كيف نتقن ثقافة الحقوق؟!

كيف نتقن ثقافة الحقوق؟!

كيف نتقن ثقافة الحقوق؟!

الأحد 25/9/2011

 
الأدب الحقيقي ما هو إلا انعكاس لأحوال الحياة، وقد برع الكثير من الأدباء في تجسيد واقع مجتمعاتهم على الورق بحرفنة عالية. والأديب الروسي “تشيكوف” كان وما يزال من أهم قصاصي العالم الذين جسدوا بأقلامهم المبدعة الجوانب الإنسانيّة، وكلما قرأتُ له أحسست بأن ما طرحه في الماضي لم يزل قائماً في عصرنا!
 
قصة (المغفلة) من القصص المؤثرة التي كتبها تشيكوف. وهي قصة زاخرة بالمعاني الجميلة. مضمونها يحكي عن مربية كانت تعمل لديه، وقد حاول أن يُعلمها درساً في كيفية التمسّك بحقوقها من خلال تعمده إنقاص قيمة أجرها الذي تستحقه عن فترة عملها لديه. يكتشف تشيكوف أن المربية لم تُبدِ اعتراضاً على ما وقع عليها من غبن!! ويسألها تشيكوف.. لماذا لم تحتجّي؟! لماذا سكتِّ عن حقّك؟! ناصحاً إياها أن لا تتهاون في حقوقها مهما كانت الظروف. خاتماً قصته بعبارة “ما أبشع أن تكون ضعيفاً في الحياة”.
 
هل إدراك المرء لحقوقه يحتاج إلى أسنان حادة وعضلات مفتولة؟! هل الحقوق بحاجة إلى مناخ حر حتّى يستطيع المرء المطالبة بما له بقلب قوي؟! هل ثقافة الحقوق ممارسة وتعوّد، أم أنها تورّث مثل غيرها من موروثاتنا الاجتماعيّة؟! هل هي طبيعة فطرية تُولد معنا وتعيش حيّة في وسطنا وتموت بموتنا؟!
 
في مجتمعاتنا العربية اعتدنا على سماع كلمة واجبات عند كل منعطف، وفي كل شارع، وفي مدارسنا، وتحت أسقف بيوتنا، وداخل غرف نومنا، لكن نادراً ما تتردد كلمة الحقوق بين أسرنا وعلى ألسنة آبائنا، أو في مناهجنا، أو في إعلامنا، أو في فنوننا، كأنها كلمة ثقيلة الدم على أنفسنا لم نألف وجودها في حياتنا!
 
لو فتحنا التلفاز على البرامج الدينية سنجدها تصبُّ جميعها على وجوب التزام المرأة بتعاليم دينها حتُى وإن كانت هذه التعاليم مشكوك في صحة مصدرها! المهم أن تكون ذكوريّة بامتياز، خاصة تلك المتعلقة بعلاقة المرأة بالرجل ووجوب أن تصبر المرأة على سوء معاملة الأب أو الزوج أو الأخ لها، وغض النظر عن حقوقها كآدمية وعلى وجوب صون كرامتها!
 
لو نظرنا إلى مناهجنا التعليمية لا نجد فيها ما يُعزز كرامة الفرد وتعريفه بحقوقه ووجوب التمسك بها كجزء لا يتجزأ من إنسانيته، كأن التمسك بالحقوق أو المناداة بتطبيقها بداية لترسيخ فكر التمرّد والثورة على أحوال المجتمع ومطالبة الأجيال الصاعدة بالتغيير!
 
لو نظرنا إلى فنوننا سنجد بأنها هي الأخرى تُمارس فكرة إقصاء الفرد عن حياته العامة، بإغراقه في حكايات الحب وإغرائه بوسائل الترفيه التي تُحاصره من كل حدب وصوب، من دون أن تجعل أولوياته تعريفه بحقوقه وتكون البداية لبناء حياة إنسانية كريمة له وللأجيال القادمة من بعده.
 
حياة المرء باردة لا طعم لها ولا رائحة، إذ صار يعيش في الحياة صاغراً مستسلماً من دون أن يرسم علامة استفهام أو يُسجّل عبارة اعتراض لكل ما يجري من حوله! ليس هناك أجمل من أن يُنقّب الإنسان تحت قدميه ويكتشف بنفسه أسرار الحياة ويُطالب بما له ويطرد منها ما يمس كرامته، وأن يكون فرداً فاعلاً في مجتمعه يرفض بشدة ومن دون أن يطرف له جفن كل ما يحطُّ من قدره!
 
حياتنا تُصبح مُضيئة حين نُكللها بالوعي الحقوقي، وواجبنا يُحتّم علينا أن لا نكتفي بأن نعيشها بحذر، بل أن نلقّن معانيها السامية لأبنائنا، حتى يدركوا بأن الحياة ليست مائدة يأكلون ما عليها من أطعمة ثم يغسلون أيديهم وينسون بعدها اختلاف مذاقها!