حوارات صحفية 2006

حوارات صحفية 2006

﴿ خاص- عربيات ﴾
زينب حفني لـ”عربيات”: أنا أول من أماط اللثام عن المسكوت عنه
“ملامح” تكشف ازدواجية المعايير عند الحكم على الخطأ في المجتمع
الذكوري، وغربتي عن وطني قسريّة واختياري

24 مارس 2006
حنين موصلي

 
قالت عن عمرها أنه جواز سفر لم تنته الأيام من تقليب صفحاته… وأردنا في “عربيات” أن نقرأ معها بعض تلك الصفحات المليئة بالإثارة والتي تعتبرها الكاتبة والروائية السعودية زينب أحمد حفني قدرها الجميل، وإن كان قد ساقها إلى الغربة… نصحبكم معها لنتعرف على ملامح مشوارها وعلى “ملامح”، روايتها الأخيرة التي انضمت إلى رصيد أعمالها المثيرة للجدل .
 

– من هو الرجل في حياة زينب حفني؟

 
– الرجل في حياتي هو الأب الذي كان له دور كبير في تثقيفي، من خلال إعطائي الحرية الكاملة في قراءة ما أريد، والذي كان يتفانى من أجل إسعادي أنا وإخوتي. لقد كان صورة مجسدة للرجل المثالي… والرجل في حياتي هو أخي الذي أرى فيه امتدادا لأبي في حنانه وعطائه وتفهمه للطريق الذي اخترته. الرجل في حياتي هو ولدي الذي كان ثمرة لرحلة كفاح طويلة مع الحياة.
 

– الغربة، هل هي اختيارية أم قسريّة في حياتك؟

  
– الغربة قد تكون في بعض الأحيان غربة نفس وليست غربة مكان. قد تجدين نفسك تعيشين غربة داخل وطنك، بسبب وجود فجوة تفصلك عن مفاهيم المجتمع الذي تربيت وترعرعت فيه، فكيف إذا كان هذا المجتمع مليء بالتناقضات والازدواجية كمجتمعنا!! الكاتب الجريء يجد نفسه مضطرا لأن يحيا هذه الغربة. غربتي عن وطني هي غربة قسرية واختيارية في نفس الوقت!! إنها تتوقف على مدى مقاومتك لكل الضغوطات التي تُصادفيها في رحلتك الحياتية .
 

– يرى الدكتور حسن النعمي إن المجتمع يعاقب كل الروائيات الجريئات بالعزلة والقطيعة حتى بدت رواياتهن بلا تأثير… فهل تشعر زينب حفني التي اعترفت بجرأة رواياتها أنها قد دفعت هذا الثمن؟

 
– من قال بأن الروايات النسائية لا تؤثر في مجتمعها!! هذا قول خاطئ!! مع احترامي للدكتور حسن النعمي إلا أنني أرى بأن التأثير الذي تركته قصصي ورواياتي على المساحة الثقافية كان كبيرا، ويكفيني فخرا أنني أول من أماط اللثام عن المسكوت عنه على الساحة الثقافية، من خلال مجموعتي القصصية “نساء عند خط الاستواء” التي نشرتها منذ ما يزيد عن عشرة سنوات… كانت الهزة وقتها قوية، وردود الأفعال عنيفة، ودفعت الثمن غالياً، ونلت عقوبة قاسية بمنعي عن الكتابة، وتم تجاهل اسمي في الأوساط الثقافية. أعترف بخجل أنني قطفت ثمار نجاحاتي خارج الوطن، ونلتُ تقديرا كبيرا هناك، لكنه انعكس في النهاية على الداخل. المجتمع مهما كان صارما لا يملك القدرة على أن يقف طويلا أمام إعصار الفكر، لأن الكلمة لا بد أن تخترق الحواجز الوهمية التي تصنعها الأعراف، ليخلدها التاريخ بين الأجيال، وهاهي الأيام تمر ويصبح هذا الماضي الأليم جزء مشرّف من تاريخي الأدبي.
 

– الكتابة بمفهومها البسيط هي أن تكتب لنفسك وللآخر، ما هي نقطة التلاقي بينك وبين الآخر الذي يقرأ أعمالك ؟

 
– منذ أن احترفت الكتابة، أخذت على عاتقي المطالبة بتغيير الكثير من المسلمات التي تخضع لها المرأة السعودية، والسعي إلى تحرير المرأة بشكل عام من الكثير من القيود التي تعيق تقدمها…. لا يمكن أن يتحضّر مجتمع يرى بأن المرأة أم الشرور ويجب محاصرتها، ولا يمكن أن تنفصل قضايا المرأة عن قضايا المجتمع بأسره!! تصلني على إيميلي رسائل كثيرة لشباب من الجنسين، يحكون لي مشاكلهم، وأقدّم لهم كل ما يمكن من أجلهم، من خلال ما اطرحه عبر مقالي الأسبوعي أو تصويره في قصصي ورواياتي.
 

– يرى النقاد أن روايات زينب حفني تبتعد عن الصور والتراكيب المعقدة وتنزع إلى السهل غير الممتنع وفي تشويق نابع من الحبكة تثير رواياتها الفضول لدى القارئ أكثر من ما تثير النزعة الأدبية… فهل تتعمدين ذلك لتطغى الفكرة على الاستعراض الأدبي؟

 
– قارئ اليوم غير قارئ الأمس ، يفتقد للنفس الطويل، في تعقّب المعاني والألفاظ الجزلة. لكن هذا لا يعني أنني ممن يهملون اللغة التي هي أساس الأدب. فأنا أرفض استخدام اللغة العامية في السرد أو الحوار إلا للضرورة القصوى، إذا استدعى الأمر ذلك. لكنني في نفس الوقت أرفض أن أهمل الفكرة على حساب الاستعراض الأدبي كما تسميه.
 

