اللوح الأزرق

اللوح الأزرق

اللوح الأزرق

الأحد 23/1/2011

 
فرغتُ من قراءة رواية “اللوح الأزرق” لـ “جيلبرت سينويه”، وهو روائي فرنسي وُلد وعاش فترة من حياته بمصر قبل أن يعود إلى فرنسا ويستقرّ فيها. ومن يقرأ روايته يُدرك مدى تأثره بالمجتمع الشرقي العربي وإطلاعه الواسع على التاريخ الإسلامي.
 
“اللوح الأزرق” رواية تقترب صفحاتها من الستمائة، وتدور أحداث الرواية ما بين مدينتي طليطلة وغرناطة في أواخر القرن الخامس عشر، بعهد الملكة إيزابيل والملك فرناندو قبل سقوط غرناطة آخر معاقل المسلمين. ومن المعروف أن محاكم التفتيش بدأت في تلك الحقبة الزمنية حيث كانت المحارق البشرية في ذروتها، ويُساق إليها الآلاف لكل من يرتد عن المسيحية أو يرفض الدخول فيها من أبناء المسلمين واليهود.
 
يبدأ الفصل الأول بموكب ضخم يتقدمه عدد من القساوسة والرهبان ويُساق خلفهم المحكومون عليهم بالحرق. ويُصوّر الروائي كيف يتم إلقاؤهم الواحد تلو الآخر حتّى ينتهي الأمر عند غروب الشمس وقد عمّت في الفضاءات رائحة اللحم الآدمي المحروق.
 
البطل الرئيسي في الرواية اليهودي “ابن برول” الذي حُكم عليه بالموت حرقاً. وهو بائع لوحات زيتيّة من سكّان مدينة طليطلة. وقد قام “ابن برول” بإرسال رسالة قبل موته عن طريق ابنه إلى صديقه اليهودي “صموئيل عزرا” الذي هاجر إلى مدينة غرناطة مع أهله. متضمناً محتواها حكاية كتاب وُلد في فجر الزمان، غير مذكور في كتب الأديان السماويّة الثلاثة. ويصف “ابن برول” لصديقه الكتاب بأنه عبارة عن لوح من الحجارة الكريمة بطول ذراع ونصف الذراع وعرض ذراع. وأنه خبّأ كتابه المقدس في مكان آمن. وأنه كتاب إلهي الصنع. خاتماً رسالته بهذه العبارة “سأرحل عن هذا العالم.. وقد دوّنتُ في رسالتي مجموعة من الإشارات والعلامات.. إنها خريطة صممتها في شكل نصوص وإذا فككت هذه الشفرات ستجد الكتاب”.
 
اكتشف “صموئيل عزرا” بأن الخريطة ناقصة أو بمعنى أصح الكلمات مبتورة، ليكتشف بأن صديقه قام بإرسال رسالة ثانية إلى عنوان آخر لرجل يُدعى “شاهر بن سراج” وهو شيخ عربي مسلم.
 
تعجّب “صموئيل عزرا” من تصرّف صديقه “ابن برول” وكيف يُصادق عربياً مسلماً! وعندما زار الشيخ العربي في منزله ومعالم الدهشة مرسومة على وجهه، قال الشيخ شاهر لضيفه:” لقد أحببتُ في ابن برول الإنسان وليس اليهودي”.
 
يفطن الطرفان اليهودي والمسلم أن الخريطة ناقصة، ليكتشفا بأن “ابن برول” قد قام بتسليم الجزء الأخير المفقود لراهب نصراني يُدعى “رافائيل فارغاس”. وكان “ابن برول قد أخبره قبل موته بأن هناك رجلين سيزورانه وأنهما ينبوعان لا ينضبان من العلم والمعرفة وأنهما سيأتيان في طلبه من أجل المخطوط. محذراً إياه من إعطائهما ما يريدان، مُوصياً إياه بأن يتقاسم معهما رحلة البحث عن اللوح الأزرق.
 
عند عثورهم على مكان اللوح بعد رحلة طويلة من المخاطر، حرص كل منهم على إمساك اللوح بيديه. جاء الدور في الأول على اليهودي الذي تراءى له نص مكتوب بحروف ذهبية من التوراة، ثم اختفت الكلمات ليستعيد اللوح هيئته الأولى. وعندما أمسك المسلم باللوح ظهرت له آيات من سورة البقرة ثم تلاشت الزرقة وعاد اللوح لهيئته الأوليّة. وعندما أمسك النصراني باللوح ظهرت على سطحه أسطر من الإنجيل.
 
بعدها تلاشت الزرقة، وشيئاً فشيئاً تحوّل اللوح إلى حمرة ثمّ أخذ يتلاشى شيئا فشيئا حتّى تحوّل فجأة إلى غبار. نهاية رائعة تهدف إلى القول بأن البشر مغرورون وعابثون ومجانين وغير متسامحين. وأن الأديان كلها جاءت من أجل البشرية جمعاء، وفيها دعوة مبطنة لفكرة التعايش بين الأديان الثلاثة.