قطف ثمار الثورات!

قطف ثمار الثورات!

قطف ثمار الثورات!

الأحد 27/2/2011

 
لا أبالغ إذا قلت بأن كل عربي غدا مهتمّا بما يجري من أحداث مدوية بعالمنا العربي. لي صديقة لم يكن لديها أي اهتمامات سياسيّة. هوايتها منحصرة في الجلوس يوميّاً أمام التلفاز لمتابعة المسلسلات التركيّة المدبلجة والقنوات الغنائية، منصرفة تماماً عن متابعة أخبار السياسة والسياسيين. عندما كنتُ أعاتبها على هذا التجاهل تجيبني ضاحكة بأنها تؤمن بالمثل القائل “أعطي العيش لخبّازيه”، وأن السياسة تُصدّع رأسها، وأن لديها قناعة بأن الإنسان العاقل يجب أن لا يعبأ بما يجري في ساحاتها كونها تقوم على التدليس والكذب وتلفيق التهم! صديقتي هذه أصبح لديها هوس بالسياسة منذ اندلاع ثورة تونس. غدت تغوص في مقعدها ساعات طويلة لمتابعة تفاصيل نشرات الأخبار، متنقلة بنظرها بين الفضائيات الإخباريّة.
 
من يُتابع المشاهد الدامية التي تقع في عدد من بلداننا، يحس بالوجع يعتصر فؤاده، وبالحنق والغيظ على دماء الضحايا التي تسيل في الطرقات. فاغراً فاه غير مصدق أن هذه المظاهرات الغاضبة التي تملأ الميادين الرئيسية والساحات العامة تجري بالفعل فوق أراض عربية. ينتابه شك وهو يُقلّب قنوات تلفازه بالريموت كنترول أنه واقع تحت تأثير حلم من أحلام اليقظة، أو أن يديه قد توقفتا من دون أن يدري على فيلم “أكشن” لمخرج هوليودي بارع!
 
لم يخطر على بالي أنني سأعيش لأرى هذا الحدث العظيم! كنتُ أعتقد بأن هذه اللحظة لم تزل بعيدة المنال، كون الشعوب العربية قد نسيت كلمة لا، ولم تعد تسعى لتسجيل موقف اعتراض! لم أظن بأن الوقت قد حان لتقول شعوبنا كلمتها وتُحدد مطالبها! فهل هذا يعني بأنها قد استيقظت أخيراً من غفوتها الطويلة، أم أن هناك بالفعل مؤامرة غربية خبيثة تُحاك في الخفاء لزعزعة أمننا وتفتيت أوصالنا وتشتيت مجتمعاتنا كما يُردد البعض في أوساطنا الثقافية؟! هل ما يتناثر هنا وهناك بأن هناك مخططاً غربياً مدروساً قد جرى تطبيقه لتخدير الشباب العربي، أم أن شبابنا قد أصبحوا أكثر وعياً لحقوقهم، مقررين التضحية بالغالي والنفيس من أجل رفعة أوطانهم؟!
 
يُقال بأن الثورات في أغلبها لا يحصدها أصحابها الحقيقيون كونهم لا أطماع ذاتيّة تحكمهم وهمهم منصبُّ في مصلحة مجتمعاتهم، وأن هناك دوماً انتهازيين يتحينون الفرصة لقطف ثمارها قبل أن تمتد إليها الأيدي الأخرى، خاصة وأن الناس بطبعهم ذاكرتهم ضعيفة سرعان ما يعطون ظهورهم لأبطالهم الفعليين.
 
يتردد اليوم في الشارع المصري أن جماعة “الأخوان المسلمين” تستعجل التهام ثمار الثورة التي أشعل الشباب فتيلتها الأولى. فهل سينسى المصريون المدون وائل غنيم الذي قاد حركة الشباب عبر صفحته على الإنترنت؟! من يقرأ التعليقات الموجودة على “الفيسبوك” سيجد أن هناك هجوماً حاداً على غنيم واتهامه بالعمالة، مما يعني أن حرب المصالح قد بدأت! ومن تابع ما جرى في “جمعة النصر” في ميدان التحرير يندهش من قيام مرافقي القرضاوي بإزاحة غنيم من فوق المنبر ومنعه من إلقاء كلمته وترك الساحة كاملة للقرضاوي الذي أتى بعد سقوط النظام، وبعد أن قدّم شباب مصر أرواحهم فداء لبلدهم!
 
موقف حقيقة يُثير الاستغراب! لقد أعجبني مقال للزميل خلف الحربي بجريدة “عكاظ” تحت عنوان “آية الله القرضاوي” تعليقاً على ما جرى. فهل نحن مقبلون على عصر مضيء تكون فيه مصلحة الوطن والشعب هي العليا، أم أننا مقبلون على زمن تتصارع فيه القوى من أجل احتكار السلطة في يد حزب واحد ونعود إلى نقطة الصفر من جديد و”توتة توتة خلصت الحدوته”؟!