رياح الغضب

رياح الغضب

رياح الغضب

الأحد 6/2/2011

 
كنتُ بالقاهرة يوم بدأت المظاهرات الشبابيّة التي أُطلق عليها “جمعة الغضب”. رأيتُ بأمِّ عينيَّ ما جرى على أرض مصر. وسواء كنتَ من الموالين لمبارك في بقائه بالسلطة حتّى انتهاء فترة رئاسته، أو من المؤيدين لمطالب المتظاهرين المسالمين، إلا أنك تستشفَّ من الأحداث المتلاحقة حولك، والتي بدأت من أرض تونس، أن هناك فجراً جديداً بدأ يبزغ في فضاء عالمنا العربي، وأن هناك رياحاً تحمل في طياتها طعماً مغايراً عمّا ألفناه في العقود السابقة تهبُّ على كافة أوطاننا العربية. رياح تُزمجر بصوت جسور: أهلًا بنفحات الحرية. لا للفساد. لا للظلم. لا للمحسوبيات. لا لاحتكار السلطة.
 
كنتُ بعيدة عن وطني وأهلي وأسرتي حين تكررت مأساة مدينتي جدة مع الأمطار! جاءت هذه المرة أقوى وأعنف، كأنها تحمل في طياتها رسالة ضمنية لفضح حجم فساد بعض المسئولين المتورطين في سرقة المال العام! ظللتُ ساعات على الهاتف من القاهرة لأطمئن على أفراد أسرتي وعلى أهلي. ولولا لطف الله ورعايته لكان أخواي الآن في عداد الأموات. توقفت بهما سيارتيهما أثناء خروجهما من عملهما مما اضطرهما إلى العوم في مياه الأمطار، والذي وصل مستواه لأعلى منكبيهما إلى أن وصلا إلى منزليهما عند منتصف الليل. بكيتُ على الهاتف عندما أخبروني بأن فتيات من أقربائي حاصرتهن المياه في مقر عملهن، مما أضطرهن إلى المبيت فيه حتّى الفجر.
 
هناك أناس ضاعت ممتلكاتهم بأكملها بعد أن دمّرت السيول منازلهم. وهناك أناس فقدوا أبناء وأقارب لهم جرفهم السيل في طريقه. وهناك متاجر غمرتها المياه وأتلفت كل ما فيها. إضافة إلى حالة الفزع التي صارت تُصيب أهالي جدة عند سقوط المطر. والمصيبة الكبرى انهيار السيل الاحترازي الذي تمَّ بناؤه مؤخراً مما يستلزم إحضار المتسببين للتحقيق معهم.
 
قصص مأساوية كثيرة وقعت تتجاوز ما جرى العام الماضي، وهو ما يدفع إلى التساؤل. من المتسبب في تكرار مآسي مدينتي؟! أمطار هطلت على مدار خمس ساعات تقوم بإحداث كل هذا الدمار! في دول فقيرة بشرق آسيا مثل أندونيسيا تتهاطل فيها الأمطار على مدار العام، تختفي فيها مياه الأمطار من الطرقات في التو واللحظة بسبب شبكة تصريف مياه الأمطار فيها، ونحن بكل إمكاناتنا المادية عاجزون عن تأسيس شبكة تصريف حقيقية!
 
كنتُ في دبي منذ أسابيع قليلة بدعوة من قناة “الحرة”، حيث تمَّ استضافتي في البرنامج الشهير “حديث الخليج”. سألني الإعلامي المتميّز الدكتور سليمان الهتلان .. من الفاعل الحقيقي خلف ما يجري في جدة؟! قلت: انعدام الحب. ضياع الأمانة. وموت الذمم. الذي يُحب وطنه يُحافظ عليه ويضعه في عينيه. وهو ما يستوجب وضع قوانين صارمة لحماية المال العام من السرقات التي باتت تحدث في وضح النهار، والتشهير بالسارقين في وسائل الإعلام، وإحالتهم إلى القضاء لإيقاع أقسى العقوبة عليهم ليكونوا عبرة لغيرهم، فالأوطان ليست لعبة كرتونيّة في أيدي العابثين، وأرواح الناس التي ذهبت يجب أن يُقتصُّ لها.
 
أحلم بأن تكون أوطاننا العربية من محيطها لخليجها ناصعة البياض، دون أن نستخدم صابوناً عالي الجودة كما يُرددون في الإعلانات التلفزيونيّة! أحلم بأن تكون أوطاننا العربية مثل أي بلد أوروبي متحضّر يتسم بالشفافية، حتّى لا تنفلت مجتمعاتنا ويضطّر كل فرد إلى أخذ حقه بيديه ما دامت القوانين غائبة! أحلم بأن تكون أوطاننا العربية تنبثق من أرضها الحريّة، وتشعُّ من عيون أهلها البسطاء سعادة الأمن والاستقرار. تُرى هل أحلامي صعبة المنال؟!