الفن… وجه الحياة

الفن… وجه الحياة

الفن… وجه الحياة

الأحد 10/7/2011

 
في لبنان أثير لغط كبير مع بدء مهرجان الأفلام الممنوعة الذي أقيم مؤخراً في بيروت، وذلك بسبب سحب ترخيص عرض فيلم (الأيام الخضراء) للمخرجة الإيرانية هانا مخملباف. ويُقال بأن قرار المنع لم يكن رقابيّاً وإنما سياسيّا بالدرجة الأولى قبل زيارة نجاد لبيروت الخريف الماضي، كون الفيلم يُصوّر مشاهد الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات البرلمانية في إيران عام 2009.
 
السيدة “كوليت نوفل” المسؤولة عن تنظيم المهرجان عبّرت عن خشيتها على مستقبل الانفتاح الثقافي اللبناني، وأن هذا المنع يُعدُّ مؤشراً خطيراً على دخول لبنان مرحلة الانغلاق الثقافي، وهو البلد المعروف تاريخيّاً بأنه أكثر البلاد العربية انفتاحاً وتسامحاً. و”كوليت” لم تأتِ بجديد، فمن يعرف لبنان في الخمسينات والستينات يًدرك الفارق الشاسع بين لبنان الأمس واليوم!

 
هل الفن العربي من مسرح وسينما ومسلسلات مُسيّس، أم أنه يتمتّع باستقلالية تامة تجعله يتحرّك بحريّة في أروقة مجتمعه؟! من المعروف بأن أجهزة الرقابة العربية على المصنفات الفنية حريصة على منع المشاهد التي تخُّل بالآداب العامة، لكن من المعروف كذلك أن السياسة غالباً ما تحشر أنفها في توجيه الفن للتأثير على رأي الشارع تجاه حدث عام أو عهد معيّن!
 
في العهد الناصري قام العديد من المخرجين بعمل أفلام تُمجّد ثورة 23 يوليو، وتبيّن أن العهد الملكي كان عهد استبداد وظلم وفساد، وكيف كانت المظالم متفشية على يد الإقطاعيين من “باشوات” تلك الحقبة. ثم جاء زمن السادات، وعُرضت أفلام تصوّر مضامينها الانتهاكات الوحشية القاسية التي كان يتعرّض لها بعض أبناء الشعب المصري بالعهد الناصري على يد أجهزة الاستخبارات المصرية آنذاك، وكيف كان يتم تعذيب كل من يُشكك في ولائه للنظام ورميه في السجون من دون محاكمة. ولا أدري كيف سيصوّر المخرجون السينمائيون عهد مبارك خاصة على اعتبار أنه الرئيس المصري الوحيد منذ قيام ثورة يوليو الذي سقط نظامه بثورة شعبية!
 
الفن حقيقة في عالمنا العربي مرتبط بالسياسة شئنا أم أبينا، وقد أصبح نهجاً معتاداً لدى العديد من المنتجين والمخرجين العرب! لذا من الصعب أن نجد مسرحية أو مسلسلاً أو فيلما يتسم برؤية حيادية عند عرضه. لكن هذا لا ينفِ وجود أقلام نزيهة وإن كانت نادرة الوجود، أخذت على عاتقها توثيق التاريخ بالفن المحايد كما فعلت الصحفية “لميس جابر” أثناء تقديمها لمسلسل (الملك فاروق) بعد دراسة عميقة لسيرته استمرت عشر سنوات.
 
في الغرب ليس صعباً إيجاد أفلام وثائقية أو جماهيرية طويلة تتحدّث بشفافية مطلقة عن شخصية بارزة أو ملك أو حاكم، مُظهرة بدقة متناهية كافة جوانب شخصيته بكل ثغراتها وجمالياتها. وأذكر بأن الدهشة تملكتني وأنا أتابع مسلسل (The Tudors)، الذي أنتجته شبكة “شوتايم” الأميركية ويتناول سيرة حياة ملك انجلترا هنري الثامن وزوجاته، والتي كان أشهرها، قصة غرامه بـ”آن بولين”، ثم زواجه منها وتخلّصه منها بعد أن أنجبت له اليزابيث الأولى الملقبة بالملكة العذراء كونها لم تتزوج قط، والتي اتصف عصرها بالعصر الذهبي.
 
يُقال بأن الفن يُقدّم إبداعات حقيقية عندما يعيش حرّاً طليقاً في مجتمعه. وأن الفن كلما تمّ تحجيمه ومصادرة الأفكار المطروحة فيه، كان دليلًا دامغاً على تراجع الحريات بأرض هذا البلد أو ذاك!
 
في النهاية الشعوب هي التي تدفع الأثمان، كون الرقابة السياسيّة تحجب شعاع الفن عن العقول، وبالتالي تفرز أرضيات شديد العتمة يُحاول أصحابها البحث عن ثغرة ولو صغيرة يتنفسون منها ليبقون على قيد الحياة!