تحيا ليبيا الحرة

تحيا ليبيا الحرة

تحيا ليبيا الحرة

الأحد 28/8/2011

 
“يا بلادي يا بلادي في جهادي وجلادي ادفعي كيد الأعادي والعوادي واسلمي طول المدى… إننا نحن الفدى. ليبيا.. ليبيا.. ليبيا “. أخذ الثوار الليبيون بعد نجاحهم في السيطرة على العاصمة طرابلس ووصولهم إلى منطقة باب العزيزية مقر معمر القذافي، يُرددون فرحين نشيد الاستقلال الذي ألفه موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وقدمه للشعب الليبي بعد نيل استقلاله عام 1951م.
 
لم يكتفِ الثوار بذلك، بل طاف بعضهم في حي الجمعة ملوحين بعلامة النصر، بـ(توك توك) القذافي الذي استخدمه في إلقاء خطابه الأول مع بداية الثورة. ولم يكتفِ الثوار بذلك بل قاموا باقتحام بيت الضيافة الخاص بالقذافي في مجمع العزيزية، وقاموا بتحطيم النصب التذكاري الشهير الذي أقامه بعد الغارات الأميركية التي استهدفته عام 1986م.
 
زرتُ طرابلس العاصمة عام 2008م بدعوة من المنظمة العربية للإعلام الإلكتروني، لإقامة ندوة خاصة حول مجمل أعمالي الأدبية، وقد تم حينها تكريمي بحضور نخبة من الأدباء والمثقفين الليبيين. كانت ندوة ناجحة من أهم مميزاتها من وجهة نظري التقائي بنخبة جميلة من المثقفين والأدباء الليبيين على اختلاف توجهاتهم الفكرية الذين أذهلوني بعمق ثقافتهم وحلاوة حواراتهم.
 
قبل سفري جاءتني اتصالات من أصدقاء لي ينصحونني برفض الدعوة خاصة وأن العلاقات وقتها كانت في حالة توتر بين السعودية وليبيا، ولكنني أصررتُ على الذهاب لإيماني بأن ما تقطع أوصاله السياسية ترممه الثقافة. ولقناعاتي الذاتية بأن المثقف العربي يجب أن يبتعد عن كل ما يمس علاقته بزملائه من المثقفين، وأن المثقف الحقيقي هو من يبتعد عن دهاليز السياسة المشبوهة بأن يكون كاتباً مستقلاً له رؤيا خاصة إذا كان يعتزُّ فعلاً بعروبته.
 
عند وصولي إلى طرابلس أصابتني الدهشة وأنا في طريقي بالسيارة للفندق، لاحظتُ مدى انعدام التنمية العمرانية في طرابلس. وشعرت بالحسرة على بلد يملك كل هذا الكم من المخزون النفطي وشعبه يعيش محروماً من الرخاء الاقتصادي! سألت عن ماكينات الصرف الآلي! أخبروني بأنها لم تدخل ليبيا إلا من عدة أشهر. في طرابلس لا تُوجد فنادق عالمية باستثناء فندق أو فندقين. وبالنسبة للمراكز التجارية تكاد تكون معدومة، وما زالت الدكاكين منتشرة على الجانبين بوسط المدينة، ومنظر الدكاكين التي تُعلّق فيها الملابس وتُعرض فيها البضائع، ذكّرتني بشارع “قابل” الشهير الكائن بوسط البلد في جدة قبل عشرين عاماً.
 
هناك من برر لي بأن هذا يعود إلى الحصار الذي فرضته أميركا على ليبيا بعد حادثة (لوكيربي)! ولكن حقيقة الأمر أرى بأن ليس هذا سبباً لتخلّف بلد غني، ولكن لعن الله السياسة إذا مزجها أصحابها بأفعال متهورة تعود سلباً على الأوطان والشعوب!
 
على الرغم من فرحتي بما حققه الثوار من انتصارات على أرض الواقع، فإنني أخشى أن تتحوّل ليبيا إلى عراق ممزقة أخرى، خاصة بعد تلميح رئيس وزراء بريطانيا باحتمال إرسال قوات غربية لحفظ الأمن في ليبيا في مرحلة ما بعد القذافي، وسعي حلف “الناتو” إلى إقامة قواعد عسكرية على الأراضي الليبية! وهو ما يتطلّب من الدولة الجديدة القادمة الحرص على استقلالية ليبيا، ووضع دستور ديمقراطي حقيقي يقوم على مبادئ الحق والمساواة والحرية.
 
حمى الله ليبيا وشعبها الذي أثبت أنه قادر على أن يقول لا في وجه الطغيان. تُرى لماذا تجاهل الرؤساء الذين أسقطتهم شعوبهم من فوق كراسيهم، مطالب شعوبهم في التغيير؟! لماذا كانت ثقتهم عمياء في أنفسهم؟! لماذا لم يدعوا عقولهم تنبههم ولو لهنيهة بأن الكراسي تدور، وأنها مثل الأقدار… يوم لهم ويوم عليهم!!