– هناك اتهام للروائيات بالنرجسية لأنها تلتهي بمشاكلها الصغيرة، وتعمد إلى تسطيح القضايا القومية والوطنية…. فما هو السر في أن الكاتبات يتجهن عادة في رواياتهن إلى تناول الأمور السطحية بينما نجد أن لديهن القدرة على التعمق في قضايا سياسية من خلال المقالات كما هو الحال مع زينب حفني ؟

 
– هذا اتهام جائر في حق الكاتبة السعودية تحديداً. صحيح أن هناك أقلام نسائية تهتم بالأمور السطحية، لكن هناك أيضا أقلام نسائية تفوقت على الرجل في قوة طرحها. هذا كله يعتمد على جسارة الكاتبة وطموحها بالخوض في قضايا تمس واقعها المعيشي. المرأة والرجل يعيشان في كوكب واحد، همومهما مشتركة، تطلعاتهما واحدة، وكل المطلوب أن تؤمن الكاتبة أو الأديبة من داخلها بأن دورها الحقيقي يلزمها أن تغوص في أعماق مجتمعها، دون الالتفات لأي معايير اجتماعية عقيمة، بأنها مخلوق رقيق يجب عليه أن يبتعد عن الأمور الجادة التي هي من اختصاص الرجل وحده.
 

– دائما نجد أن الأنثى في روايات زينب حفني ضحية للرجل، فهل هو تحيّزاً للمرأة على حساب كل الرجال؟

 
– أستغرب من سؤالك!!… فالقارئ لقصصي ورواياتي، يجد أنني أنظر للرجل نظرة معتدلة، وهذا بشهادة العديد من النقاد الذين تناولوا كتبي. لكنني دوما من خلال أدبي ألمّح بأن المرأة ضحية المجتمع بأسره، وليست ضحية الرجل، لأن المجتمع في الأصل ذكوري. المرأة في المجتمعات العربية توضع عند خط النار إذا أخطأت، بعكس الرجل الذي يرمي حمولة أخطائه خلفه ليبدأ من جديد دون أن يتعرض للتقريع. وهو ما سلطت الضوء عليه في روايتي الأخير “ملامح” التي انزلق فيها بطلي الرواية نحو الانحدار لكن كانت النهاية مأساوية بالنسبة لبطلة الرواية ثريا، بعكس بطلها حسين الذي كانت خاتمته سعيدة.
 

– نساء زينب حفني.. هكذا تُلقب بطلات رواياتك اللاتي لا يُرحبن بالانضمام طوعا إلى فريق الضحايا المسالمين.. فهل هن في الواقع صور متناثرة من شخصية زينب حفني؟

 
– من الصعب أن تتهمي روائية أن شخوصها صور متناثرة منها!! لكنني سأهمس لك بحقيقة لا جدال فيها. لا يمكن أن ينسلخ الروائي عن مجتمعه وهو يكتب أحداث رواياته. هو ابن بيئته، لذا فقد تستهويه حكاية، أو يتأثر بشخصية، أو يتفاعل مع قضية، فيستثمرها ويحبكها بحسه الروائي، فالروائي في النهاية إنسان.
 

– يتهم البعض روايات زينب حفني المأخوذة عن واقع المجتمع السعودي أنها تقتصر على رؤية الجزء الفارغ من الكوب فقط، فهل هذا صحيح ؟

 
– الرواية هي جزء من عالمك الذي تجدين نفسك غارقة فيه، وحين تفرغين من كتابة آخر سطر فيها تسقط فورا من بؤرة ذاكرتك. لا يمكن أن أكتب حقائق مزيفة وأنا أرى المرأة السعودية متأخرة عن أختها العربية… نحن مجتمع له سلبياته وإيجابياته التي يجب أن نواجهها بشجاعة ليتم معالجتها بحكمة. الرواية هي رصد للواقع الاجتماعي لأي بلد، وهذا هو الفرق بين المؤرخ الذي يُسجّل الأحداث بدم بارد، وبين الروائي الذي يغوص في ضمير مجتمعه، ويراقب التغييرات، ويسجل الحقائق بحس وجداني.
 

– هل كانت رواية ” لم أعد أبكي ” تعكس شيئاً من تجربتك مع الصحافة المطبوعة؟

 
– رواية “لم أعد أبكي” استثمرت فيها تجربتي القصيرة مع عالم الصحافة. يعتقد البعض بأنها جزء من سيرتي الذاتية وهذا أمر غير صحيح، فأنا لم أمارس العمل الصحفي كمحترفة ولكنني مارسته كهاوية. لكن من خلال احتكاكي المباشر ببعض الشخصيات أثناء فترة قيامي بالتحقيقات الصحافية، رسمت بحبكة روائية ما يجري خلف كواليس الصحافة السعودية. بخصوص بطل الرواية!! سألني الكثيرون هل قصدتِ شاعرا معينا؟! لقد أكدت للجميع بأنني استثمرت بعض الوقائع التي حصلت في الأوساط الثقافية بالأعوام الأخيرة في خلق شخصية بطل روايتي طلال السعدي.
 

– السياسة والمرأة تعني في مجتمعنا احذر من الاقتراب… أليس لقلم زينب حفني ما يخشاه؟

 
– عندما أمسك بالقلم أنسى نفسي، ولا أذكر سوى المداد الذي اسطّر به كلماتي على الورق، بدون فخر هذا ما جعلني أتميّز عن بنات جيلي. توقفت بسبب جرأة مقالاتي عدة مرات عن الكتابة ولكن هذا لم يثنني ولو للحظة في التراجع عن الطريق الذي رسمته لنفسي. الكتابة قدر جميل وإن كان قدرا قاسيا في بعض الأحيان.
 

– ما هو رأيك في الحركة الأدبية النسائية في المملكة؟ ولمن .. من الكاتبات السعوديات تقرأ زينب حفني؟

 
– الحركة الأدبية النسائية في السعودية تشهد تطورا ملحوظا مقارنة بعالم الصحافة الذي ما زالت المرأة فيه تتقدم يبطئ شديد، وهذا يعود للعرف الصارم السائد، الذي يصر على الفصل بين عالمي المرأة والرجل!! أتمنى أن أرى اليوم الذي تتبوأ فيه الصحافية السعودية رئاسة تحرير صحيفة محلية، كونها من وجهة نظري قد أصبحت ناضجة لتولي هذا المنصب، مع الانفتاح الإعلامي والثورة المعلوماتية المنتشرة في عالم اليوم… ليست هناك أسماء محددة، أنا أقرأ كل ما يقع تحت يدي لكاتبات سعوديات.
 

