد بأنها حلقات متصلة ببعضها؛ فالأسرة العربية مسؤولة عن تنمية شخصية النشء الجديد، من خلال حقنه بمخدر اللامبالاة، وتعويده على أن يحصر تفكيره في بناء مستقبله بمعزل عن الجماعة! كما أن المؤسسات التربوية لا تنمّي فيه عادة حب العمل الجماعي، وكيف يكون فرداً نافعاً لمجتمعه! إضافة إلى أن أغلبية الحكومات العربية لا ترغب في إقحام شبابها في دائرة المشاركة حتّى لا يُسبّبوا لها صداعاً على المدى البعيد ويحشروا أنوفهم فيما لا يعنيهم!
 
الضربة الكبرى تجيء من الإعلام العربي، الذي لا يلتفت لقضايا الشباب ولا يُلقي الضوء على قضاياهم، إلا في كم ضئيل من برامجه! حيث أن جلّه متورط في برامج ترفيهيّة سطحيّة، ومسلسلات تعزز العنصرية القبلية، حتّى ليظن الغرباء أن حياة الفرد العربي كلها لها ذات لون وردي، خالية من أي منغصات! في الوقت الذي يهتم الإعلام الغربي على النقيض بمناقشة قضايا الشباب وطرح همومهم على الملأ، لانتشال الأجيال الصاعدة من دائرة التخبط، وفقدان الذات التي يحيون في داخلها.
 
هناك حكمة عربية تقول بأن رأس مال الإنسان هو علمه، وعدوه جهله. وفي موروثنا الثقافي الكثير غيرها من العبارات التي تحثُّ الأفراد على النهل من بحور العلم ومحاربة الجهل، والعمل على بث روح الجماعة والتفاني من أجل الآخرين، لكننا للأسف اعتدنا في ثقافتنا المعاصرة على تجاهل ما فيه الصالح لأجيالنا والتمسّك بمفاهيم لا تتناسب مع وقع زماننا، وهذا في رأيي من الأسباب الرئيسية لتراجعنا الحضاري!
 
الارتقاء بفكر الشعوب، وبناء مجتمعات متسلحة بالعلم، يبدأ باحتضان النشء الجديد ورعايته وسقيه رشفات متتالية من التعاليم السليمة حتّى نُسلّم له قيادة المستقبل في أوطاننا ونحن مطمئنون، مغمضون أعيننا على سرائرنا داخل حجراتنا، دون أن نجزع من رجفة جفوننا فتُطلق أفواهنا المقولة الشهيرة “اللهم أجعله خيراً!”.