عشق مغامرات التغيير!

عشق مغامرات التغيير!

عشق مغامرات التغيير!

الأحد 9/10/2011

 
قرأتُ مرّة في كتاب (البجعة السوداء) الذي سيكون لي عودة لاحقة له لروعة محتواه، عبارة جميلة مفادها: “سيتراكم لديك مزيد من المعارف، ومزيد من الكتب كلما تقدّم بك العمر، وعند ذلك سينظر إليك العدد المتنامي من الكتب غير المقروءة من على الرفوف نظرة عتاب ووعيد”. وأضيف عليها بأنها قد تتخللها نظرة خوف أيضاً، من أن تتركها وحيدة من بعدك، لم يمهلك القدر لتنقضّ عليها وتلتهمها بعينيك وتدعها ترقد آمنة داخل عقلك!
 
هذه النظرات المتحفّزة المتعلقة بالكتب لا تقتصر فقط على هوسنا الفطري في النبش عن المعارف الموجودة ببطون الكتب، بل تتعداها إلى كم تجاربنا الحياتيّة التي تتراكم في أذهاننا مع مرور عجلات السنين، فتُغيّر الكثير من رؤانا وتدفعنا إلى أن نقف على الحياد معها أو إلى نميل في الاتجاه المعاكس لها أو إلى تأييدها تأييداً مطلقاً.
 
في بيئتنا العربية نتربى جميعاً على معتقدات ومعايير وأعراف نحوّلها دون قصد إلى ثوابت اجتماعية نتشبث بها إلى حد التطرّف في كثير من الأحيان، وهو ما يجعلنا نتهيّب من الإقدام على مغامرات جديدة والولوج إلى مناطق غريبة عنّا، أو المخاطرة بالتفكير في التخلّي عمّا ألفناه على مدار عمرنا، وهو ما أدّى بمجتمعاتنا إلى التأخّر عن اللحاق بركب المدنية الحديثة التي تقوم بنية مجتمعاتها على صفتي الشجاعة والإقدام في تذوّق الجديد مهما كانت إغراءات القديم!
 
(بجعة يفجينيا السوداء) الموجودة في الفصل الثاني بالقسم الأول من هذا الكتاب، تتحدّث عن قصة الروائيّة الروسيّة (يفجينيا نيكولايفنا كراسنوفا) التي أصبحت في خلال خمس سنوات من أشهر الروائيات بعد أن كانت كاتبة مغمورة لم تجد في بداياتها ناشراً واحداً يمنحها ولو دقيقة واحدة من وقته ليستمع لها. وكانت دوماً نصيحة الناشرين لها أن تُحدد الجمهور الذي تكتب له، وأن الهواة وحدهم هم الذين يكتبون لأنفسهم بينما يكتب المحترفون للآخرين. وأفهمها البعض بأن عليها اختيار نوع معين من الأدب. وبالغ أحد الناشرين بقوله عبارة قاسية، إن كتابها لن يُباع منه في حال نشره سوى عشر نسخ سيشتريها أزواجها السابقون وبقية أفراد عائلتها.
 
اضطرت الكاتبة مرغمة بعد أن تملكها اليأس، إلى نشر كتابها على الإنترنت، وصار لديها جمهور صغير كان من بينهم صاحب دار نشر صغيرة ومغمورة لكنه ثاقب الفكر. عرض عليها هذا الناشر نشر كتابها مقابل نسبة ضئيلة من الأرباح، ووافقت على عرضه مقابل عدم المساس بالنص الأصلي لروايتها، وقد اتفق الطرفان على شرطي بعضهما كونهما ليس لديهما ما يخسرانه!
 
أصبح كتاب هذه الكاتبة بعد نشره من أشهر الكتب في عالم الأدب، وحقق مبيعات خياليّة، وتُرجم إلى أربعين لغة، وغدت دار النشر التي غامرت بنشر كتاب هذه الروائيّة المغمورة، شركة نشر عملاقة.
 
يكمن سر رواية “يفجينيا” في أنها تمرّدت على المألوف في كتابة الرواية، ورفضت الخط المتعارف عليه بين الرواية واللارواية، واعتبرت ذلك موضة قديمة لا تستطيع الثبات أمام تحديات المجتمع الحديث. وكان من حسن حظ “يفجينيا” أنها التقت بناشر يهوى هو الآخر المغامرة.
 
قصة هذه الكاتبة أثارت انتباهي، ولو كل امرئ حمل قلبه على يديه ورفع لواء التغيير، واقتحم غمار معركته في الحياة متسلحاً بقدراته الشخصيّة، وتشبث بحقه في اكتشاف أغوار المجهول، لما أصبحت مجتمعاتنا العربية مكانك سر نُقدّم رجلاً ونُؤخّر أخرى، ويتجمّد الدم في عروق ساكنيها كلما تناهى لسمعهم أن هناك أبواقاً غريبة تقف عند أسوار مدنهم تطلب منهم بإلحاح شديد أن يستمعوا لنغماتها وإن لم تستسغها آذانهم في البداية!