– الم تفكر زينب حفني في التواصل مع جمهورها عن طريق الشبكة العنكبوتية وذلك بتخصيص موقع رسمي لها يضم مقالاتها وآخر أخبار كتبها ؟

 
– كلما قررت إنشاء موقع خاص بي على شبكة الإنترنت، أرجئ هذا القرار حتى أنجز العمل الذي بين يدي، ثم أجد نفسي محاصرة بأعمال كثيرة تجعلني أتكاسل. لكنني أعدك بأنني سأبدأ في التفكير جديّا لإنشاء هذا الموقع قريبا، من
 
أجل التواصل مع قرائي الذين هم الدافع الكبير في استمراري بعالم الكتابة إلى اليوم.
 

•••

 

﴿ سويس إنفو ﴾
– swissinfo –

زينب حفني تتحدث عن “المسكوت عنه” في السعودية

جنيف – 19 أبريل 2006
محمد شريف

 
في لقاء خاص، مع سويس إنفو / تحدثت زينب حفني، الأديبة والكاتبة والصحفية السعودية التي عانت من جراء كتابتها عن “المسكوت عنه” في المجتمع السعودي، عن تجربتهاوتطلعاتها لتحسين وضع المرأة في بلادها .
ومع أن الثمن الذي دفعته كان غاليا، إلا أنها تعتبر أن تجربتها جلبت بعضالإيجابيات للجيل الصاعد الذي أصبح يرى أن من الواجب التعبير عن آرائه .
 
على هامش مشاركتها برفقة أديبتين سعوديتين في دورة تدريبية بجنيف حول “آليات حقوق الإنسان”، التقت سويس إنفو بالكاتبة والأديبة والصحفية السعودية زينب حفني التي تعتبر من بين الرائدات في مجال الكتابة النسائية في المملكة العربية السعودية.
وما يميز زينب حفني ليس فقط أنها فرضت نفسها في مجال الإعلام والأدب في مجتمع محافظ، بل اختيارها الحديث بوعي وإصرار عن “المسكوت عنه” أو “المحظور” أو “المحرم” عموما.
في الحديث التالي نستعرض معها مسار تجربتها الأدبية والصحفية، والعقبات التي واجهتها وما تطمح إليه – كسيدة – من مستقبل لنظيراتها في المجتمع السعودي المحافظ.
 

– من النادر أن نتعرف على أديبة سعودية اختارت الحديث عن “المسكوت عنه أو الممنوع أو المحرم”، كيف تولدت هذه الموهبة وهذه الجرأة؟

 
– بدأت تتولد لدي موهبة الكتابة ولم يتجاوز عمري الثانية عشرة. وعادة ما تولد هذه الموهبة مع الشخص، ولكن الوسط الذي يترعرع فيه، له تأثير كبير على صقلها. فقد ترعرعت في أسرة ليبرالية تحترم عقل المرأة وفكر المرأة. وإن أول رجل كان له فضل في توجيهي في طريق الانفتاح هو الوالد الذي كان يشتري لي المجلات والكتب المحدودة التي كانت في ذلك العهد بحكم الرقابة المفروضة.
كان يأخذني معه إلى مكتبات القاهرة ويتركني أختار كل الكتب التي ارغب في قراءتها. وأتذكر بفخر وبنوع من الامتنان، أن والدي لم يحدث ولا مرة أن عارض شرائي لأي كتاب.
بدأت مشوار الكتابة كصحفية متعاونة وليس كمحترفة، ومن خلال التحقيقات الصحفية أولا في الصحف السعودية المحلية. وانتهيت بأن يكون لي عمود أسبوعي في جريدة “عكاظ” السعودية.
وفي نفس الوقت، كنت أمارس عملي كأديبة، فأصدرت ككل المبتدئات في الكتابة حصيلة “وجدانيات” تلتهما مجموعتان قصصيتان، إلى أن أصدرت المجموعة القصصية “نساء عند خط الاستواء” في عام 1990.
هُـوجـمـت في تلك الفترة هجوما بشعا، لكن في النهاية أعتبر أنني رائدة في الكشف عن “المسكوت عنه” أو مثلما يقال عندنا “الأدب المتعري”، لكنني سعيدة لكوني أمطت اللثام عن كثير من الواقع الذي كنا نحاول نكرانه وهو موجود.
 

– ما هي المحاولات الأولى التي كانت في إطار الحديث عن “المسكوت عنه”؟

 
– أول كتاب أصدرته، “نساء عند خط الاستواء”، فجر كل هذا الواقع صراحة. الشيء الغريب أن دار النشر التي أصدرت الكتاب رفضت أن تضع اسمها على الكتاب تحسبا لصدور ردود فعل غاضبة في السعودية.
فقد أثار هذا الكتاب صدى عجيبا. وتارة يمكن القول أن المرأة تكون هي عدوة المرأة. فقد فوجئت بحملة نساء ينتقدن بأن المجتمع السعودي ليس به سيدات أو فتيات من هذا النوع الذي تحدثت عنه. لكني أقول دوما أن المجتمع فيه الإيجابي والسلبي وفيه القوة وفيه الضعف. فالمجتمع السعودي ليس مجتمعا مثاليا وإذا قلنا ذلك فمعنى ذلك أننا مجتمع ملائكي ولا توجد ملائكة على الأرض.
تعرضت ضمن هذه الحملة العنيفة أيضا إلى انتقادات رجال الدين عندما تطرقت إلى وضع المرأة بعد الطلاق أو لعلاقة المرأة مع زوجها أو للعلاقات المحرمة، وتطرقت حتى للعلاقات المثلية بين النساء. وكانت النهاية أن صدر قرار بمنعي من السفر لمدة خمس سنوات ومنعي من الكتابة لمدة ثلاث سنوات.
وكان الغرض من هذا القرار لربما امتصاص غضب المجتمع. لكن هذه التجربة رغم قساوتها، كانت بالنسبة لي تجربة ثرية جدا. علمتني أن الإنسان إذا كان يؤمن بالمبادئ في حياته لا يمكنه أن يحققها بسهولة. ويمكن أنني خرجت من هذه التجربة أكثر قوة. ومن ضمن الإيجابيات انفتح لي باب الشهرة ليس فقط على مستوى السعودية بل على مستوى العالم العربي. وجاءتني بعدها عروض من ضمنها الكتابة في جريدة الشرق الأوسط. واصلت الكتابة في الشرق الأوسط في صفحة الرأي لمدة خمس سنوات.
 
