ثورة جياع عالميّة!

ثورة جياع عالميّة!

ثورة جياع عالميّة!

الأحد 30/10/2011

 
هل رياح الربيع العربي التي عصفت مؤخراً بعدد من بلداننا العربية كان لها أثر كبير في أن تتمايل بحرية مطلقة في أفضية العالم بأسره؟! لماذا علا صياح الجياع والفقراء الذين كان صوتهم خافتاً حتّى الأمس القريب، وارتفعت نبراتهم ولم يعودوا يعبأون بالحدود ولا يُبالون بالعواقب؟! هل انتقلت لأعماقهم عدوى الربيع العربي، أم أنهم لم يعد يحتملون سيطرة الأنظمة الرأسمالية على مقدراتهم؟! هل السياسة متورطة هي الأخرى كونها تُهيمن على رأس المال، أم أن العكس هو الصحيح؟!
 
الأزمة المالية التي عصفت بأوروبا وأميركا والتي اندلعت شرارتها منذ ثلاث سنوات، دفعت بالملايين إلى الشوارع للتنديد بالرأسماليين والسياسيين والأنظمة المصرفية، واعتبرها الكثيرون رد فعل طبيعي لتفاقم الأزمة من حيث ارتفاع نسب البطالة وتزايد نسب الفقر وانعدام المساواة الاقتصاديّة التي أدّت إلى اتساع الهوة بين طبقتي الأغنياء والفقراء.
 
أصبح معتاداً أن يفتح المرء التلفاز على القنوات الإخباريّة، ويُتابع ببلادة مشاهد المظاهرات التي تجتاح شوارع المدن الأوروبيّة والأميركيّة، كأنه يتفرّج على فيلم ممل يتنبأ بنهايته قبل أن يضع المخرج كلمة النهاية. فكل الأحداث متشابهة والمطالب تقريباً واحدة، وهي تطبيق المساواة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.
 
كانت شرارة الاحتجاج قد خرجت بادئ الأمر من مدريد، على يد مجموعة أطلقت على نفسها لقب (الغاضبون) ثم استشرت حتّى تحوّلت إلى حريق كبير داخل الولايات المتحدة الأميركيّة نفسها من خلال مجموعة رفعت شعار (احتلوا وول ستريت)، وتوسعت دائرة الاحتجاج لتشمل ثلاثين مدينة أميركيّة بعد أن أعلنت وزارة الخزانة الأميركيّة عن عجز وصل إلى أكثر من تريليون دولار، مما أصاب الأميركيين بالإحباط خوفاً على مستقبلهم المالي.
 
منذ عدة أشهر صحت لندن عاصمة الضباب على احتجاجات عنيفة لم تشهدها بريطانيا منذ عدة عقود! ونتجت عنها أعمال تخريب ونهب لمتاجر كُبرى في عدد من أحياء لندن رافعين أصحابها شعار (احتلوا بورصة لندن). ومن الواضح أن نوبة الاعتراضات قد لحقت بعواصم أوروبية أخرى وحملت الجماهير الغاضبة لافتات مكتوب فيها “يا شعوب العالم انهضوا”. ورأينا كيف خرج اليونانيون إلى ميادين العاصمة أثينا للاعتراض على سياسة التقشّف التي تقودها الحكومة. وقد أخذت تلوح في الأفق القريب موجة احتجاجات في إيطاليا بلد الأزياء والماركات العالمية، وظهرت بوادرها مع وقوع اشتباك بين مئات المتظاهرين والشرطة.
 
“لو كان الفقر رجلاً لقتلته” مقولة جميلة لسيدنا علي، نُرددها في مجالسنا وفي أعلامنا وفي مناهجنا التعليمية، لكن ليس الفقر وحده من يجعل الشعوب تثور على حكوماتها، وإنما غياب العدالة الاجتماعية وسيطرة رجال الأعمال الكبار على اقتصاد بلدانهم، مما جعل الفرد البسيط يدور في ساقية أطماعهم.
 
الثورات جميلة حين تُحقق مبادئها السامية القائمة على الحرية والعدالة والمساواة. والسؤال الذي يفرض نفسه.. لماذا عجزت دول كبرى مثل أميركا وأوروبا التي تقوم دساتيرها على حفظ حقوق مواطنيها، عن مواجهة كوارثها المالية التي زعزعت استقرارها وأمنها؟! لقد لفت نظري في واحدة من الشعارات التي يحملها بعض المتظاهرين في أميركا “لا نُريد خوض حروب بعد الآن”. وهذا هو مربط الفرس كما يقولون فالحروب وإن كانت في ظاهرها تتبع حسن النية إلا أن أهدافها خبيثة، تقوم على أطماع ذاتيّة واستنزاف جيب المواطن! فهل السياسة التي تتبعها أغلبية الحكومات هي التي فجّرت هذه الثورات، أم أن تلاعب الأغنياء بمقدرات شعوبهم هي التي دفعت الفقراء إلى أن يستأسدوا ويكسروا القيود الموضوعة في معاصمهم ويعلنوا الحرب علانية؟!