ليت لدينا!

ليت لدينا!

ليت لدينا!

الأحد 4/9/2011

 
شنّ الزميل عبد الرحمن الراشد هجوماً لاذعاً على رئيس وزراء تركيا رجب طيّب أردوغان، متهما إياه بأنه رجل يُجيد تلميع صورته، بمواقفه المائعة أمام الشعوب العربية المحبطة الباحثة عن خلاص من أوضاعها السياسيّة المزرية، وذلك بدغدغة مشاعرها وتحريك عواطفها حتّى تحمله على أعناقها وتشيد بأدواره البطولية في حماية قضاياها المصيرية!
 
لم يكتفِ الراشد بذلك، بل وصف الزعيم عبد الناصر بأنه كان بطلًا من ورق انتهى مثل غيره في مزبلة التاريخ! وهذا كلام عجيب يبعث على الاستنكار كون الزعيم عبد الناصر لم يزل بطلاً قوميّاً في نظر الكثيرين من أبناء الشعوب العربية، ويكفي بأن شباب ثورة 25 يناير الذين لم يعيشوا زمن عبد الناصر كانوا يحملون صوره في ميدان التحرير بالقاهرة.
 
أنا لا أريد الخوض في حديث الأموات لإيماني المطلق بأن لكل عصر رجاله، وعبد الناصر لم يكن مؤلهاً، بل كان رئيساً له بالتأكيد زلاته وأخطاؤه، لكن هذا لا ينفِي أنه كان زعيماً حقيقيّاً سعى لتطبيق مبادئ العدالة الاجتماعية في وطنه، وكان رجلاً نزيه اليد، قومياً حقيقياً لا يختلف على ذلك اثنان، ولن يُصبح مكانه يوماً مزبلة التاريخ!
 
وعودة إلى أردوغان، فالراشد يقول في مقاله إن الشعوب العربية تقودها عواطفها، وأن أردوغان بفعلته الشهيرة في منتدى دافوس قبل عامين عندما ترك المنصة احتجاجاً على الجرائم الإسرائيلية في غزة، والتي جعلته نجماً ساطعاً في السماء العربية وبطلاً قوميّاً، كان بفعلته يُغازل عن قصد الشعوب العربية، وأن ما جرى هناك كانت فقاقيع في الهواء ليس لها تطبيق فعلي على أرض الواقع!
 
حسنا، قد يكون أردوغان تعمّد “بيع الماء في حارة السقايين” كما يقول المثل المصري الشهير، لكن أردوغان بذكائه السياسي دخل المجتمعات العربية من أوسع أبوابها. لنكن صريحين، أليست كافة شعوب الأرض بحاجة بين حين وآخر لمن يُغازلها ويُشعرها بقيمتها؟! أليست شعوبنا العربية المقهورة بحاجة لمن يُعبّر عن مطالبها؟! أليست الشعوب العربية التي تجرعت الظلم عقوداً من الزمن، من حقها أن تجد من يبلل ريقها بكلمات ولو كانت معسولة لتحس بآدميتها؟!
 
من جانب آخر، غالط الراشد نفسه! ففي المقال نفسه يُشيد بدور أردوغان في تحقيق التصالح مع الأكراد ودعمه لحقوقهم. ونجاحه في فتح خط العلاقات مع اليونان عدوة تركيا الأولى. والأهم نجاحه في انتشال بلاده من التخبّط الاقتصادي الذي أعفاها من التسوّل والوقوف على أبواب الأوروبيين طلبا لعضوية الاتحاد الأوروبي. والأهم من هذا وذاك نجاحه المذهل في القضاء على بؤر الفساد، التي تعتبر السبب الرئيسي في انهيار البنية الاقتصادية لأي مجتمع متحضّر، والذي للأسف ما زالت أغلبية بلداننا العربية تُعاني من تبعاته لحد الآن!
 
أقول للراشد، مرحباً بالزعيم الدعائي إذا كان قادراً على جعل بلاده في مصاف الدول المتقدمة القوية اقتصاديّاً. مرحباً بالزعيم الدعائي ما دام في استطاعته تحقيق العدالة الاجتماعية في وطنه. مرحباً بالزعيم الدعائي إذا كان يُدغدغ مشاعر الأفئدة الحزينة المحبطة لما آلت إليه أوضاعها ويُصبّرها على مصابها حتّى يأتي الفرج!
 
إذا كان بائعو الأحلام من أمثال عبد الناصر ورجب طيّب أردوغان فمرحباً بهؤلاء الباعة. لقد أصبحت مجتمعاتنا بحاجة ماسة إليهم وهم يتجولون في طرقات أوطانهم ويقولون بعلو أصواتهم.. هل من مظلوم نرد له حقه؟! هل من أحلام يود أحدكم أن نغرسها أمام حديقة بيته؟! نعم الأحلام الكاذبة قد تكون بداية الغيث لتحقيق المستحيل.