وقد اتجهت لأول مرة في مقالاتي إلى الكتابة السياسية ليس بمعنى التحليل السياسي ولكن لإلقاء الضوء على الواقع السياسي من خلال الواقع الاجتماعي. وقد سمحت لي هذه التجربة بفتح الاتصال مع شريحة واسعة من القراء من خلال الحوار عبر الإنترنت. وكنت سعيدة جدا بهذه التجربة رغم أنني توقفت عدة مرات عن الكتابة بسبب نوعية كتاباتي من ضمنها المناداة بالعدالة الاجتماعية، وسوء توزيع الثروة، أو المطالبة بتأسيس منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان التي استمتعت بمتابعة دورة تدريبية عنها في جنيف حول كيفية تفعيل الآليات. وأتمنى أن أتمكن أنا وزميلاتي من تأسيس منظمة غير حكومية في المستقبل للاستفادة من هذه التجربة التي حصلنا عليها في هذه الدورة التدريبية المكثفة.
 

– إذا كانت هذه التجربة في الكتابة قد جلبت لك الى جانب الانتقادات الكثير من الإيجابيات، كيف كان تأثيرها الإيجابي على المجتمع السعودي؟

 
– منذ صدور كتابي الأول “نساء عند خط الاستواء” قبل احد عشر سنة، ألاحظ صدور العديد من الروايات والقصص القصيرة التي تلقي الضوء على الواقع الداخلي في المجتمع السعودي، يعني أنه أصبحت هناك أجيال جديدة لا تهاب وتؤمن بأنه يجب أن “يتعرى” المجتمع لكي يعرف سلبياته من إيجابياته، ولتحقيق المستوى المطلوب من العدالة الاجتماعية ولإرساء حقوق المرأة والطفل أو الأسرة بكاملها.
 
أنا سعيدة رغم الثمن الذي دفعته أن أرى أن الأجيال الجديدة، رغم أن بعضها مازال متمسكا بأعراف أو قيم بالية من مورثاتنا الاجتماعية، هناك قسم منها أصبح يؤمن بأن من حقه التعبير عن أرائه. ويجب ألا ننسى أن العولمة قد أفقدت كل الحواجز، ونحن اليوم نعيش في قرية كونية تلعب فيها وسائل الاتصال المختلفة دورا لا يمكن التحكم فيه .
 

– من خلال تصفح كتابك “مرايا 2001″، الذي هو عبارة عن خلاصة لمقالات صدرت في جريدة الشرق الأوسط، يتضح إن زينب حفني تحمل هموم العالم العربي بكاملها. هل هي محاولة للبحث عن حلول لها؟

 
– لا يمكن لك كفرد داخل مجتمع أن تقدم حلولا، ولكن ما أردته هو توعيه المجتمع بهذه المشاكل المعاشة، لأن توعية المجتمع اليوم بإمكانها أن تحقق على المدى البعيد الأهداف التي نأمل التوصل إليها أو نحلم بأن يحققها العالم العربي في يوم من الأيام  .
هاجسي هو القومية العربية، من يقول إنها أصبحت بالية أو إنها موضة قديمة، هذا أمر لا اقبله. فإذا أردنا أن نحقق نجاحا وان نثبت موقعنا من خلال القانون الدولي، يجب علينا أن نكون يدا واحدة وان نقدم صورة موحدة وآراء موحدة لكي نكون تلك الصورة المضيئة التي نتمناها لمجتمعاتنا العربية .
 

– هذه الكتابة التي تسببت في هجوم عنيف ضدك، لو كانت صادرة عن رجل سعودي، هل كانت ستلقى نفس المعارضة والرفض في نظرك؟

 
– أعتقد بأن النظرة للمرأة الكاتبة في المجتمع السعودي نظرة قاسية، ولا أقول ذلك على باقي المجتمعات العربية لأن في بعض هذه المجتمعات حصلت المرأة على مكانة جيدة للغاية.
فالمجتمع السعودي مازال ينظر للمرأة على أنه يجب أن تكون طوعية أو يجب أن يكون احترامها لقيمها وتقاليدها مبنيا على الحياء المولد فيها كامرأة. فكوني امرأة وعندي حياء هذا لا يمنع بأن أصرح بما في داخلي، وهذا ليس معناه أنني امرأة لا تعرف الحياء. الحياء ليس في الظاهر، الحياء في قدرتك في التعامل مع الآخرين ومع المجتمع وفي قدرتك التكيف مع أعراف وقيم تؤمن بأنها في صالح مجتمعك، وترفض في نفس الوقت قيما وأعرافا تؤمن بأنها مزورة أو غير ملائمة لواقعنا وعصرنا الحالي.
 

– على ضوء متابعتك لوضع المرأة في المجتمع السعودي وفي المجتمع الخليجي بصفة عامة، كيف تحكمين على تطور حقوق ودور المرأة السعودية؟

