العظماء فقط يُخلدون

العظماء فقط يُخلدون

العظماء فقط يُخلدون

الأحد 5/6/2011

 
“قل كلمتك وامضِ”… هي عبارة لم تأتِ من فراغ! وتعني أن على الإنسان أن يرفض بقوة العيش على هامش الحياة ويُجاهد من أجل معتقداته، وأن لا يستسلم لظروفه الحياتية مهما كانت درجة قسوتها، حتّى لا يُصبح مثل الورقة الصفراء التي تسقط من الأغصان في فصل الخريف وتقذفها الريح بعيداً دون أن تملك القوة على مقاومة غضب الطبيعة!
 
لا يعني هذا الأمر بأن كافة البشر يجب أن يُجاهدوا ليعيشوا تحت الأضواء، لكي يثبتوا لمن حولهم أنهم أشخاص متميزون! فكم من أناس عاشوا تحت دائرة الضوء وانساقوا خلف وهج الشهرة حتى أعمت عيونهم وتوقفوا بعدها عن رؤية ما يجري تحت أقدامهم، وماتوا وهم يندبون حظهم في الحياة! وكم من أناس فعلوا أشياء عظيمة بقى أثرها بين الناس حتّى بعد أن لملموا أغراضهم وغادروا الدنيا في صمت.
 
وهناك عظماء نكّلت بهم سلطات بلادهم، لأنهم رفعوا راية الحق وطالبوا بتطبيق مبادئ الإنسانية على أرض أوطانهم، وسخّروا مواهبهم لإرسائها، ولم يعبئوا بكل الوسائل والطرق القاسية التي اُستخدمت للنيل منهم وإرغامهم التراجع عن مطالبهم. هؤلاء بالتأكيد نتيجة إخلاصهم وتفانيهم في خدمة مجتمعاتهم، سيحصدون ما قدموه من تضحيات سامية في تخليد التاريخ لهم برسمهم في صور زاهية الألوان.
 
كانت الأكاديمية الملكية للفنون في بريطانيا قد منحت مؤخراً عضويتها الشرفية للفنان والمعارض الصيني الشهير (آي ريوي)، الذي ما زال محتجزاً لدى السلطات الصينية. وكان قد تمَّ اعتقاله وهو في طريقه إلى هونج كونج بعد أن لفّقت له السلطات الصينية عدة اتهامات بسبب انتقاده الدائم لحكومة بلاده واستخدام أعماله الفنية لتجسيد واقع مجتمعه.
 
من أمثال (آي ريوي) كثير من النزهاء الذين أهدروا حياتهم من أجل مثلهم العليا في الحياة وإيمانهم بحق الإنسان في العيش بكرامة وعزة على أرضه، وإنْ لم يقطفوا ثمار جهودهم إبان حياتهم.
 
وهناك عظماء كانوا محظوظين في مستهل حياتهم واستطاعوا تقديم الكثير من الأفعال الجليلة لمجتمعاتهم وحصدوا الكثير من التقدير من مختلف شرائح مجتمعهم. والإعلامية الناجحة (أوبرا ونيفري) كانت من هؤلاء الأشخاص، الذين رأوا بأم أعينهم تأثيرهم الإيجابي الأسطوري داخل أوطانهم وخارجها.
 
في الأسابيع الأخيرة، تمَّ بث آخر حلقة من برنامج (أوبرا ونيفري) وقد حضره أكثر من 13 ألف مشاهد، وكان من بينهم عدد من مشاهير الفن أمثال “توم كروز” و”توم هانكس” وغيرهما. متضمناً احتفالًا على مدى يومين بالمركز المتحد بشيكاغو. وقد وقفت “أوبرا” منفردة على خشبة المسرح بعينين دامعتين مخاطبة جمهورها، الذي أحبها بأنه يعني لها الكثير.
 
جميل أن يتذوّق المرء طعم التقدير في وطنه ويرى الحب رابضاً في العيون. لكن من النادر أن يجتمع الناس على حب أحد الأشخاص. وهذه المرأة الأسطورة التي بدأت مهنتها في زمن كانت عنصرية اللون ما زالت شائعة في المجتمع الأميركي، نجحت في أن تفرض نفسها بقوة، وأن لا يختلف اثنان على تأثير شخصيتها الآسرة على الناس، وفي انجذاب الجميع لكل ما تقدمه من مواضيع هادفة من خلال برنامجها الحواري، الذي جعلها أكثر النساء نفوذاً في أميركا، ومن أثرى النساء السود في العالم أيضاً.
 
العظماء دوماً هم عبرة لكل من يُريد أن يصنع لنفسه تاريخاً نظيفاً وسط خضم الرياح العاتية والأمواج العالية، التي لا ترحم كل من يُحاول ركوب موجتها! العظماء دوماً النبراس المشع لكل من يرغب السير في الدروب المظلمة، والعظماء الحقيقيون هم الأقدر على تغيير وجه العالم وجعله أكثر رحابة.