الخوف من عالم الإنترنت

الخوف من عالم الإنترنت

الخوف من عالم الإنترنت

الأحد 24/1/2010

 
أعلنت الولايات المتحدة الأميركية اعتراضها على الرقابة التي تفرضها الحكومة الصينية على الإنترنت في الداخل، كونها تحد من حرية الكلمة وتعيق نشر الحقائق، مما دفع الصين إلى التنديد بذلك على أساس أنه يُعدُّ تدخّلاً في شؤونها الداخلية.
 
وكانت “جوجل” قد تعرّضت لانتقادات من قبل عدد من المؤسسات الحقوقية بعد أن وافقت على حجب بعض المواقع في الصين، مثل تلك التي تتحدّث عن احتجاجات ميدان “تياننمين”، والموقع المرتبط بالحركة الانفصالية في التبت.
 
قضية حجب المواقع لا تقتصر على الصين! فكثير من دول العالم التي تُحكمها أنظمة دكتاتورية تُمارس هذه العادة كل يوم! وتقوم بحجب المواقع التي تنتقد سياساتها أو تلك التي تتحدّث عن الانتهاكات الصارخة في حق مواطنيها، بل إن هناك حكومات تقوم بإخضاع المشرفين على بعض هذه المواقع إلى المحاكمة والتغريم والسجن، إن هم مدّوا ألسنتهم ونكأوا الجراح وكشفوا الغطاء عمّا يدور في الأروقة الخلفية في بلدانهم من فضائح وتجرؤوا على نشر أسماء المسؤولين المتورطين فيها.
 
كل يوم تصلني عبر إيميلي رسائل عن مواقع تمَّ حجبها، وقيام المشرفين عليها بتغيير الرابط حتّى يتمكّن متابعوها من الدخول إليها، مما يدل على أن المواقع على اختلاف توجهاتها الفكرية صارت مبعث قلق كونها تُشكّل مصدراً مهماً لتنوير المجتمعات.
 
صحيح أن الإنترنت تحتاج لمراقبة أسرية صارمة لمساهمتها في تخريب عقول المراهقين من خلال المواقع الجنسية المشبوهة، لكن الإنترنت أصبحت عاملاً مهماً في إيصال الحقائق للناس، وعلى الأخص في مجتمعاتنا العربية التي تحكم الحكومات سيطرتها على الإعلام بكافة قنواته.
 
موقع “اليوتيوب” و”الفيس بوك” استطاعا في مرحلة قيّاسيّة أن يستقطبا ملايين الشباب، حيث أصبحت ساحتاهما متنفساً قويّاً لطرح رؤياهم المستقبلية، ومنبراً رحباً لطرح قضاياهم ومناقشتها أمام الجميع من مختلف الجنسيات والبلدان، بل وغدت مكاناً لطرح استفتاء حول حادثة أو موضوع معيّن.
 
في كارثة جدة الأخيرة، سخّر شبابها هذين الموقعين لنقل صور حيّة عن حجم الدمار الذي لحق بمدينتهم، مما جعل الناس يكتشفون بأم أعينهم حقيقة تورّط عدد من المسؤولين في الفساد المالي والإداري!
 
تشبّث الشباب بالإنترنت وبغرف الدردشة وبالمواقع الثقافية، يعود إلى خيبة الأمل في الإعلام الذي تعوّد على تبنّي فكرة التعتيم عقوداً طويلة بحجة أنه لا يريد تهييج مشاعر الناس وتحريضهم على التمرّد! علماً بأن مسؤولية الإعلام تقوم على الشفافية وبسط الحقائق أمام الرأي العام لتوعيته حتّى يُميّز الغث من الثمين.
 
وعودة إلى الإنترنت. هل ستستطيع الحكومات الوقوف في وجه هذا الديناصور العملاق المتمثل في عالم الإنترنت؟! هل ستتمكّن الأنظمة الديكتاتورية من خرس الأصوات المناضلة التي اتّخذت الإنترنت منبراً قوياً لتطرح من خلاله قضاياها وتبثَّ أوجاعها؟!
 
من الصعب العودة إلى الوراء، لقد أصبحت الإنترنت تدخل في صميم حياتنا اليومية، وعلى الحكومات أن تعلم بأن ما يجري اليوم في الصين يصل في نفس اللحظة إلينا. لم يعد هناك شيء اسمه المستحيل في عالم اليوم، وعلى حكوماتنا العربية أن تعي الدرس جيداً بالالتفات لبناء مواطن حر بدلًا من أن تسعى أغلبيتها بكل ما لديها من نفوذ إلى قمع صوته وتحويله إلى مواطن خانع، يرضى بما تقدمه لها من فتات. إنسان اليوم بات يُحلّق في أفضية الكلمة دون جناحين!