 
– طبعا، أنشئت مؤخرا لجنة لحماية الأسرة، ورغم أن دورها مازال ضعيفا، إلا أنني اعتقد أنها خطوة في الاتجاه الصحيح وخطوة قد تقوى في المستقبل وتكون بمثابة أساس بناء مؤسسات المجتمع المدني.
المرأة السعودية أصبح لها اليوم الحق كسيدة أعمال في الترشيح والانتخاب، واعتقد أن سيدتين نجحتا في انتخابات الغرفة التجارية، وهذه خطوة جيدة، لكن مازال أمامنا الكثير.
مازالت أمامنا مطالبة بوضع قانون أحوال الشخصية الخاص بالمرأة. لا زال حتى اليوم بإمكان سيدة تقدم بها السن ورغب زوجها في رميها في الشارع أن تجد نفسها في الشارع بدون وجود قانون يحميها. وينتهي بها الأمر في دار من دور الإحسان التي يتكرم كبار رجال الأعمال بتزويدها شهريا بالمئونة. هل هذا يتعارض مع الشريعة؟ لا نعتقد ذلك لأن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه “فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان”. تسريح بإحسان اعتقد أنها عبارة كبيرة جدا من الممكن لرجال الدين أن يطلعوا منها بتشريعات تحفظ حقوق المرأة.
ما أأسف له هو أن هناك اليوم في السعودية سيدات سعوديات متعلمات يضطررن إلى التحايل على الأب أو الأخ لكي يسمح لهن بالسفر، وهذا يعتبر بمثابة مصيبة كبرى أن تكون سيدة مثقفة وفي سن معين وقادرة على الحفاظ على نفسها أن تتحايل على الأب أو الأخ لكي يسمح لها بالسفر لحضور مؤتمر أو حتى للسفر لفسحة. إنه تقليل من قيمة المرأة وإهانة كبرى لها.
أنا والحمد لله، كما ذكرت في بداية الحديث، وهبني الله عائلة متفتحة ووالدي، الله يرحمه، كان متفتحا وإخواني أكملوا مسيرته. فلو لم تتح لي هذه الفرصة، هل معناه انه عندما توجه لي دعوة لحضور مؤتمر أو لنشاط ثقافي، يجب أن انتظر أن يمنّ عليّ هذا الأخ لكي يسمح لي بتصريح سفر؟ هذه مشكلة كبرى ويجب أن يلغى هذا القرار، يجب أن يلغى!
 

– هل هذه التجربة التي خاضتها زينب حفني، وخصوصا تجند المرأة من اجل حقوقها، هي تجربة نادرة داخل المجتمع السعودي، أم أن هناك معرفة غير دقيقة بواقع هذا البلد؟

 
– يمكن أن أقول إنها تجربة ليست فريدة ولكنها نادرة. فأنا وفرت أمامي عدة عوامل ساعدتني: أولها الأسرة والمناخ العائلي الذي نشأت فيه، وهناك أيضا مقومات الشخصية التي أتحلى بها. فأنا اعتقد أنني امرأة محظوظة توفرت فيها كل تلك العوامل لأنه من غير السهل توفر كل هذه العوامل مشتركة .
 

– أخيرا ما هو المشروع القادم لزينب حفني؟

 
– انتهيت من روايتي الجديدة “ملامح”، وهي الرواية التي صورت فيها واقع المرأة داخل المملكة العربية السعودية، وكنت أهدف للقول من خلال هذه الرواية بان المرأة هي التي دوما تدفع الثمن، لأن المجتمع لا يغفر لها أبدا أخطاءها بعكس الرجل الذي كما نقول “مهما اخطأ، فإنه يدخل للحمام ويأخذ دوش ويطلع”، ويعتبر إن ذلك هو بداية لنهاية جديدة.
 
أما روايتي الجديدة، فأتمنى أن تكون انعكاسا للتجربة الجميلة التي عشتها في جنيف، لأنها كانت تجربة ثرية وسألقي فيها بعض الضوء على واقع حقوق الإنسان، وأتمنى أن أتناول فيها جميع الجوانب، وأتمنى يا رب أن انجح فيها.

 
•••
 

﴿ صحيفة عكاظ ﴾
– أفاق ثقافية –

أدب ونقد
– رصدت ما يدور في بيوت جدة وانتقدت المجتمع الذكوري –
– زينب حفني: الروائيون الجدد يروّجون للهشاشة –

10 مايو 2006
عبدالله عبيان

 
تعرضت الأديبة زينب حفني للعديد من موجات الشد والجذب مع أطراف مجتمع تحولت فيه بعض الأعراف إلى ثوابت، ورغم ذلك واصلت مسيرتها في طرح رؤاها بجرأة فائقة من خلال كتاباتها الصحفية وأعمالها الأدبية التي كان آخرها رواية «ملامح». الكاتبة الجداوية التي اختارت لندن مكانا لإقامتها رصدت في روايتها الجديدة عددا من الأحداث المثيرة في أحياء الروضة والبغدادية والسبيل والكندرة .
 
غاصت الروائية زينب حفني في عوالم المرأة السعودية و صورتها في جانب من «ملامحها» وكأنها فريسة للرجل، كما أنها طرقت أبوابا لم تعتد الخليجيات طرقها من قبل مما أثار جدلا واسعا في الأوساط الثقافية والاجتماعية، وللوقوف على أهم وآخر المحطات في حياتها الأدبية التقيناها في هذا الحوار:
 

– يتجول القارئ في أحياء جدة، ويحاول التقاط صور حية لما يحدث خلف رواشين بيوتها من خلال روايتك الأخيرة «ملامح» فما هي ابرز الصور التي أرادت كاميرا زينب حفني تقديمها للمتلقي في هذا العمل؟

 
– أردتُ من خلال وصف أحياء جده، أن أنقل القارئ إلى تلك الأجواء، في حقبة زمنية معينة، وأجعله يحس برطوبة جو جدة تُزكم انفه، وينسكب هدير بحرها في أذنيه، يتخيّل أزقتها، بيوتها، أحياءها, ويتعايش مع أبطال روايتي بالاستماع إلى دقات قلوبهم، أنّات أوجاعهم.
لقد بعثت لي إيميل، إحدى القارئات العربيات بعد أن قرأت روايتي، تقول لي فيه.. إنها لم تزر جدة من قبل، لكنها غدت متشوقة لزيارتها حتّى تلامس بعينيها الأماكن التي تحدثتُ عنها في روايتي.
 

– ما زلنا نتخبط

 

– خرجت المرأة إلى العمل، وأصبحت تقاسم الرجل في المسؤوليات التي كانت حكراً عليه وأطلّت بفكرها على نوافذ الاتصال العالمية. فرأت وقارنت وتمثّلت، ولكن الخطاب النصي في أعمالها الأدبية لم يختلف، وما زالت تتكئ على معاناتها المتمثلة في خيانة الرجل وسيطرة المجتمع الذكوري، فهل هذا كل ما لدى المرأة في المملكة؟

 
– لنكن واضحين وصادقين مع أنفسنا أولا. الغرب حلَّ الكثير من الأمور الجوهرية التي ما زلنا نتخبّط داخل دائرتها في مجتمعاتنا العربية، لذا تجدهم اليوم يعيشون مرحلة الفانتازيا التي تتجسد في الانشغال على الفن من أجل الفن وحده. أمّا نحن، فما زلنا نُرقّع جراحنا، ونبحث عن حلول جذرية لمشاكلنا. كما لم نتحرر بعد من أوجاعنا، وهو ما يدفع الأديب العربي إلى التوقّف عندها طويلا.
 
