لكِ الله يا “يونسكو”!

لكِ الله يا “يونسكو”!

لكِ الله يا “يونسكو”!

الأحد 06/11/2011

 
يظهر بأن عام 2011م هو عام المفاجآت بلا جدال، وإن كان بعضها مُفرحاً يبعث على التفاؤل وبعضها الآخر محزناً يملأ القلب بالأوجاع. فمن بدء اشتعال ثورتي تونس ومصر، ومروراً بنجاح الثورة في ليبيا، والتي انتهت بمقتل القذافي بعد حكمه المستبد الذي استمر لأربعة عقود، واستمرار مسلسل العنف على شعبي سوريا واليمن، يخترق آذاننا التصفيق الحاد الذي صدح في جنبات قاعة اليونسكو بعد أن صوّت أغلبية أعضاء الجمعية العمومية للمنظمة قبول “دولة فلسطين” كعضو كامل في منظمة التربية والثقافة والعلوم (اليونسكو).
 
البعض قلل من قيمة هذا الإنجاز الذي انتزعه الفلسطينيون، على أساس أن منظمة اليونسكو هي جهة ثقافيّة ليس لها من قريب أو بعيد أي علاقة بالسياسة، وأن مهمتها الأساسية تنحصر في رعاية الفنون والآثار والعلوم وكل الفروع التي تندرج تحت مسمى الثقافة. وهذا الرأي مجحف من وجهة نظري ويستحق هذا النصر الساحق أن نرفع له القبعة والعقال ونبتسم بفخر أمام كاميرات المصورين كون العرب بتأييدهم ودعمهم للمطلب الفلسطيني نجحوا في أن يُعترف بها كدولة بعد أن كان اسمها مطموساً على خريطة العالم.
 
يظهر بأن أميركا لم تزل مفتونة بطفلها المدلل إسرائيل وتحرص على أن لا تثير غضبه! فما أن تمَّت الموافقة على مطلب الفلسطينيين، حتّى أعلنت الولايات المتحدة الأميركيّة اعتراضها وأن هذا الأمر سيضر مستقبلاً بمحادثات السلام في الشرق الأوسط! مقررة أن تُوقف المبلغ الذي تُدعم به المنظمة والذي يُقدّر بستين مليون دولار، مبررة فعلتها بأن القانون الأميركي يحظر تمويل اليونسكو في حالة قبلت عضوية فلسطين! ابتسمت بيني وبين نفسي مرددة عبارة… كان الله في عونكِ يا يونسكو على تحمّل عجز ميزانيتك بعد أن تخلّت عنك “ماما أميركا”!
 
لا أعرف حقيقة ما دخل قبول فلسطين كعضوة دائمة في منظمة ثقافية، وبين محادثات السلام التي تقف مكانك سر منذ أن تولّى نتنياهو رئاسة الوزراء المعروف بتشدده وإصراره على بناء المزيد من المستوطنات داخل الضفة الغربية!
 
وزير الخارجية الفلسطيني قال أمام الجمعية العمومية إن هذا التصويت أزال جزءاً بسيطاً من الظلم الذي تعرّض له الفلسطينيون على مدى عقود. وفي مقابلة للتليفزيون الإسرائيلي أعلن الرئيس الفلسطيني سعادته بالقرار، مضيفاً بأن العرب أخطأوا عندما رفضوا قرار التقسيم عام 1974 الذي ينص على تأسيس دولة فلسطينيّة بجانب إسرائيل، وأن هذا لا يعني أن يستمر معاقبة الفلسطينيين 64 عاماً منذ تأسيس دولة إسرائيل.
 
بلا شك أن الفلسطينيين استفادوا من “الربيع العربي” ومن نهايات أنظمة دكتاتورية أخذت تتهاوى بين ليلة وضحاها كالأبنية الطينيّة القديمة، في استعادة شيء من حقوقهم المهضومة. ويكفي بأننا أصبحنا محط أنظار العالم بأسره، الذي وقف مبهوراً أمام الإنجازات التي حققناها كعرب على أرض الواقع، وغيّرنا نظرتهم القديمة إلينا في أننا شعوب تحيا في أوطانها مسلوبة الإرادة، بقدراتها الجبارة على إزاحة الطغاة عن كراسيهم بعد أن حكموا أوطانهم سنوات طويلة بالحديد والنار.
 
على الرغم من أن عالمنا العربي لم يزل يعيش في بؤر الفساد والتخلّف والفقر والأمية، فإنه نجح في أن يتعدّى الحدود ويُوصل صوته إلى كافة أرجاء العالم، ويدع شعوب الأرض المضطهدة تتبع خطاه وتمشي على هديه. أليس من حقنا أن نفخر بأجيالنا العربية الشابة التي قلبت موازين القوى، وألغت قوانين جائرة تحوّلت مع الوقت إلى أعراف مسلم بها، وخلقت بقوة شكيمتها حياة مختلفة تنضح من وجوهها الحرية والكرامة الإنسانية؟!