أسلمة أوروبا!

أسلمة أوروبا!

أسلمة أوروبا!

الأحد 31/7/2011

 
لم يزل النرويجيون يترنحون من تأثير صدمة الاعتداءين الداميين على بلادهم، مخلفين تسعين قتيلًا وجرحى بالمئات، واللذين وقع أحدهما في العاصمة أوسلو عند (حي الوزارات)، والآخر بجزيرة (أوتويا) القريبة من العاصمة، حيث كان هناك شباب يُعسكرون في مخيّم صيفي.
 
المجتمع النرويجي عاش مؤخراً أياماً حزينة، وجيلان متعاقبان أو أكثر لم يعرفوا طوال حياتهم أي شكل من أشكال العنف، ولم يروا يوماً بأم أعينهم تفجيرات دموية على أرضهم، وهذا يعود إلى أن بلادهم لم تقع فيها أحداث عنف منذ الحرب العالمية الثانية. وقد ظلّ النرويجيون حتّى وقت قريب يُراقبون بعيون فضولية ما يجري بدول العالم الثالث بما فيها الدول الإسلامية التي تُعتبر في نظرهم منبع العنف، من خلال نشرات الأخبار التي تبثها شاشات التلفاز، أو من خلال المقاطع الحيّة الموجودة على (اليوتيوب).
 
هذا الاعتقاد جعل أصابع الاتهام بداية الأمر تُشير إلى تورّط جماعات إسلامية متطرفة في الانفجارين! وكتم العرب والمسلمون أنفاسهم إلى أن أثبتت التحقيقات أن وراء الانفجارين شاباً نرويجي الأصل، ينتمي إلى “اليمين” المسيحي المتطرف، مبرراً فعلته عند القبض عليه وإجراء التحقيقات معه، أنه أراد إرسال رسالة إنذار إلى حكومة بلاده بوقف تيار هجرة العرب والمسلمين خوفاً من أسلمة أوروبا!
 
اللافت في الأمر أن سفّاح النرويج، استلهم أفكاره من كتاب لكاتبة يهودية أطلقت على نفسها اسم (بات ياؤور)، وتعني في الترجمة الحرفيّة (ابنة النيل) كونها عاشت طفولتها في مصر وهاجرت منها مع أسرتها عام 1957م بعد قيام ثورة يوليو. وقد قام القاتل بالترويج للأفكار التي تضمنها الكتاب، وجعلها على صفحته الرئيسية بالفيسبوك!
 
من المعروف أن اليهود، الذين كانوا يعيشون في العالم العربي، أكثر شراسة في دفاعهم عن أمن إسرائيل وتبرير سياساتها القمعية من اليهود الذين قدموا من داخل أوروبا. والكاتبة اليهودية الأصل (جل لتمان) وهذا اسمها الحقيقي، والتي تحمل الجنسية البريطانية والمحللة السياسية المعروفة في الأوساط الصحفية، كانت قد أصدرت كتاب (تعريب أوروبا أو أسلمة أوروبا) تُحذّر فيه من خطر انتشار الإسلام في أوروبا نتيجة لارتفاع نسب هجرة العرب والمسلمين إليها، وتُشيد بسياسة نتنياهو، وتنادي بوجوب دعم للإسرائيليين في مواجهة العرب والمسلمين.
 
هناك للأسف بيننا من أخفى فرحته ودارى نظرة التشفّي بعد إعلان نتيجة التحقيقات، من منطلق “كلنا في الهوا سوا!” و “مافيش حد أحسن من حد” ، وأنه إذا كان لدينا إرهابيون إسلاميون متطرفون فعندكم أيضاً إرهابيون مسيحيون متطرفون!
 
هذا الاعتقاد من وجهة نظري مبالغ فيه! فوقوع حوادث متفرقة تفصل بينها سنوات طويلة، لا تعني بأن المجتمع الأوروبي قد أصبح يؤمن بالعنف كحل لأزماته، كون أوروبا التي عاشت طويلاً في عصور التخلّف وسيطرة الكنيسة على مقدرات العباد، لن تسمح بتنامي المد الديني المسيحي اليميني المتطرّف، وهذا يُظهر الفرق الشاسع بيننا وبينهم!
 
مجتمعاتنا العربية أغلبها تعيش في دائرة التطرّف الديني، الذي يزداد توغلاً في إعلامنا العربي بقنواته المتعددة وفي مناهجنا التعليمية! بل إن البعض أخذ يُظهر تخوفه من إمكانية وصول السلفيين الإسلاميين في مصر وتونس إلى سدّة الحكم، والثورتان لا تزالان في مرحلة التبلّور، مما يُهدد دساتيرهما المدنية لوجود طوائف ومذاهب متعددة على أراضيهما!
 
الاتحاد الأوروبي لم يقف مكتوف اليدين أمام حادثتي أوسلو، بل تعهد من خلال اجتماعات متلاحقة على مواجهة “اليمين” المتطرف وتقليص نفوذه حتّى لا يتنامى وتتكرر حوادث العنف في بلاد تؤمن بمبادئ الديمقراطية المتمثلة في العدالة والمساواة واحترام الحريات.