ويجب ألا ننسى أن مجتمعنا بطيء في متغيراته الاجتماعية مقارنة بالمجتمعات الأخرى، التي ساهم مناخ الاستعمار والنضال في الإسراع بحركة تحديثها نتيجة لانفتاحها على ثقافات الشعوب الأخرى، الأمر الذي دفع المرأة إلى الخروج مبكرا للحياة العامة، والوقوف مع الرجل جنبا إلى جنب في حركة التحرير.
إضافة إلى ذلك أن مجتمعنا يغلب عليه الطابع الديني المحافظ، الممزوج بأعراف وتقاليد متوارثة، وهو ما ألقى بظلاله على الأديبة السعودية في نصوصها الإبداعية، ودفعها لا شعوريّا إلى العزف على معاناتها داخل مجتمعها الذي هو في الأصل مجتمع ذكوريّ، حيثُ أن الكثير من الأمور المصيرية الخاصة بالمرأة ما زالت في قبضة الرجل.
 
كذلك المسألة ليست متمثلة في التركيز على خيانة الرجل، ففي كل مجتمعات الدنيا تتوالد الخيانة، لكن الخيانة حين تخرج لسانها للمرأة قائلة لها.. «تحمّلي كل ما يقع عليك كونك المخلوق الأضعف والأدنى»، وتجعل مفتاح القرار في يد الرجل ولو كان مرتكب الخطيئة، هنا تتجسد المعاناة الحقيقية.
الوجع هو الذي يدفعك دون أن تدري لأن تُطلق أنّاتك. صدقني الكوابيس الليلية لا تُفاجئ الذين ينامون مرتاحي البال.
 

– دفعت الثمن غاليا

 

– المرأة الشرقية عندما تكتب بجرأة زينب حفني يقابلها المجتمع بالرفض، وينبذها إلى ركن قصي مظلم، فهل شعرتِ انك تعيشين هذا المنفى؟ولو حسبت خسائرك وأرباحك ماذا ستجدين في كشف حسابك بعد هذا المشوار المتعب؟

 
– اعترف أن المشوار كان طويلا ومجهدا ومتعبا. لقد دفعتُ الثمن غاليا، وحملتُ قلبي على يدي مرات ومرات. وللأسف لا أزال أعاني تجاهلا لقلمي داخل الساحة الثقافية السعودية، ولا يُشار إلى اسمي كرائدة من الرائدات اللواتي نجحن في وضع بصمة خاصة بهن في تاريخ الأدب السعودي، ولا يُعترف بي كأديبة ساهمت في إثراء الساحة الأدبية، لكنني أراهن على التاريخ النزيه، كونه أقدر على تسطير الحقائق للأجيال القادمة.
في الماضي كنتُ أتألم لهذا التجاهل المتعمّد، لكنني اليوم مع النجاحات التي أحققها في الخارج، لم أعد التفت لهذا الواقع المؤلم، بل لقد استثمرته في تقوية أدوات التحدي في أعماقي لمواصلة المسيرة إلى نهاية الدرب.
 

– غربة المكان

 

– إقامتك بين لندن وبيروت ماذا أضافت لك وماذا أخذت منك؟ وهل نعتبرها انهزامية ناتجة عن حالات الشد والجذب بينك وبين أطراف المجتمع؟

 
– أريدُ أن أصحح لك هذه المعلومة، أنا لم أقم في بيروت، زياراتي المتكررة لها حبّا في أهلها، ولهذا البلد الذي أنعم الله عليه بجمال الطبيعة الخلاّب، إضافة إلى أن سفري إليها لمتابعة إصداراتي الأدبية التي جلّها تُطبع في بيروت.
بالنسبة للندن، أعتبرها تجربة ثرية بالنسبة لي، كوني تعاملتُ مع الآخر المتمثل في وجه من الغرب، من خلال المعايشة اليومية المباشرة، وليس كسائحة لا همَّ لها سوى الفرجة على «فاترينات الملابس»!!
يوم تباعدت المسافة، أحسستُ بالغربة تُجثم على صدري كوني لصيقة بأرضي وأهلي. ومع مرور الوقت وجدتُ نفسي أتلاحم مع هذه الأرض الغريبة عني، أنهل من ثقافتها، حضارتها، أمزجها مع هويتي وعروبتي. لقد عشتُ حالات شد وجذب كثيرة، فيها جوانب مضيئة وفيها جوانب قاتمة. لقد تعلمتُ في غربتي أن من الصعب أن تكسب الجميع لصفك، كما أن من المستحيل أن تجعل الكل عدوك.
 

– الهروب من المجتمع

 

– ألم تجدي في المجتمع الغربي ما يغري لكتابة عمل روائي جديد؟

 
– روايتي «لم أعد أبكي»، ثم «ملامح»، تشم في سطور كل منهما مرارة الغربة. لقد اختار أبطالي الهرب إلى البعيد بعد أن خنقتهم أعراف مجتمعاتهم الصارمة. في المجتمع الغربي الكثير يُغريك للكتابة، وفي جعبتي الكثير من الصور أتوق إلى سكبها على الورق مستقبلا، لكن هناك أيضا الكثير من القضايا الشائكة داخل المجتمع تُؤرّق فكري، وأعتبرها في مقدمة أولوياتي.
 

– أثبتت التجارب أن غوص كثير من الأعمال الروائية في المحلية أطلقها للنجاح والشهرة، كيف تقرئين ذلك؟

 
– قد يكون كلامك صحيحا إلى حد كبير. لكن لا تنس أن العديد من الروايات التي كُتبت عن «المحلية» لا تمت لها بصلة، كونها تفتقد لعمق التجربة الحياتية والالتحام مع خبايا المجتمع. الرواية المحلية التي تجفل الاقتراب من المناطق المحرمة تُخرج العمل جامدا لا حرارة فيه. انظر إلى روايات نجيب محفوظ مثلا، تشم رائحة الحارة المصرية في كل سطر من سطور رواياته، وقس عليه الكثيرين.
 

