عليكم بالنساء

عليكم بالنساء

عليكم بالنساء

الأحد 09/06/2012

 
تُعتبر المرأة أكثر عرضة لضربات العقاب من الرجل، بسبب حزمة الموروثات الاجتماعية، التي تتباين مضامينها من مجتمع لآخر. وكم من أعراف جعلت المرأة تتجرّع مرارة الذل دون أن تقوى على المجاهرة بحقوقها! وكم من تقاليد دفعت المرأة إلى الاستسلام لوضعها المأساوي، دون أن تستطيع فتح فمها والمطالبة برفع الظلم عنها!
 
وقعت مؤخراً في شمال غرب باكستان حادثة مأساويّة تُشير إلى اختفاء أربع نساء. وكان قد تمّ تسريب شريط فيديو ما يزيد على أسبوعين، تناقلته عدد من القنوات الإخباريّة، يُبيّن أربع نسوة جالسات على الأرض في غرفة، وكنّ يُغنّين ويُصفقن بفرح لرجلين كانا يرقصان في حفل زفاف.
 
الشابان اللذان شاركا في الحفل نجحا في الفرار، وقد صرّحا أمام وسائل الإعلام أن الفتيات الأربع تمّ ذبحهن من نحورهن، لأنّ العرف العشائري قضى بإعدامهن، بسبب جلبهن العار لقبيلتهن التي تُحظر الاختلاط بين الجنسين.
 
جميعنا نعلم ما فعلته “طالبان” بالمرأة إبان حكمها، لكن اليوم المرأة الأفغانيّة رغم القيود الاجتماعية التي لم تزل مفروضة عليها، فإنها استطاعت أن تُحرر نفسها وتجد لها موقعاً بارزاً داخل مجتمعها. وهذا ما فعلته ظريفة قاضي زاده، التي استطاعت أن تتولّى منصب عمدة قريتها بأفغانستان، لقوة شخصيتها، وتصميمها على إنجاز الأمور الخاصة بقريتها.
 
بدأت قصّة “ظريفة” منذ سنوات، عندما انخرطت في الخدمات التطوعيّة. لكن لفتت الأنظار إليها عندما قررت عام 2004م ترشيح نفسها لعضوية البرلمان، وقوبل وقتها طلبها بالسخرية من رجال قريتها، وهو ما أدّى إلى سقوطها. خسارتها في تلك المعركة الانتخابيّة لم يُثنِها عن التمسّك بطموحاتها، ونجحت وهي الأم لخمسة عشر ابناً في توصيل الكهرباء لقريتها النائيّة.
 
رجال قريتها الذين استخفّوا بقدرات هذه المرأة في البداية، هم الذين عادوا وطالبوها بالتقدّم لوظيفة عمدة القرية، لانبهارهم بأدائها وعزيمتها القوية وقيامها بأعمال لم يفلح الرجال في إدارتها. هذه السيدة الخمسينيّة التي تضطر في بعض الأوقات إلى التخفّي في زي الرجال، وتضع شارباً مستعاراً، وتنطلق على دراجتها الناريّة، لمراقبة شبكة كهرباء قريتها، وإصرارها على معاقبة من يقوم بسرقة التيار الكهربائي.
 
ظريفة التي تشغل كذلك رئيسة مجلس المرأة في القرية، تستضيف ببيتها اجتماعات كبيرة، تحث النساء فيها على أن يقتدين بها، وأن يُلغين من قاموسهن شيئاً اسمه المستحيل. تُحدثهنّ عن حياتها وكيف عاشت سنوات طويلة في قرية نائيّة مع أهل زوجها وكانت وقتها مجرّد خادمة ينحصر دورها في تلبية احتياجات الجميع.
 
التقاليد والأعراف من جهة، والتلويح بقائمة الحلال والحرام من جهة ثانية، هي التي تقف حجر عثرة في طريق المرأة، ولولا هذه المعتقدات الراسخة لكانت المرأة اليوم في الصدارة، تُحقق المعجزات وتُلوّح لها الأيدي تعظيماً بإنجازاتها.
 
على قدر ما أثار استيائي قصة النسوة الأربع، اللواتي أردن أن يعشن لحظات فرح جميلة، خالية من سوء النيّة، فدفعن ثمناً فادحاً، بقدر ما حرّك إعجابي حكاية السيدة “ظريفة” التي لغت من حياتها كلمة مستحيل، وقررت خوض ساحة الوغى بسلاح العزيمة والإصرار.
 
إلى كل امرأة عربيّة، الوصول إلى قمم النجاح يحتاج إلى إرادة صلبة، والخروج عن عرف القبيلة يستلزم رفع راية التمرّد. هذا لا يعني بأن المرأة العربية المعاصرة تريد قلب طاولة مجتمعها رأساً على عقب لتُحدث فوضى عارمة! لكن الضرب على سطح الطبول سيلفت الأنظار إلى ضجيجها، وسيُدرك الجميع أن المرأة تستطيع أن تفعل الكثير لمجتمعها. لا تكفّي عن قرع الطبول وإن نعتتك الأغلبية بالتغريب وبالمروق عن قافلة موروثاتك! القادم أحلى.