العنصرية… النغمة النشاز!

العنصرية… النغمة النشاز!

العنصرية… النغمة النشاز!

الأحد 04/03/2012

 
انقطعت عنّي أخبار الشاب (حمزة الكشغري) صاحب التغريدات الشهيرة التي تعرّض فيها للرسول محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وكنتُ قد تابعت قضية الكشغري منذ بدايتها، وأرى بأنه قد أوقع نفسه في زلّة كبيرة، وأقول زلّة نتيجة حداثة سنّه فهو لم يتجاوز الثالثة والعشرين من العمر، وكان الأجدى بمن سنّوا سكاكينهم ونصبوا للفتى المشانق، أن يُنصِحوه ويقبلوا توبته، بدلاً من تركه على قارعة الطريق الكل ينهش في جسده بلا رحمة!
 
ما آلمني حقيقة في قضية “الكشغري” ارتفاع نبرة العنصرية العرقية! وهذا كان جليّاً في بعض التغريدات التي علّق أصحابها على موضوعه بعبارات مقيتة طالت شخصه وتعرّضت لأصله، وأن على الكشغري وأمثاله العودة إلى بلادهم التي أتى منها أجدادهم!
 
هذا الموقف الذي تفوح منه العصبية العرقية أخافني حقيقة، كون المجتمعات المتحضرة تقوم على التعددية العرقية والتعددية الطائفية والمذهبية، والعزف على منظومة التفرقة بين أبناء الوطن الواحد، هي جريمة لا تغتفر في حق الوطن، يجب محاسبة قائلها كونها ستُحدث بلبلة، وستؤدي إلى زعزعة استقراره وأمنه مستقبلاً!
 
من المعروف للجميع أن أوباما رئيس الولايات المتحدة الأميركيّة ينحدر من أصول أفريقيّة، حيث إن والده الكيني المسلم كان قد هاجر إلى أميركا وتزوج امرأة أميركيّة منجباً منها ابنه باراك قبل أن ينتهي هذا الزواج بالطلاق. مع هذا كسب هذا الرجل تأييد أغلبية الشعب الأميركي الذي لم ينظر لجذوره ولونه الأسود وإنما نظر وقتها لبرنامجه الانتخابي وكيف سيعمل لمصلحة بلده.
 
مجتمعاتنا العربية لم تصل لهذه المرحلة من التحضّر الفكري، رغم أن إسلامنا منذ بداياته أكّد أن الناس سواسية كأسنان المشط! لكن للأسف أسهم التعليم العقيم، والإعلام المسيّس، والترويج لمعتقدات متطرفة، في ترسيخ مفاهيم خاطئة في أذهان شعوبنا!
 
المعضلة الحقيقيّة تكمن في أن المثقفين المتوجّب عليهم محاربة العنصرية بكافة أشكالها وأنواعها، متورط بعضهم في ترسيخها، وهذا ما نلمسه في مقالاتهم التي تُصيب المرء بالدهشة والاستغراب! ومن خلال تجربتي الشخصية أثناء مشاركتي الثقافيّة في بلدان عربية وخليجيّة، أعترف بأنني تعرّضت لهذه التصرفات الحمقاء من قبل البعض من الجنسين، بالتشكيك في جنسيتي السعودية وفي ولائي الفعلي له، والتلميح إلى جذوري الأصلية! في كل مرّة يتملكني الهلع متسائلة. إذا كان هذا حال المثقفين في بلداننا العربية، لماذا إذن نلوم الناس البسطاء الذين لا يملكون تعليما عالياً ولا نضوجاً في تفكيرهم على مواقفهم المتعصّبة ضيقة الأفق؟!
 
الهجرات إلى الجزيرة العربية كانت تحدث منذ فجر التاريخ، وتعود أسبابها إلى رغبة المهاجرين في التبادل الثقافي والمعرفي، ونظرتهم إلى منطقة الحجاز تحديداً على أنها مهبط الوحي وأرض المقدسات، وليس طمعاً في خيراتها كما تروّج الأغلبية، خاصة وأن السعودية كغيرها من دول الخليج العربي لم تعرف الثراء إلا بعد اكتشاف النفط، وكان أهلها يعيشون على موارد محدودة.
 
لقد حكى لي أبي رحمه الله، عن جدة قصصاً جميلة، عن كفاح أهلها في مواجهة شظف العيش قبل ظهور ينابيع النفط، وقد عاشت ذكريات أبي الجميلة في خاطري إلى أن كبرت وسطّرتها بعيونه في روايتي (ملامح)، ليكتشف قارئ هذه الرواية كيف كانت طبيعة المجتمع الجدّاوي في تلك الحقبة المهمة من تاريخ السعودية.
 
يجب على إعلامنا المحلي بقنواته المتنوعة، ترسيخ مفهوم المواطنة بين كافة شرائح المجتمع على أسس الشراكة وليس على فكرة التخوين! وأن يُنادي المثقفون على تباين توجهاتهم بمحاربة العنصرية العرقيّة والطائفيّة والمذهبيّة، وإلا سندخل في نفق مظلم لن نستطيع الخروج منه! الوطن أمانة في أعناقنا.