المصابون بجراثيم التحريم!

المصابون بجراثيم التحريم!

المصابون بجراثيم التحريم!

الأحد 4/7/2010

 
مسلسلات الرعب التي تجري على أرض الواقع، لم تزل مستمرّة إلى هذه الساعة! حتّى تغلّبت على أقلام الكتّاب وخيالات الروائيين. ومن يُتابع قنواتنا، ويُتابع صحفنا، ويحضر ندواتنا الدينيّة، سيجد بأن جميعها في حالة استنفار دائمة. قصص عنف تقشعرُّ لها الأبدان. حوادث دامية تُدمي القلوب بمآسيها. فتاوى تقضُّ المضاجع، وتمزّق أواصر المحبة، وتبذر الشقاق والخلافات بين أبناء الوطن الواحد.
 
آخر تلك الشطحات مُطالبة الشيخ أحمد الغامدي أستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى بالسعوديّة، شيخ الأزهر بأن يسحب الأزهر اعترافه بالمذهب الشيعي “الاثنى عشر”. وقد رفض الدكتور أحمد الطيّب الاستجابة لمطلب الغامدي. مُعلّقا بأن الأزهر يتمسّك بوحدة الصف بين المسلمين. وأن السنة والشيعة هما جناحا الأمة الإسلامية، وإن اختلافهما ينبع من الفروع وليس في الأسس والثوابت التي يقوم عليها الدين الإسلامي. مرحّبا بالطلاّب الشيعة في جامعة الأزهر من مختلف أنحاء العالم. مؤكدا بأن ما يجري اليوم ما هي إلا مؤامرة خبيثة يُراد دسّها بين الطرفين لدفعهما إلى الاقتتال المذهبي.
 
حقيقة بتُّ حائرة فيما يجري من حولي! فعلى الرغم من حرص الإعلام العربي في الفترة الأخيرة على تشجيع مبدأ التسامح وتقبّل الآخر والدعوة إلى فتح باب الحوار المذهبي، إلاّ أن الغلو يتزايد يوما بعد يوم حتّى وصل إلى حد أن عدد من المشايخ صاروا يُسفّهون بعضهم ويتطاولون على غيرهم!
 
لكن هذا لا ينفِ وجود فتاوى نيّرة تراجع أصحابها عن فتاوى متعصبة كانوا متمسكين بها في مستهلَّ حياتهم. ومن آخر الفتاوى التي جُوبه صاحبها بمجموعة من الانتقادات، فتوى إمام الحرم المكي سابقاً الشيخ عادل الكلباني الذي أجاز الغناء حتّى مع المعازف، على أساس أنه لا يُوجد دليل على حرمته في كتاب الله ولا في سنّة نبيه. مصرّحا بأن هناك مشايخ وطلبة علم مُصابون بلوثة التحريم، وأن بالهم لن يرتاح إلاّ إذا أغلقوا باب الحلال!
 
وأنا أتفرّج مثل غيري على لعبة الفتاوى التي صار يتقاذفها فيما بينهم شيوخنا، تحضر في فكري هيئة مفكرينا الذين اضطروا إلى الهرب خارج أوطانهم بعد أن خرجت فتاوى تستبيح دمائهم وتُفرّق بينهم وبين أزواجهم بسبب أطروحاتهم الجريئة التي غرضها الأخذ بأيدي مجتمعاتهم نحو غد مستنير.
 
المفكر العربي نصر أبو زيد الذي مُنع مؤخراً من إلقاء محاضرة بدولة الكويت نتيجة لضغوطات متشددين من رجال الدين، يُعاني الأمرين في غربته بعد أن اشتدَّ عليه المرض. ولا ننسى المفكر سيد القمني الذي يتعرّض حاليّا لحملات شرسة وصلت إلى حد تهديده بالقتل في وطنه.
 
في مثل هذه الأيام منذ ما يقرب من عقدين تُوفي المفكر المصري فرج فودة بسبب دعوته لمواجهة حُمى الإرهاب التي كانت تجتاح مصر في تلك الحقبة. وحين سأل المحققون قاتله: هل قرأتَ كتبه؟! فأجاب بأنه لا يقرأ ولا يكتب، ولكن صدور فتوى بتكفيره واستباحة دمه بسبب سلسلة مؤلفاته كان كافيا لقتله بالنسبة له!
 
مسلسل الفتاوى التي غدت تتحكّم في مصائر مجتمعاتنا، ووصلت إلى حد ترهيب أصحاب الأفكار التقدميّة وخرس أصواتهم، ستؤدي في نهاية الأمر إلى دفعنا إلى المزيد من العزلة والتقهقر والقوقعة على الذات. وتجميد عقولنا تحت درجة الصفر. مما سيجعلنا عاجزين عن التواصل مع غيرنا من أمم الأرض، بل وفي قدرتنا على تمييز وضح النهار من عتمة الليل.