حان وقت الجلوس

حان وقت الجلوس

حان وقت الجلوس

الأحد 4/12/2011

 
غادرت مصر قبل أيام من موعد بدء الانتخابات التشريعيّة. لأول مرة أرى مُدنها تتشح بالسواد وتفوح من أزقتها العتيقة رائحة الترقّب والحذر! فقد عشتُ أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير عند اشتعالها، وشاهدتُ بأم عينيّ كيف كان الناس فرحين ومأخوذين بما حققه الشباب من إسقاط نظام فاسد جثم على قلوبهم لأكثر من ثلاثة عقود.
 
أعلم أن الأنظار تتجه جميعها لمصر بحكم ثقلها التاريخي وموقعها الجغرافي، وأميل لرأي الكثيرين بأن نجاح ثورة مصر سيجعل منها نموذجاً ناصعاً تحتذي به الكثير من دول العالم لتطبيق تجربتها الديمقراطية، لكنني حقيقة أشعر بالخوف على مصر.
 

الوضع في مصر يختلف جذريّاً عن الوضع في تونس. فمن المعروف أن أكثر من ثلث الشعب المصري يُعاني من الأميّة. والحياة البرلمانيّة الحقيقيّة في مصر قد تم القضاء عليها مع خروج الملك فاروق آخر سلالة محمد علي من ميناء الإسكندرية مُبحراً على ظهر الباخرة المحروسة. ومؤسسات المجتمع المدني بأحزابها السياسيّة والتي كان لها دور كبير في محاربة الاستعمار تقلّصت أدوارها تدريجيّاً بسيطرة النظام العسكري على الحكم سيطرة كاملة على مدى عقود. بجانب انتشار الفساد السياسي والمالي والإداري أمام أعين الملأ دون محاسبة رادعة. إضافة إلى حدوث انقسام داخل المجتمع المصري بشرائحه المتعددة نتيجة توغّل المد السلفي المتشدد.

 

قلتُ في الندوة السنويّة التي أقامتها مؤخراً جريدة الاتحاد في ملتقاها السنوي، بأنني لستُ قلقة على مستقبل تونس التي أطلقت الرصاصة الأولى في ثورة “الربيع العربي”، كون تونس بها مؤسسات مجتمع مدني حقيقيّة، ولا تُوجد أميّة بين أفراد الشعب، والمرأة حصلت هناك على الكثير من الامتيازات منذ عهد بورقيبة، ولديها اتحادات نسائية حقوقيّة راسخة من الصعب التلاعب بها بسهولة!

 

كنتُ قد قرأت تعليقاً للكاتب البريطاني “روبرت فيسك” حول مجرى الانتخابات التشريعيّة في مصر، مُبدياً إعجابه الشديد بسير الانتخابات، ومشهد الحشود وهي تقف مصطفة أمام مراكز الاقتراع بصبر وحماسة لتدلي بصوتها. متابعاً بأنه لم يكن هناك ضباط من أمن الدولة لترهيب الرجال والنساء، ولم يتواجد أشخاص لإلقاء الأوراق الانتخابيّة في نهر النيل، أو أفراد مضللين لاستخراج بصمات برلمانيّة أخرى كما جرت عليه العادة في مصر خلال العقود الأخيرة! لكن الإعجاب بالمشهد من بعيد شيء وما يجري على أرض الواقع شيء آخر!
 

نتائج الانتخابات الأولية في مصر أثبتت الفوز الكاسح للإسلاميين من “إخوان” وسلفيين، فهل ستعود مصر إلى عصور التخلّف بعد أن كان لها الفضل الأول في قيام عصر النهضة الفكريّة بالعالم العربي؟! هل مصر مُقبلة على غد هلامي الصورة؟! هذه الأسئلة يطرحها الليبراليون والعلمانيون في الإعلام المرئي والمكتوب، معلنين تخوفهم من تبعات سيطرة الإسلاميين على قبّة البرلمان.

 

منذ أيام اقتحمت مجموعة سلفية في تونس كلية الآداب والفنون، مُطالبة بمنح الطالبات المنقبات كافة حقوقهن، وتخصيص أماكن لممارسة نشاطاتهن، ووجوب التفريق بين الإناث والذكور في قاعات الدراسة، وعدم السماح للرجال بتدريس النساء، وهو ما دفع نقابة جامعات تونس إلى تنظيم إضراب عام احتجاجاً على اختراق حريات الحرم الجامعي!

 

كل هذا حدث في تونس التي تملك مؤسسات مدنية راسخة، فكيف سيكون الحال في مصر مع سيطرة الإسلاميين والسلفيين على أغلبية مقاعد البرلمان؟! ألا يجب على الأحزاب السياسيّة الأخرى على اختلاف توجهاتها أن تتحد لتواجه التيارات الدينيّة، وتصر على عدم تسيس الدين؟! لماذا لا تُحاول أحزابنا الإسلامية تطبيق تجربتي ماليزيا وتركيا الرائعتين؟! شعار الإسلام المتطرف هو الحل لن يُخرجنا من عنق الزجاجة!!