مرحباً بربيعي

مرحباً بربيعي

مرحباً بربيعي

الأحد 16/10/2011

 
تملكتني الفرحة وأنا اسمع عبر التلفاز خبر فوز الناشطة الحقوقيّة اليمنية الجنسية (توكّل كرمان) بجائزة نوبل للسلام مع ناشطتين أخريتين. هذا يعني بأن العالم بأسره دخل عصر النساء من أوسع الأبواب. وهذه الجائزة تُعتبر وسام شرف على صدر كل مثقفة عربية تُناضل من أجل إرساء حقوق بنات بلدها.
 
حقيقة لم أندهش لفوز “كرمان”، ومن سنحت له الفرصة لزيارة اليمن سيجد بأن المرأة اليمنية لها تاريخ مضيء. وهي حاضرة بقوة في المشهد السياسي والاجتماعي داخل بلدها، وليست مُغيّبة نتيجة الظروف الاقتصادية المتدنية التي تحيا فيها كما يعتقد الكثيرون!
 
السيد عبد السلام كرمان عضو مجلس الشورى في الحزب الحاكم، رحّب بفوز ابنته توكّل بجائزة نوبل، لكنه في نفس الوقت أقرّ بأن ابنته لا تُصغِ لكلامه، وأنها “قليلة الأدب فيما يختصُّ بخطابها السياسي!”
 
مع هذا لم نسمع بأن السيد كرمان مارس سلطته الأبويّة في قمع ابنته ومصادرة حقها كراشدة في التعبير عن مطالبها كما يحدث في بلادنا طوال الوقت باستخدام حق (الفيتو) المتمثّل في حكم الوصاية! ويُقال بأن كرمان تلقّت خبر فوزها بالجائزة وهي تقود سيارتها في أحد شوارع صنعاء الرئيسيّة دون أن يتم إيقافها في مخفر شرطة أو حكم قاضٍ بجلدها نتيجة تجرؤها على القيادة وسط مدينتها!
 
زرتُ اليمن مرتين على فترتين متقاربتين في الأعوام الأخيرة، وشاهدتُ بأمِّ عينيّ كيف تتصدّر المرأة اليمنية المشهد السياسي والحقوقي داخل بلدها. بهرتني بثقافتها وحضورها الفعّال وسعيها الدؤوب لفرض وجودها داخل مؤسسات بلادها الحكوميّة والأهلية، ونجاحها في تقلّد منصب قاضية في سلك القضاء الذي لم تصل إليه النساء في أغلبية الدول العربية، بالرغم من أن المجتمع اليمني قبلي تغلب عليه الصبغة الذكوريّة مثل غيره من دول الخليج!
 
كعادتنا في ثقافتنا العربية، شكك البعض في مغزى منح الجائزة لكرمان، وقد لفت انتباهي مقال لأحد الكتّاب السعوديين في إحدى الصحف المحلية يُعلّق فيه ساخراً على فوز “توكّل” بالقول إن جائزة نوبل للسلام ترى بأن المرأة تُمثّل نصف الرجل، ولذا قرر القائمون عليها منحها لثلاث نساء في سابقة استثنائيّة!
 
الذي لا يعرفه هذا الكاتب أن “كرمان” كانت تترأس منظمة (صحفيات بدون سلاسل). وقد اختارتها منظمة بلا حدود ضمن أفضل سبع نساء نجحن في إحداث تغييرات داخل مجتمعاتهن. كما كانت حاضرة بميدان التحرير مع بدء الانتفاضة الشعبيّة، معلنة تضامنها مع الشباب الثوري المطالب بتغيير النظام.
 
موقف الكاتب ليس غريباً، بل يعكس المناخ الذكوري الشائع في مجتمعاتنا العربية ونظرته الدونيّة للمرأة! بل يجب الاعتراف بأن فوز “كرمان” شكّل صدمة كبيرة وخيبة أمل غير متوقعة للتيارات الدينيّة المتشددة، التي تُقلل طوال الوقت من قدرات المرأة وتُشكك في إمكانيتها الفطريّة!
 
الإعلام العربي هو الآخر للأسف لم يحتفِ بالقدر اللازم بفوز “كرمان” بجائزة نوبل للسلام، على الرغم من أنها أول امرأة عربية تحصل على جائزة نوبل في فرع من فروعها منذ نشأة الجائزة. فهل هناك خوف من قبل بعض الأنظمة العربية من تسيّد المرأة في مجتمعها، وسحب البساط من تحت أقدام الرجل لصالحها؟! هل هي عقدة الذكوريّة الضاربة جذورها في تربة مجتمعاتنا التي لا يُمكنها تحمّل قفزات المرأة فوق مدرجات الرجال وتصدّر الصفوف القياديّة؟! هل من تهيّب البعض من أن يؤدي فوز “كرمان” إلى قلب موازين القوى لصالح المرأة العربية؟!
بلا شك فوز “توكّل كرمان” بجائزة نوبل للسلام فيه رد اعتبار صريح للمرأة العربية. انتبهوا أيها السادة، النساء قادمات.