كيف أقصُّ جذور هواك؟!

كيف أقصُّ جذور هواك؟!

كيف أقصُّ جذور هواك؟!

الأحد 7/3/2010

 
بمناسبة انعقاد معرض الرياض الدولي للكتاب هذه الأيام، الذي يضمُّ عدداً كبيراً من دور النشر العربية، وثناء جمهور الحاضرين على إدارة وتنسيق المعرض، وتوافّر الكتب بأنواعها الفكرية والأدبية في أجنحة الدور، تعمّدنا أن يكون المعرض محور نقاشنا في لقائنا النسوي الأسبوعي. سألتني صديقاتي: هل تعتقدين بأن المؤسسة الدينية ستحاول دسَّ أنفها كعادتها بين رفوف الكتب، وستسعى إلى إثارة زوابع مفتعلة تجاه كتب معينة بحجة حماية المجتمع السعودي من الأفكار الهدّامة!
 
أجبت بأنني أتمنى أن يكون الكتاب السعودي حاضراً على مدار السنة في وطنه، وأن يكفَّ عن التحليق في فضاءات الغربة، آملة من كل قلبي أن يُرفرف فوق أسطح بنايات بلاده، كونه يُشكّل علماً مضيئاً لتغذية الفكر وترقية المجتمع.
 
أتذكّر أثناء مشاركتي في معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام، أن الفضول دفعني لزيارة الجناح السعودي الذي كان يقف شاهقاً بواجهته المزخرفة الأنيقة. هالني حينها وأنا أتجول بين أروقته كمية الكتب الدينية والتراثيّة المعروضة في أغلفة فاخرة، ومظهر زوّاره الذين كان معظمهم من أصحاب اللحى الطويلة والجلابيب القصيرة!
 
أنا لستُ ضد اقتناء هذه النوعيّة من الكتب، فالإطلاع على تراثنا الفكري والثقافي مهم للأجيال الجديدة لمعرفة جذورها الحضاريّة الدينية والفكريّة، لكن شريطة أن لا يكون من بينها كتب تُعزز التطرف الديني وتحث على العنف، خاصة بعد أن اكتوينا في السنوات الأخيرة من تبعات الفكر المتزمّت! كما أن ما جعلني أشعر بالاستياء خلو أرفف الجناح السعودي من أي نتاج أدبي سعودي!
 
علّقت على هذا المشهد، صديقتي العربية التي كانت تُرافقني في جولتي. الغرباء الذين سيزورون الجناح السعودي، سيعتقدون اعتقاداً جازماً بأن المجتمع السعودي لم يعرف طريق الليبرالية، وأنه لا يُوجد في بلدكم مبدعون حقيقيون! متسائلة بنبرة تهكّم: هل أضحى الأدب يتعارض مع الدين؟! وهل ما زال شيوخكم يؤمنون بأن الإبداع يتنافى مع منطق العقل؟!
 
لاحت على وجهي تعابير من الخجل الممزوجة بالخيبة، وحرت ماذا أقول! لكنني وجدتُ مخرجاً مقنعاً، وأجبتها بأن معظم الأدباء السعوديين ينشرون قسرا خارج أوطانهم هربا من الرقيب الإعلامي، ولذا تجدين إصداراتهم معروضة في الأجنحة الخاصة بتلك الدور التي تتبنّى أعمالهم. أجابتني ساخرة.. هذا عذر أقبح من ذنب يا صديقتي، ويدل على أن الكتاب السعودي بالرغم من ترويج وسائل الإعلام السعودية عن اتساع حلقة حرية التعبير، ما زال يحيا غريباً في وطنه، يطلُّ باستحياء في معارض الكتب المحلية ثم يختفي ثانية مع جمع الناشرين لأغراضهم والعودة لديارهم!
 
وجدتُ نفسي وقتها أردد بصوت خافت أغنية عبد الحليم حافظ “رسالة من تحت الماء” من أبيات الشاعر نزار قباني، التي شدا بها منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود، محرّفة بعض أبياتها لتُناسب حال المبدع السعودي. لو كنتُ أعرف أن الكتاب خطير جدًا ما كتبتْ. ولو كنتُ أعرف خاتمتي ما كنتُ بدأت. كنتُ قصصتُ جذور هواك من الأعماق!
 
فمتى يحصل الكتاب السعودي على الهوية السعودية ويُطبع داخل وطنه، دون أن يمر على مجموعة من الرقباء الذين يتعاملون مع محتواه بريبة، ويُشرّحون أحشاءه بلا رحمة، ويفسرون كل كلمة على هواهم، مما يضّطره في نهاية الأمر إلى النزوح خارج الوطن، واللجوء إلى أرض غريبة حتّى يتنفّس بحرية؟!