بصمة الأديب عبد القدوس

بصمة الأديب عبد القدوس

بصمة الأديب عبد القدوس

الأحد 31/1/2010

 
احتفلت مؤخراً مؤسسة “روز اليوسف” بمرور عشرين عاماً على ذكرى وفاة الأديب إحسان عبد القدوس. ومن المعروف أن هذا الأديب تعرّض لهجوم كبير في حياته نتيجة تغريده طوال الوقت خارج السرب المتآلف عليه في زمانه. فكانت كثير من الأسر العربية تحظر دخول قصصه ورواياته إلى بيوتها لاعتقادها بأنها ستُفسد أبناءها، وتدفعهم إلى الوقوع في الرذيلة بسبب تحرّر نصوصها من موروثات العيب والحرام!
 
من أقوال إحسان عبد القدوس:”هناك خيط رفيع بين المسموح والممنوع، ولكني لا أنتبه إليه وأنا أكتب، فقد تعوّدتُ الحرية الكاملة في إطلاق خواطري وإمكانياتي الفنية. أنا أعبّر عن آراء جديدة، مع ثقتي في أغراضي وأهدافي الشريفة. لستُ بكاتب جنس كما يقولون عني، ولكنّي كاتب يفضح المجتمع، ويُظهر أمراضه ويُحاول علاجه. من أجل هذا اصطدمتُ بنوعين من الرقابة، رقابة المجتمع والرقابة السياسية. فالسياسيون الذين يُريدون التخلّص مني يقولون بأنني أديب. والأدباء الذين يغارون مني يقولون إنني سياسي! لقد كنتُ متطورا في القصة بشكل صدم القارئ العربي في البداية!”.
 

في صغري بعد أن أدمنتُ فن القراءة وعرفت قيمة الاستمتاع بمحتوى الكتب، لم تغفل عيناي عن قراءة أيٍ من قصص وروايات هذا الأديب الذي عشقتُ أدبه. وكم عشتُ ليالي طويلة مع أبطاله، فكنتُ أشعر بالحزن يُداهمني لنهاية أحدهم المفجعة، بل أحياناً كنتُ أنقم على إحسان الأديب كونه تخلّص من بعضهم بهذه القسوة المفرطة.
 
التقيتُ بأدباء كثيرين منذ أن دخلتُ معترك الأدب، بعضهم تمنيتُ لقاءه وأنا أقرأ له للمرة الأولى، وبعضهم لم يُحرّك فضولي لرؤيته بسبب عدم اندماجي مع نتاجه الأدبي. وكان إحسان عبد القدوس من الأدباء الذين كنتُ أحلم بلقائهم لكن اختلاف الأزمان حال دون تحقيق هذه الأمنية.
 
أعترف بأنني في بداياتي تأثرتُ بأسلوب هذا الأديب، وبالرغم من عشقي لأدبه إلا أنني كنتُ أشعر بالضيق حين يسألني البعض… متى ستتخلصين في كتاباتك من تأثير هذا الرجل عليك؟! وهذا يعود إلى إيماني بأن نجاح أي أديب يعتمد على مدى قدرته في خلق بصمة خاصة به.
 
حين أدخل على بعض مواقع الإنترنت، وأرى الهجوم الذي أتعرّض له بسبب قصصي ورواياتي، واتهامي بأنني كاتبة جنس، أرى كأن التاريخ يُعيد نفسه وأن هذا قدر المبدع العربي، حين يفكر في إماطة اللثام عمّا يجري في الطرقات الخلفية في بلاده.
 
اليوم يُعاد الاعتبار لهذا الأديب الذي عانى من تجاهل النقّاد له واتهامه بالسطحية وتشويه صورة المرأة في أعماله، مع أنني أرى كما يرى كثيرون غيري بأنه نجح في تصوير عالم المرأة الخفي أدبيّاً، وكان السبّاق في ذلك، ويُقابله على الصف الموازي الشاعر نزار قباني، الذي أبدع شعريّاً في وصف مشاعر المرأة وعلاقتها بالرجل، على الرغم من اتهام البعض له بأنه أظهر المرأة شعريّا كوعاء للمتعة!
 
“قل كلمتك وأمضِ”… حكمة نطق بها يوماً أحد الفلاسفة، وهذا يعني بأن الأديب الحقيقي يجب عليه حين يُمسك بالقلم أن ينسى ردود أفعال المجتمع إذا كان بالفعل خالص النية، غرضه تطهير مجتمعه من آفات الخطايا، حتّى وإن شاهد آلافا من الخناجر تُسنُّ لذبحه، فالتحلي بالشجاعة صفة لا بد أن يتمسّك بها كل مبدع إذا أراد بالفعل بناء مجتمع متحضّر الرؤيا.