حان أوان القِطاف

حان أوان القِطاف

حان أوان القِطاف

الأحد 22/2/2009

 
كنتُ منشغلة بإلقاء محاضرتي “المرأة الحجازيّة ما بين الأمس واليوم” بدعوة من نادي الخريجين وجمعية المنتدى في البحرين، حين تلقيتُ على هاتفي النقّال رسالة يتضمن محتواها، تولي السيدة نورة الفايز منصب نائبة لوزير التربية والتعليم في أول سابقة من نوعها في تاريخ الدولة السعودية.
 
وجدتُ نفسي أنفعل، وينحدر الدمع من مقلتيَّ فرحا لهذه المفاجأة السارة التي بالتأكيد تعتبر تعزيزاً لمكانة المرأة السعودية داخل وطنها مع مرحلة التطوير والإصلاح التي بدأها الملك عبدالله منذ توليه سدة الحكم. وقد انهالت عليَّ التهنئات من داخل القاعة وخارجها، فكنتُ أتلقاها بنشوة المنتصر الذي جاهد طويلا لكي يُثبت جدارته.
 
في مداخلة لها، سألتني وزيرة الصحة البحرينية السابقة “ندى حفاظ”.. الآن وبعد هذه الخطوة المهمة التي أقدمت عليها القيادة السياسية، ما دور المرأة السعودية المثقفة في دعم هذه المرأة على المستويين المهني الاجتماعي؟!
 
أجبتها بأن المرأة المثقفة لا تملك سوى النضال بقلمها لتثبيت أقدام هذه المرأة، والمطالبة بإعطائها الفرصة كاملة لإثبات كفاءتها، وأن هذا هو أقصى ما تملكه المرأة السعودية المثقفة كونها تصول وتجول وسط عالم ذكوري! وأن الأعين المتحجرة لم تزل تُحاصرها وتُكيل لها التهم الجوفاء! إضافة إلى أن المثقفات السعوديات لم يعتدن أن يكنَّ يداً واحدة بل كل واحدة تُصفق بمفردها فيخرج الصوت واهياً سرعان ما يتبخّر في أرجاء الفضاء!
 
لكن علينا أن لا نغفل أن المنطقة العربية بأكملها تُظهر بأن المرأة بحكم تربيتها الاجتماعية التي تقوم على تمييز الذكر والاستهانة بالأنثى وأنها مخلوق مهيض الجناحين، جعلها لا تثق في المرأة، ولا تمنحها صوتها، وهذا كان جليّا في الانتخابات النيابيّة التي جرت مؤخرا في عدد من الدول الخليجية والعربية. لكنها معذورة بعض الشيء فهي لم تتحرر بعد من إرثها التاريخي الذي تحمله في أعماقها منذ القدم، بأن الرجل هو الأقدر على حمايتها وحفظ حقوقها والذود عن مصالحها، على أساس أن مجتمعاتنا في الأصل مجتمعات ذكوريّة. كما أن المرأة في أحيان كثيرة تُصاب بالغيرة من نجاح المرأة مما يدفعها إلى مُحاربتها بشراسة ومحاولة القضاء عليها، وأحيانا أخرى من مبعث التشكيك علناً في قدراتها الفكرية والعلمية!
 
بلا شك أن تعيين سيدة في هذا المنصب القيادي، يُعتبر في حقيقة الأمر تحدّيا للمؤسسة الدينية التي لم تزل تنظر للمرأة على أنها مخلوق يجب محاصرته من كافة الزوايا، وإنكار أحقيته في تولي المناصب العليا! وأتذكّر بأنني منذ أسابيع قليلة تابعت بإحدى القنوات برنامجاً دينيّا لأحد المشايخ في السعودية يؤكد على شرعية استشارة النساء، ضاربا المثل بالرسول محمد عليه الصلاة والسلام الذي استمع لنصيحة زوجته أم سلمه في واقعة صُلح الحديبية. سأله المحاور.. هل معنى هذا أنه يحق للمرأة دخول مجلس الشورى؟! لحظتها أجاب بنبرة صارمة.. لا، لا يحق للمرأة تقلّد مناصب عليا درءا للمفاسد، وكون المرأة مخلوقا هشا عاطفيا لا يملك القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة، فكيف يكون الحال إذا تعلّق الأمر بقرارات عامة!
 
أطلقتُ يومها زفرة حارة متسائلة في قرارة نفسي… متى سنخرج من هذا الحصار الفكري الضيق الرؤيا الذي يُلاحقنا كنساء سعوديات داخل وطننا! إلى أن كانت هذه القطرة الصغيرة التي أثلجت صدورنا، حتّى وإن كانت مثالًا منفرداً، لكنها بالتأكيد ستفتح الطريق أمام المرأة لتتبوأ مناصب أخرى بقدراتها الفكرية والعلمية.
 
إن دورنا كنساء مثقفات يستلزم منّا أن نسعى إلى نشر التوعية بين النساء السعوديات حول حقوقهن العامة وعدم حصر تفكيرهن في فتاوى الحرام والحلال! وعلى وجوب إشاعة جو من الثقة تجاه بعضهن البعض، من أجل تحقيق نتائج إيجابية فعّالة. وأعتقد بأن الوقت قد حان لأن يكون لدينا اتحاد نسائي حقيقي مستقل على الأرض أسوة بالاتحادات النسائية المتواجدة في أغلبية الدول العربية. نعم علينا التوقّف عن عادة بث همومنا للقريب والغريب، والكف عن تبادل رسائل المجاملات عبر البريد الإلكتروني، والتخلّي عن فكرة كتابة عرائض الاحتجاج! إنها مراحل قد استهلكت نفسها وحان الوقت لتجاوزها!
 
والأجيال القادمة من فتياتنا ستُعاتبنا على قصورنا تجاههن فهنَّ بحاجة لمن يُعبّد لهن الطريق وما أشدَّ وعورته!