الشباب وحصاد الحقول

الشباب وحصاد الحقول

الشباب وحصاد الحقول

الأحد 07/04/2012

 
تربّت أجيال عربية على مدى عقود، على ثقافة الرأي الأوحد والفكر الأوحد والزعيم الأوحد! وقد ساهمت أغلبية مؤسساتنا التربوية والتعليمية العقيمة في تنشئة أجيال متعصبة فكرياً واجتماعيّاً! لقنتها أن التسامح قلة حيلة، والحوار مع الأطراف الأخرى من شيم الضعفاء، وأن البطش هو سيد المواقف!
 
يُقال بأن المارد إذا خرج من القمقم، من الصعب على أي أحد أن يُعيده إلى الداخل مهما بلغت متانة عضلاته. وأن الرياح إذا زمجرت غاضبة، من المستحيل أن يقف شيء في وجهها. وأن الليل لا بد أن ينتهي بطلوع النهار. وأن لحظات الشروق الجميلة لا بد أن تختفي بانتحار الشمس خلف الأفق وقت غروبها.
 
لقد ظلّت مجتمعاتنا العربية تستهين بشباب اليوم، وتتعمّد إقصاءهم عن الحياة العامة، بحجة عدم نضوجهم الفكري وقلة خبراتهم، وانعدام ثقافة الحقوق من قاموسهم، واعتقادها بأنهم بعيدون كل البعد عمّا يجري داخل أوطانهم من سلبيات!! حتّى ظهرت المفاجأة وقلب هؤلاء الشباب كل شيء رأساً على عقب!
 
ثورة الشباب قام بتفجيرها الشاب “بوعزيزي” في تونس بإحراق نفسه، والشاب “خالد سعيد” الذي تمّ قتله على يد أفراد من الشرطة في مصر. هاتان الواقعتان المأساويتان فرطتا السبحة، وتسببتا في خروج الشباب إلى الميادين العامة للمطالبة بحقوقهم المهضومة، والتنديد بالفساد الواقع في أوطانهم. ثقافة لم نعهدها من قبل في مجتمعاتنا العربية منذ أن ولّت عهود الاستعمار. شباب استطاعوا أن يكسروا الطوق المحيط بأعناقهم، صارخين بأعلى صوتهم نريد حرية وعدالة اجتماعية.
 
قد يقول لي البعض أن هناك خيبات تعمُّ البلاد التي نجحت بها الثورات في الإطاحة بأنظمتها الديكتاتورية، بدليل أن هناك سرقات تتم في وضح النهار، وقيام الجماعات الإسلامية باستغلال هذا النصر الساحق لصالحها في العودة إلى واجهة الحياة السياسية في بلدانها! لكنني أرى بأن أدوار الشباب العربي لم تمت، وأن المستقبل البعيد لهم كونهم يمتلكون الحماس والعزيمة وروح التحدّي والاندفاع.
 
في السعودية تأثر بعض الشباب بالتطورات العربية الأخيرة، وفوجئنا بقيام طالبات كلية الآداب بجامعة الملك خالد بمدينة أبها في تشكيل تجمعات، ومطالبة إدارة الجامعة بتلبية مطالبهن المتمثلة في وجوب احترام المشرفات لهن اللواتي يُعاملهن بفوقية. إضافة إلى وجوب توفير مقاعد دراسيّة لهن، بسبب اضطرار البعض منهن إلى شرائها. والمطالبة كذلك بإقامة أنشطة طلابيّة وإبداعية تتناسب مع مكانتهن كطالبات جامعيات. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل قامت احتجاجات طلابية أخرى من قبل الجنسين بجامعة القصيم، ومطالبة إدارة الجامعة بالمزيد من الحقوق الطلابية كفصول دراسية صيفية، ومعامل حديثة، ومستشفى جامعي.
 
من الواضح أن ثقافة الحقوق قد بدأت تأخذ طريقها بمجتمعنا السعودي، وأن تلك الاحتجاجات تمّت داخل الحرم الجامعي بدون عنف، خاصة وأن هناك نظرة اسنخفافية من قبل البلاد العربية الأخرى، بأن شبابنا مستهتر، مغيّب، لا ينظر أبعد من موقع قدميه، وأنه لا يفقه شيئاً من حقوقه، وأنه شبّ مؤدلجاً على ثقافة الفتاوى المتعصبة وقائمة المحرمات الاجتماعية!
 
سنّة الكون لا يُمكن أن تقف عند نقطة واحدة، وهكذا الشعوب لا بد أن تتبدل نظرتها لواقعها مع مرور الزمن وتقلّب الأحوال وتعاقب الأجيال. ولذا قال الخليفة علي بن أبي طالب منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة عبارته الشهيرة ” لا تحملوا أولادكم على عاداتكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم”.
 
لا تستهينوا بالأجيال القادمة، ستكون مثل (تسونامي) التي لم يتوقع الناس حدوثها وهم مسترخون أمام الشواطئ الرملية ومستلقون في بيوتهم العالية الأدوار!