فضيحة إعلام وإعلاميين

فضيحة إعلام وإعلاميين

فضيحة إعلام وإعلاميين

الأحد 05/05/2012

 
مع كثرة الفضائيات التي انتشرت في عالمنا العربي تماشياً مع ثورة الاتصالات الحديثة، يبرز سؤال يدور في رأس الكثيرين منّا.. هل ساهمت القنوات المرئيّة بالفعل في توعية المواطن العربي بحقوقه، أم أن شغلها الشاغل أنصبّ في تدجين عقله على أيدلوجيات معينة؟! هل قامت الفضائيات بمهمتها الحقيقيّة في تفتيح مدارك الفرد العربي، أم أن الصورة الفعليّة على الأرض لم تكن إيجابية؟! هل لدينا إعلام حر مستقل، أم أنه لم يزل مسيّساً مستغلاً شعار الوطنيّة لتجييش الرأي العام وكسبه لصفّه؟!
 
من الواضح أن الإعلام بفروعه المتباينة وعلى الأخص المرئي منها بدول العالم المتحضّر، قد ساهم مساهمة فعّالة في تثقيف مجتمعاته، من خلال طرح قضايا مهمة تشغل فكر الإنسان في كافة بقاع الأرض بشفافيّة، خاصة برامج (التووك شو) تحديداً التي فتحت الأبواب على مصارعها أمام كافة شرائح المجتمع، لكي تُدلي برأيها وتُشارك في النقاش بحريّة واسعة، بعد أن كانت الأبواب مشرّعة عن آخرها أمام المسؤولين وصنّاع القرار فقط.
 
من يُتابع البرامج الحواريّة الأميركيّة والأوروبيّة، يجد بأن مقدميها يتمتعون بحرفيّة عالية في طريقة التقديم، ويلتزمون بالحياديّة التامة عند طرح قضية ما كي لا يُشك متابعوهم في نزاهتهم وحياديتهم، وحتى يدعوا فرصة للمشاهدين على اتخاذ قراراتهم الشخصية دون تأثير مباشر منهم. في عالمنا العربي يحدث العكس!! وهذا يعود إلى أن ثقافة الرأي الواحد الغالبة على الشخصية العربية!! إضافة إلى أن أغلبية مقدمي البرامج الحوارية لم يدرسوا في معاهد أو كليات إعلامية متخصصة، وإنما أتوا من منابر الصحافة المكتوبة، مما يعني أنّ ليس لديهم مهنية في إدارة دفّة الحوارات التلفزيونية بمهارة! إضافة إلى طغيان قناعاتهم الشخصية وتوجهاتهم الفكرية على أسلوبهم في النقاش مع ضيوف البرنامج!
 
ثورة “الربيع العربي”، كشفت ضعف إعلامنا العربي وازدواجيته في تعامله مع الكثير من الملفات العالقة منذ عقود! وقد أظهرت الزوبعة التي وقعت مؤخراً بين السعودية ومصر وانتهت ولله الحمد بسلام، مدى هشاشة بعض الصحفيين والإعلاميين من الجهتين في تناولهما لقضية الجيزاوي! وقد انبرت قنوات خاصة مصرية معينة للدفاع بشراسة عن المتهم الجيزاوي، دون أن تتمهّل حتى تظهر نتيجة التحقيقات. وهناك قنوات أخرى سنّت أضراسها ووجدتها فرصة سانحة لتصفية حسابات شخصية والتنفيس عن أحقاد دفينة دون مراعاة للعروبة وللعلاقة التاريخية التي تربط بين الشعبين!
 
لقد ساءني كثيراً إدارة الأزمة من قبل عدد من الإعلاميات والإعلاميين المصريين الذين كنتُ أكنُّ لهم تقديراً كبيراً، في عدم سيطرتهم على انفعالاتهم الشخصية على الهواء ومحاولتهم إشعال الحرائق بين الشعبين! لكن الجانب السعودي لم يكن معصوماً هو الآخر! وقد فوجئتُ بإعلامي سعودي يُحاول من خلال برنامجه الذي يُشاهده آلاف المشاهدين، بعرض قضية الجيزاوي والعلم الأخضر يتدلّى من فوق كتفيه، مما يُوحي للمشاهد من بداية الحلقة أنه يُشاهد “شجيّع” كرة قدم يجلس على مقعد بأحد مدرجات “الاستاد” لتشجيع فريقه، وليس محاوراً متمرّساً من المفترض مناقشة قضية شغلت الرأي العام العربي، وكان سيؤدي تفاقمها إلى الكثير من السلبيات المستقبلية!
 
هذه المشاهد القاتمة لا تجعلني أتجاهل مواقف بعض الإعلاميين النزهاء الذين تماسكوا طوال الوقت، مثل الإعلامي المتميّز (معتز الدمرداش) الذي أدار أزمة الجيزاوي بمهنيّة شديدة، متمنية أن يكون رمزاً مشرّفاً يحتذي به الإعلاميون الشباب.
 
الإعلام هو وجه من وجوه الديمقراطية الحقيقية بالمجتمعات المتحضرة، ألا أن إعلامنا العربي فشل لحد الآن في خلع ثوبه القديم ولبس حُلّة جديدة تقوم على الشفافية والمصداقية والحيادية في إدارة الأزمات. متى سنستيقظ على نقرات الديمقراطية تطرقُ نوافذنا؟!