كنّا جيلاً محظوظاً

كنّا جيلاً محظوظاً

كنّا جيلاً محظوظاً

لأحد 12/9/2010

 
أحرص من حين لآخر على الجلوس مع صغار السن من الجنسين بعائلتي. أصغي لأحاديثهم. أستمع لهمومهم. أتأمل بحسرة شعاع الخوف الذي ينبثق من عيونهم! أنصت لأحلامهم الفتيّة المتكسّرة على صخور الواقع. ألاحظ عن كثب صفحة وجوههم التي تعلوها الكآبة. أتفحّص نبرة أصواتهم التي يغلب عليها الإحباط! أهزُّ رأسي متعجبّة! لقد ولدوا في عصر الثورة المعلوماتيّة التي تقاربت فيها بلدان العالم حتّى غدت متكورة مثل قبضة اليد الواحدة. لم تعد هناك صعوبة في التنقّل. كل شيء غدا في متناول اليد ومتوفراً بفضل الإنجازات العلمية الهائلة.
 
رغم هذا الكم من الإغراءات المحيطة بإنسان العصر من كل حدب وصوب، إلا أن الجيل الصاعد دائم الشكوى، يُعلن تبرمه طوال الوقت بأن حقّه مهدور، وأنه يجد صعوبة كبيرة في الحصول على فرصته الحياتيّة، وأن الغد بالنسبة له قاتم الرؤيا!
 
يُهاجم الكثيرون جيل اليوم، ويرون بأنه جيل مائع، يود الحصول على كل شيء في غمضة عين، وأنه لا يُريد أن يكد ويشقى لينال مراده في نهاية المطاف. لكنني أخالف بشدة هذا الرأي، وأرى بأن جيل اليوم مظلوم، جاء وسط قلاقل وفوضى واضطرابات، وتراجع في الحريات العامة، وظهور لأمراض قاتلة، وفوضى دينيّة، وتطرّف وعنف في كل بقاع الأرض!
 
عشتُ طفولتي ومراهقتي ومطلع شبابي في عصر لم يكن فيه لا موبايل ولا إنترنت ولا أقمار اصطناعيّة، إلا أنني مقتنعة بأن جيلي كان محظوظاً. ترعرعنا في أجواء من الطمأنينة. لم يكن في أيامنا عنف متفشٍّ! لم نكن نفقه معنى كلمة تطرّف! لم يتردد يوماً بإعلامنا المحلي أو العربي كلمة إرهاب. تربينا داخل مجتمع آمن متماسك. كل واحد منّا كان يحمل حلمه الصغير معه أينما ذهب، دون أن ترتجف جفونه من يد غادرة قد تغتال حلمه في الظلام الدامس. كنّا نأوي إلى أسرّتنا والطمأنينة وراحة البال تسترخي تحت وسائدنا، ونضحك ضحكات صافية لا تتخللها المرارة.
 
هل ما يجري على الأرض اليوم من اضطرابات سياسيّة ونزاعات فكريّة وضغوطات اجتماعية، هي ضريبة الإنجازات الحضاريّة التي قلّصت المسافات وأزاحت الحواجز؟! هل صحيح بأن المدنية تمتصُّ الإنسانيّة؟! هل ما يقال بأن الإنسان كلما توغلت قدماه في رمال المادية، تدنّست آدميته وفقد راحة باله؟! هل صحيح ما يتردد في أروقة المثقفين، بأن جيل اليوم وُلد في زمن عصيب، لأنه يحيا على فتات فكري وسياسي واقتصادي واجتماعي؟!
 
إنني بالفعل حزينة على ما آل إليه حال جيل اليوم، الذي فقد الثقة في كل ما حوله! ولا أعرف أين يكمن الخلل! هل فضائيات العبث واللهو، ساهمت في تخدير عقول الشباب، وفي شيوع حالة من اللامبالاة لديهم بسبب ما تعرضه من “فيديو كليبات” هابطة، تُثير غرائزهم وتصرفهم عن أهدافهم المصيريّة؟! هل فضائح الفساد المحفورة على الجدران أمام الملأ، جعلت الشباب في أعماقهم يشعرون بالإحباط وفقدان الأمان داخل أوطانهم؟! هل نزع جيل اليوم ثقته في حكوماته! إعلامه! رموز مجتمعه! دفعوه غصبا إلى رمي نصائحهم بعرض البحر، والصياح بأعلى صوته أن أمله ضاع في إمكانيّة تحقيق آماله؟!
 
هناك أثمان بالتأكيد يجب أن تدفعها المجتمعات مع تطوّر عجلة العصر، لكن ليس من العدل والإنصاف أن يدفع فاتورتها الجيل الصاعد! الأمر يحتاج إلى معالجة جذريّة من كافة مؤسسات المجتمع، ووجوب فتح أبواب الحوار على مصراعيه أمام الشباب والاستماع لمطالبهم، ومحاولة حل مشاكلهم، حتّى لا يسقطوا في لجُج اليأس وتصبح حينها العواقب وخيمة على الجميع.