رحم الله أفلام زمان!

رحم الله أفلام زمان!

رحم الله أفلام زمان!

الأحد 13/11/2011

 
لفت انتباهي في مسلسل (الشحرورة) الذي تم عرضه في رمضان الماضي ولاقى إقبالاً جماهيريّاً كبيراً، والذي يتحدّث عن جوانب من سيرة حياة الفنانة الكبيرة صباح، الدور المهم الذي لعبته المنتجة (آسيا جبار) في دعم مشوار صباح الفني في بدايتها، بل وفي رواج الفيلم المصري في كافة أرجاء الوطن العربي.
 
قالت “آسيا” لصديق لها كان قد لامها على إهدار مالها في إنتاج فيلم بضخامة (الناصر صلاح الدين)، بأنها ليست نادمة على إنتاجه بالرغم من أنه كلّفها الكثير، وأن الأيام ستثبت بأنه من أهم الأفلام العربية التي ستترك بصمة بارزة في تاريخ السينما المصرية.
 

“آسيا” المنتجة اللبنانية المسيحية الديانة، لم تأبه كون الفيلم يتحدّث عن رمز من رموز الإسلام كان له دور بارز في مواجهة الحروب الصليبية، ولم تُفكر في حجم الإيرادات التي ستنالها بعد عرض الفيلم وتسويقه، بل غامرت بدافع عشقها لفن السينما، وأنتجت عملًا ضخماً شارك في كتابته أهم أقلام القصة المصرية، بجانب أن مخرجه كان المبدع الفذ يوسف شاهين.
 
ترحمتُ على زمن الفن الجميل وعلى منتجي الماضي من حجم آسيا جبّار ورمسيس نجيب وغيرهما، وأنا أقرأ التهليل وحجم الإيرادات الكبيرة التي حققها مؤخراً فيلم (شارع الهرم)! الذي يتميّز بالسطحيّة والإثارة والذي قٌوبل بهجوم كبير! فهل بالفعل المنتجون حسنوا النيّة في إنتاج هذا النوع من الفنون الهابطة كون الجمهور “عايز كده”، أم أن الناس لم تتغيّر أذواقهم وأن الأمر ينحصر في أنهم يلجؤون لهذه النوعيّة للهرب من ضغوطاتهم الحياتيّة إلى عالم يُروّح عنهم ولو لساعات قليلة؟!
 
أحياناً وأنا أقلّب القنوات يقف أصبعي عند قناة تعرض فيلماً من أفلام الأبيض والأسود، فأجد بأنها لم تزل تعيش في أذهاننا رغم أن منها قد مرَّ على إنتاجها ما يقرب من المائة عام. وهو ما يؤكد بأن التاريخ كما يُدوّن بالأقلام كذلك يُدوّن من خلال كاميرا مصوّر محترف وعين مخرج موهوب يُدير العمل من خلف الكواليس ومنتج كريم يهمه تقديم عمل جيد، ولا يضع الكسب المادي في قائمة أولوياته!
 
في مصر يُلقي بعض الكتّاب والنقاد السينمائيين اللوم على الحكومة في أنها تركت صناعة السينما تحت رحمة الجزارين و”بائعي الكبدة” و”الكهربائيّة” الذين أصبحوا فجأة من أصحاب الملايين، ودخلوا صناعة السينما من أجل تحقيق الكسب المادي. وهذا ليس عيباً في صناعة السينما، ولكن العيب يكمن في أن تسمح الدولة لهذه الفئة بتدمير هذه الصناعة المهمة من أجل عيون البنكنوت!
 
هناك من النقّاد من يُبرر هبوط مستوى الفيلم المصري برمي الكرة في ملعب المخرجين أنفسهم، وأنهم يُعانون من التسطيح الفكري، ويفتقدون إلى الموهبة التي كان يتمتع بها المخرجون السابقون من جيل العمالقة الذين قدّموا أعمالاً خالدة تُنافس الأفلام العالميّة في جودة إخراجها.
 
ترتفع حالياً في الساحة الثقافية أصوات تُنادي بوجوب أن تتبنى الدولة من جديد صناعة السينما، من خلال إعادة إنشاء “الهيئة المصرية العامة للسينما”، التي كان يرأسها في الستينيات الروائي النوبلي نجيب محفوظ والذي كان قد كتب بنفسه سيناريوهات لعدة أفلام مصرية.
 
اليوم في مصر هناك ثورة على كل شيء، من ضمنها الثورة على الإسفاف، وارتفاع أسهم الفن الهابط في مصر، فهل سينجح شباب الثورة في القضاء على هذه الظاهرة والعودة بالفن المصري إلى القمة كما نجحوا في إزاحة نظام فاسد جثم على أنفاسهم أكثر من ثلاثة عقود؟! هنا يكمن الاختبار الصعب!