الرواية… تاريخ موثّق!

الرواية… تاريخ موثّق!

الرواية… تاريخ موثّق!

الأحد 25/7/2010

 
قامت مجموعة من الرواة والباحثين وعلماء آثار عراقيين وبريطانيين، بإقامة مشروع سيستمر لمدة ثلاثة أعوام داخل بريطانيا. هدفه إعادة سرد الحكايات، التي تمّت كتابتها على ألواح من الطين قبل ثلاثة آلاف سنة والمعروضة بالمتحف البريطاني، من خلال إحيائها من جديد بصوت يُسمع كما كانت تُلفظ قبل آلاف السنين، لتُروى بعد ذلك باللغتين العربية والإنجليزية.
 
هدف القائمون على هذا المشروع من خلال تنظيم فعاليات شهريّة، الى تعريف الجالية العراقية وعلى الأخص الأجيال الصاعدة التي تعيش في بريطانيا، بتاريخ وطنهم المشهور ببلاد الرافدين المعروفة بإنجازاتها العظيمة، كي تلمس عن كثب ما خلّفه أجدادها من فكر مستنير. وحتّى يُدرك الجميع أن العراق ليست كما آل إليه اليوم منبعاً للعنف والنزاعات المذهبيّة والعرقية، بل انبثقت من أرضه في الماضي حضارة عريقة أثرت الإنسانية جمعاء.
 
هذا يعني أن زمن الحكاية في الأزمنة الغابرة كان لها دور مهم في توثيق الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وهو ما يدفع إلى فرض سؤال حول أهمية الأدب المكتوب، وعلى الأخص الرواية في توثيق حركة التاريخ.
 
لفت نظري مقال قرأته منذ فترة للكاتب الجزائري أمين الزاوي يحمل عنوان “ماذا لو قرأ الملوك والرؤساء العرب روايات أدباء بلدانهم!”. حيث يرى بأنه لو كان لديهم وقت لقراءة الروايات المكتوبة عن مجتمعاتهم، لخففوا عن أنفسهم عبء قراءة التقارير التي تُقدمها الوزارات الحكومية لهم، التي يغلب عليها طابع التنميق والتخفيف من قسوة الوقائع الموجودة على الأرض! ولاستطاعوا أيضاً معرفة ما يدور من خبايا مستترة تجري خلف أظهرهم بأروقة بلدانهم، خاصة تلك المتعلقة بقضايا الفقر والهجرة وخيبات الشباب في أوطانها، وقضايا أخرى كثيرة ساهمت أغلبية البطانة المحيطة بالحكّام والرؤساء في أن تحول بينهم وبين ما يقع من مآسٍ لشعوبهم!
 
التلصص على ما يكتبه الروائي هي عادة مستحكمة لدى أغلبية القرّاء. وكثيرا ما تصلني رسائل من قرّاء فضوليين عبر بريدي الإلكتروني يدور محورها حول أسئلة محددة: هل شخوص رواياتك حقيقيّة من لحم ودم؟! هل قصصك هي انعكاس لتجارب شخصيّة مررتِ بها في حياتك؟! هل هي من صُنع خيالك، أم أنها بالفعل مقتبسة من الواقع المعاش، وأن كل ما ذكرته يحدث بالفعل في مجتمعك؟!
 
دوماً أردد بأن الروائي الحقيقي ماهر في اختراق خصوصيات الآخرين. وأن الفرق بينه وبين الإنسان العادي يكمن في قدرته الفائقة على خلق عالم خيالي. لكن هذا العالم لا ينبثق من فراغ وإنما من تلك الأرض التي ترعرع فيها، والتي وقع أسير حبّها دون أن يدري! لذا فهو يغار عليها من أي سلبيات عفنة تنفذ لخياشيمه! متوعداً في لحظة نزق وهو ممسك بقلمه، أن يفضح ما يلمسه بيديه ويراه بعينيه ويسمعه بأذنيه، وفي قول ما لا يستطعْ أن يُجاهر به عامة الناس!
 
لقد كان الرئيس جمال عبد الناصر أكثر رؤساء العالم العربي حرصاً على قراءة أدب بلاده. وقد ذكر وزير الثقافة المصري الأسبق الدكتور ثروت عكاشة في مذكراته، أن الرئيس عبد الناصر كان يحرص على قراءة نتاج أشهر أدباء عصره كالأديب نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف القعيد وغيرهم، ما يعني أنه أدرك مبكراً قدرة الروائي الثاقبة على اختراق المنافذ وعناده الجبّار في نبش التربة الوعرة! لا يستهنْ أحدكم بما يُسطّره الروائي على الورق، فقد يُصبح نتاجه يوماً الدليل الدامغ على نصاعة أوطان، أو على تورطها في أعمال نهب! لحظتها التاريخ لن يرحم من عاش زمن ذلك الروائي!