الحروب الإعلاميّة!

الحروب الإعلاميّة!

الحروب الإعلاميّة!

الأحد 20/11/2011

 
من المؤكد أن الإعلام العربي والعالمي لعب دوراً كبيراً في تأييد ثورات الربيع العربي، من خلال التأثير على توجهات الناس فيما يبثه من مشاهد تُظهر الحقائق، وتفضح كل ما يجري في تلك البلدان من انتهاكات وفضائح متعلقة بأنظمة هشّة تساقطت مثل أوراق أشجار الخريف!
 
منذ أن بدأت مظاهرات الاحتجاجات في سوريا، وصلتني عدة إيميلات من كتّاب سوريين يطلبون مني عدم الانجراف خلف الهجمة التي تطال بلادهم، وألا ألتفت لما تبثه عدد من القنوات الإخباريّة العربية والعالمية عن وحشية النظام السوري في قمع المظاهرات المناهضة له، وتورطه في قتل المتظاهرين المناوئين لحكمه بدم بارد، مؤكدين بأن ما يعرضه الإعلام المرئي ما هو إلا نوع من التضليل والافتراء والسعي إلى التلاعب بعقلية المواطن العربي المعروف بعاطفته، وأنهم يملكون أدلة وبراهين تُثبت بأنه بين المتظاهرين من يقوموا بالاعتداء على رجال الجيش.
 
مع تقديري الشخصي للأقلام الوطنية التي تخشى على بلادها من التقسيم والنزاعات الداخلية والحروب الأهلية وشبح التقسيم، كما جرى في بلدان عربية أخرى، إلا أن هذا لا ينفِ أن الشعب السوري يتعرّض يوميّا للقتل والتعذيب على يد الجيش السوري. ومهما كانت كاميرات المصورين بارعة في التقاط الصور التي تثير حفيظة المشاهد العربي إلا أنها مشاهد حيّة من الصعب التلاعب بها وتزويرها!
 
الأغلبية تعلم بأن إعلامنا العربي بصفة عامة يخضع لسياسات بلدانه، ونادرا ما تفلت قناة فضائيّة عربية وإن كانت مستقلة الموارد، في أن تكون لها آراؤها المستقلة البعيدة عن توجهات بلادها، وإلا تمَّت محاربتها بشراسة من خلف الأستار حتّى ترفع راية الولاء والطاعة وتكف عن ممارسة دور المشاكس الذي يقف بجانب الحقائق المجردة مهما كانت قاسية!
 
يُقال إن النظام السوري أراد توجيه رسالة للجامعة العربية بعد قرار تجميد عضويته إذا لم يلتزم بشروط الجامعة العربية، في القيام بإخراج مظاهرات إلى الشوارع والميادين الرئيسيّة لتأييد نظامه وذر الرماد في العيون الغاضبة عليه وإثبات أن أغلبية الشعب السوري تسير خلف رئيسها بشار.
 
بلا شك أن الحروب الإعلامية تلعب دوراً رئيسيّاً في الثورات والحروب، وهو ما جعل الكثير من المثقفين السوريين يسخرون من هذه الحشود المتجمعة التي تهتف باسم بشار، وتُندد بقرار الجامعة العربية، مؤكدين بأن هذه المظاهرات في باطنها لا تحمل طابع العفوية، وأن أصحابها لم يخرجوا طوعاً، بل تم تهديد الطلاب بالفصل أو الاعتقال من جامعاتهم والموظفين من أعمالهم إذا لم يُشاركوا في المسيرة ويستجيبوا لطلب السلطات السورية!
 
الإمبراطور الروماني نيرون، أسوأ عمل قام به هو إحراقه لروما الذي استمر ستة أيام، وأخذ يتأمل حينها بإعجاب منظر الحريق وهو جالس في شرفة قصره وينشد.. أنا نيرون الجبار.. أقتل من أشاء وأملك ما أريد.. وأقطع الأعناق وأسفك الدماء.. ولا يجرؤ أحد على إشهار سيفه في وجهي.. وانتهت حياة هذا الرجل بالموت منتحرا على يد أحد خدّامه بعد أن تخلّى عنه أنصاره.
 
لا أعرف حقيقة لماذا يُحب الديكتاتوريون سماع هتافات شعوبهم وإن كانت حناجرها مجروحة لا تنبض بالصدق والولاء؟! ليت الطغاة العرب يقرؤون التاريخ، ولو اهتموا بقراءته لأخذوا العبر ممن سبقوهم، لكنهم اعتادوا على أن يعيشوا في أبراجهم العاجيّة بعيداً عن أوجاع شعوبهم! ولو كانوا حريصين على راحة شعوبهم، لأقاموا علاقات حب قوية معها كون هذه الصلة هي التي ستجعلها درعاً واقياً لحكمهم، وليست في إجبارها طوال الوقت على الغناء المنمّق والتسبيح بحمدهم نهاراً وليلاً!