قانون العدالة لا يُخطئ!

قانون العدالة لا يُخطئ!

قانون العدالة لا يُخطئ!

الأحد 17/7/2011

 
من كان يُصدّق أن (روبرت مردوخ) رئيس مجلس إدارة مؤسسة “نيوز كوربوريشن” وصانع الملوك والنجوم كما يُقال عنه، والذي كان قبل أن يذوي نجمه نظراً لموقعه الإعلامي وثقله المادي، قادراً على إيصال سياسيين إلى كراسيهم وإنزالهم منها متى شاء ورغب؟! من كان يتوقّع أن صحيفة أسبوعيّة مهمة مثل صحيفة (نيوز أوف ذي وورلد) البريطانية التي استمر صدورها 168 عاماً وتحظى بانتشار واسع، أن تُغلق أبوابها بين يوم وليلة وتُصبح من مخلفات الماضي؟!
 
منذ أسابيع قليلة ودّعت صحيفة “نيوز أوف ذي وورلد” الذائعة الصيت ما يزيد عن سبعة ملايين قارئ قائلة: “شكراً لكم، وداعاً”. وقد تضمّن العدد الأخير أول افتتاحية للصحيفة عند صدورها عام 1843م، إضافة إلى مقالة أخرى تعتذر فيها الصحيفة لقرّائها عمّا بدر منها في السنوات الأخيرة من تجاوزات للمعايير الصحفية، وعن قرارها تخصيص أرباح عددها الأخير للأعمال الخيرية.
 
كانت الشرطة البريطانية، قد أخضعت عدداً من العاملين في الصحيفة للتحقيق بعد أن تسربت معلومات عن تورطهم في التنصّت على شخصيات عامة للحصول على السبق الصحفي. وكانت الشرطة قبلها قد ألقت القبض على رئيس تحرير الصحيفة الذي كان مستشاراً سابقاً لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون. ومن المتوقع في حال إثبات تهم التنصّت عليهم أن تطالهم أحكام بالسجن تمتد لسبع سنوات .

كثير من السياسيين أظهروا شيئاً من الشماتة تجاه الرجل الذي كان يتحكّم بنفوذه في مقدراتهم ومستقبلهم السياسي! وهناك جمعيات حقوقيّة طالبت بالتنقيب عن استثمارات مردوخ داخل الولايات المتحدة الأميركيّة. بل إن عدداً من المعارضين نادوا بوجوب فتح تحقيق موسّع حول قضية التلصص على المشاهير ومناقشة أخلاقيات الإعلام بشكل عام.
 
من المؤكد أن كل مجتمعات الدنيا يلهو فيها الفساد من تحت الطاولة، وإنْ كان بنسب متفاوتة حسب قوة قانون البلد في التعاطي مع المتورطين فيه مهما علا أو قلّ شأنهم! كذلك معايير الأخلاق تختلف من مجتمع لآخر، لكن احترام خصوصية الأفراد تظلُّ قاعدة عامة تجتمع عليها كافة مجتمعات العالم.
 
يظل الإعلام بقنواته المتباينة الواحة الغنّاء التي تستلقي فيها الأجساد للتعبير عمّا يعتمل في دواخلها. ويظل كذلك البوق العالي الصوت الذي تسمعه الآذان للكشف عمّا يجري في أروقة مجتمعاتها من خبايا ودسائس، كي يتم التصدّي لها واستئصالها من جذورها.
 
هل من حق الإعلام استخدام وسائل مشبوهة للحصول على غاية نظيفة من منطلق أن الغاية تُبرر الوسيلة؟! الإعلام على الرغم من قدرته الأخاذة في تحريك الرأي العام نحو هدف معيّن، فإن هذا لا يعني حقه المطلق في اختراق خصوصيات الآخرين! والإعلام بقنواته المختلفة يجب أن يتمسك بالأخلاقيات المهنية حتّى يكسب ثقة رجل الشارع، لكن يظهر بأن السعي لجذب شريحة كبيرة من القرّاء، والرغبة في الكسب الكبير، والهوس في أن تكون دوماً في المقدمة، جعلت بعض الصحف تدهس على كافة المعايير الأخلاقية!
 
دوماً يُفاجئني الغرب بعدالته التي يستظلُّ فيها الجميع تحت سقف القانون! ولولا الشفافية التي تتمتع بها المجتمعات الغربية ونفحات الحرية التي تنبثق من جدرانها واستقلالية قضائها في إصدار أحكامه، لأصبحت جارة لنا في مسيرة تخلفنا الحضاري! ولو وقع خطأً مُشابها في إعلامنا العربي لقامت الدنيا وقعدت، وهبّت أقلام المتملقين دفاعاً عن هذا الكيان الصحفي الشامخ وإثبات نظرية المؤامرة لتبرئة ساحة هذه الصحيفة، أو تلك التي ضربت بعرض الحائط كافة الأخلاق المهنية، مرددين بصوت رخيم مقولتنا الرائجة “ياما في الحبس مظاليم!”.