– واقع الرواية السعودية

 

– كيف تنظرين إلى واقع الرواية السعودية وما هي الأسماء التي تحرصين على قراءة أعمالها؟

 
– الروايات السعودية قفزت قفزات واسعة في العقد الأخير، وهذا يعود إلى أن المجتمع يعيش ثورة في مختلف أوجه الحياة، وهو ما حرّك أقلام المبدعين بصفة عامة، والمبدعات بصفة خاصة، لتسطير هذه المتغيرات في قالب روائي، كون الرواية وحدها القادرة على تجسيد التحولات الاجتماعية بنبض حي، وهو ما يميزها عن الكتابة التاريخية التي يُسجلها المؤرخون بأقلام باردة وحس معدوم.
 
أنا من المؤمنات أن تشريح المجتمع بداية لتعديل المسار، لكنني متوجسة بعض الشيء من هجمة الجيل الجديد على كتابة الرواية، وهو ما أدّى مؤخرا إلى خروج روايات هشة تفتقد للبناء الروائي، وإلى اللغة الجزلة.
 
إنجاز رواية ليس بالأمر الهين، الرواية تستنزف صاحبها، وهي من أصعب الأجناس الأدبية، ونصيحتي للأقلام الواعدة التي ترغب في سلك هذا الدرب، أن تتأنى، وتبني لغة خاصة بها، وأسلوبا راقيا تُخاطب به القارئ العربي، حتّى لا يطغى الكم على الكيف في الساحة الثقافية .
 
– سألتني لمن أقرأ !؟
 
– أنت تعلم بأن آلاف الكتب تُطبع سنويا، وهو ما يجعلني أختار بعناية ما أقرأه. أنا أقرأ كل نتاج جيد، ولا أتوقف
 
عند أديب أو كاتب بعينه، كون العمل الجيد يفرض نفسه .
 

•••
 

﴿ في أمسيتها بمنتدى الوعد الثقافي بالدمام ﴾

زينب حفني
لا أريد الرجل أن ينصفني و«الرقص على الدفوف» بداية تجربتي الروائية

14 أغسطس 2006
جعفر الجشي

 
طالب القاص والروائي يوسف المحيميد بتخطي المرحلة السابقة في كتابة الرواية والمعتمدة بدرجة كبيرة على الجرأة وتجاوز بعض المناطق المسكوت عنها، ومن ثم الانتقال إلى مرحلة جديدة من الكتابة الفنية. وقال المحيميد في مداخلته بالأمسية التي أقيمت لزينب حفني في الدمام مساء الأربعاء الماضي :آن الأوان للدخول إلى هذه المرحلة من الاعتماد على الجانب الفني في الكتابة الروائية.
فقد أنهى منتدى الوعد الثقافي موسمه الثقافي بأمسيته الرابعة التي أقامها بالدمام الأربعاء الماضي احتفاء بالقاصة والروائية زينب حفني والحديث عن تجربتها الروائية، حيث جاءت (أمسية مكتظة) بحسب تعبير القاص فاضل عمران الذي أدار الأمسية في جو من الألفة والحميمية والموسيقى التي عزفها باقتدار الفنان علي أبازيد حيث انطلقت الأمسية بعزف منفرد على العود وقصيدة للشاعر وليد حرفوش بعنوان (طفولة قانا)، وتخلل الأمسية توقيع عدة كتب للكاتبة الشابة أميرة المضحي وروايتها (عندما تغيب شمس الحب)، والشاعر عبدالله السميح وقع مجموعته الشعرية الجديدة (متدثر بالبياض) فضلاً عن ديوان للشاعر الشاب فاضل الجابر والذي سبق أو وقعه في أمسية سابقة. وبالإضافة إلى كل ذلك فقد كان هناك تصوير سينمائي حي لأحد الأفلام التي يجري تصوير جزء منها في معرض تشكيلي أقيم خصيصاً لهذه المناسبة.
 
– وفي بداية حديثها أكدت حفني أنها لم تشارك في أي فعالية داخل المملكة مبررة ذلك بأنها ترفض المشاركة في فعالية لا يكون فيها دور للنساء، وقالت: هذه الأمسية أسعدتني كثيراً لأني أرى الجميع حاضرين رجالاً ونساء.
 
– وقالت: لا أريد المرأة تسمعني لأن مشكلتها مشكلتي وهي تعرف معاناتي، أريد الرجل أن يسمعني لأنه هو الصوت الأقوى في مجتمعنا لأننا نعيش مجتمعاً ذكورياً، وهذا لا يعني أنني أريد الرجل أن ينصفني، فالحقوق تُُنزع ولاتُعطى، ولا أريده أن يمن علي ويعطيني إياها، وفي نفس الوقت أريده أن يسمع ما عندي. وأضافت قائلة: اتهمت كثيراً بأن رجلاً يكتب عني، وقالت: على الرغم من هذه الاتهامات إلا أني أؤكد أنني موجودة.
 
– وقالت حفني: الكتابة حلم يكبر معه إلى أن يتشعب وتصبح له أوراق متناثرة. وكانت البادية خواطر ووجدانيات، وقالت: لو لم يكن هناك نواة لمات في المهد، وكان أبي هو هذا النواة، لم يقف في وجهي ولم يحدد لي طريقة في القراءة، وهكذا انتهجت نفس الشيء مع أبنائي. فأنا أرفض الازدواجية التي ركزت عليها كثيراً في أعمالي.
 
– وتحدثت زينب حفني عن إصداراتها، وقالت: تركت مجموعة (قيدك وحريتي) أثراً لا بأس به رغم ضعف الأدوات، ثم كتبت (نساء خط الاستواء) عام 96م فقد كتبتها وعيني على المجتمع، وكنت غاضبة على وضع المرأة عندما تنطلق وترمى في الشارع ولا تجد مصدراً للرزق، الأولاد يكبرون لتظل هي في ملجأ، ويصبح وضعها بيد رجال الأعمال الذين يعطونها الأرزاق في نهاية الشهر، لم أكن أتوقع الهجوم الفظيع على المجموعة القصصية، وقالت: لو صدرت المجموعة اليوم لم تحدث الأثر الذي أحدثته قبل عشر سنوات.
 
– واعتبرت أن روايتها (الرقص على الدفوف) هي بداية تجربتها الروائية وقالت: جاءت هذه الرواية بعد مشكلتي في نساء على خط الاستواء وقد أفرغت فيها كل شحنتي التي حدثت في المجموعة القصصية السابقة، الرواية كانت تلقي الضوء على حرب الخليج الثانية، ومن ثم كتبت روايتي (لم أعد أبكي) جزء منها صورت فيها خبرتي في عالم الصحافة، التي لم أدخلها كمحترفة بل كانت هواية، ولكن اقترابي منها جعلني أفرغ شحنتي ووجهة نظري في روايتي (لم أعد أبكي) كنت أتساءل لماذا لا ترأس المرأة الصحيفة؟ هل هو بسبب النظرة الاجتماعية؟ هناك سيدات نجحن في ذلك، مثل فاتنة شاكر؟ مستنتجة أن المرأة ما دامت نجحت في الخارج فلماذا لا تنجح في الداخل. وقالت: أعطوا المرأة فرصة لإدارة تحرير جريدة، وهل يعيبها أن تدير الرجال؟
 
– أما روايتها (ملامح) فقالت عنها: لقد فوجئت بالهجوم الشنيع عليها، وقالت: يمكن للإنسان أن يكتب تفاصيل روايته من الخارج ولكنها لا تحمل هموم الداخل، بينما أنا كنت أفعل ذلك في الوقت الذي جعلتها تحمل هم الغربة والشوق للوطن، وهمي في تغيير وقائع في المجتمع. وقالت: الهجوم في المنتديات على الرواية لم ألتفت له، لأنني كنت أعتقد أن عملي عندما يخرج فمن المهم ألا ألتفت له، ولم أندم على كتابتها، إذ أني لم أكتب لمجرد إثارة الغرائز، والقصة كلها تدور عن مبدأ الانحلال الاجتماعي، فكيف أقنع القارئ بمشكلة ثريا أو حسين دون أن أتحدث عن الجنس. أنا لست ضد الجرأة في الرواية، فإذا كانت الجرأة تخدم الرواية فلم لا. أنا متهمة أني أعري المجتمع زيادة عن اللازم، مما يؤدي إلى تفسخ الأجيال الجديدة. وأنا أقول لو كبلت الشخصيات وألبستها عباءة دون أن تتصرف على طبيعتها، فكيف ستعرفها الناس.
 
– الناقد عيد الناصر قدم ورقة نقدية على رواية ملامح، وقال في البداية، حاولت في هذه الورقة أن أقدم شيئاً مختلفاً عما كتب عن الرواية، وقال: سأتجاوز ما طرح في هذا الجانب. وقال: سأنطلق من داخل النص لا من خارجه، فهو يدعو القارئ صراحة بأن يتوقف عند كلمة (العهر) ككلمة ومعنى ودلالات وإيحاءات، إنها دعوة مباشرة من النص تقول للقارئ لا تقف عند حدود ما أرويه لك من عهر، ولكن توقف وتأمل من حولك في أنواع العهر الأخرى، وتحدث عن أنواع العهر من داخل الرواية (السياسي – الاقتصادي – الاجتماعي- الفكري) وصنفت ثريا نفسها بعيداً عن أي تأنق لغوي وهي في طريق البحث عن السعادة بأنها ولجت من باب العهر الاجتماعي.
 
ووضع الناصر بعض النقاط التي اعتبرها ضرورية لكل نوع من أنواع العهر التي رآها من داخل الرواية.
وخلص إلى القول هناك تقارب في الهيكلية البنائية لحكاية العهر التي نسجتها ملامح مع صور العهر الذي ألمحت إليها، وإذا كانت هذه الصور تسمى عهراً للبحث عن السعادة، فإن السعادة هي في الحب القائمة على المودة والاحترام، كما كانت حياة والد ثريا، إذ حتى الحب كان له نكهته. كما أن العمل الشريف يزيد الإنسان سعادته.
 
– طرح الدكتور مبارك الخالدي عددا من التساؤلات حول التقنية السردية وتماثل خطابات الشخصيات في الرواية, والتكرار في عملية كشف وتعرية الميول المثلية عند امرأة تجاه امرأة أخرى، مشيرا على نحو خاص إلى التشابه من هذه الناحية بين رواية (ملامح) ورواية (مسك الغزال) لحنان الشيخ.
 
– وعن هذه الملاحظات قالت حفني تعمدت أن أجعل كل شخصية تروي بلسانها لان كل واحدة تختلف عن الأخرى، فأنا يمكن أن أحكي كل حكاية أسمعها بلساني ويمكن أن أجعلها بألسنة مختلفة ووجهة نظر مختلفة. أما عن عده للكلمات التي وردت في الرواية (حينذاك…) فاستغربت حفني ذلك وقالت: أستغرب كيف استطاع الخالدي عد هذه الكلمات لدرجة أفقدته متعة الرواية.
 
– القاص والروائي يوسف المحيميد قال: نحن بحاجة إلى تجاوز هذه المرحلة (الجرأة) فهي لم تعد ذات قيمة على المستوى العربي والعالمي. وقال: نريد أن نتحدث عن الجماليات حول معمار الرواية وبنائها ولغتها، وبناء الشخوص تفاصيل المكان، وروح المكان. فالحكايات ملقاة على قارعة الطريقة، ولكن كيف نصنع منها عملاً فنياً ومغايراً. أشعر أننا بحاجة إلى حرق هذه المرحلة فقد أطلنا المقام فيها.
وعما طرحه الناصر قال المحيميد: متى نتخلص من كون النقد في مجمله هو نقد توصيفي، أكاد أجزم أن كل من قرأ الرواية هو ليس بحاجة إلى كل التفاصيل التي قرأها عيد الناصر، نحن بحاجة إلى نقد مغاير مواز للنص الذي استمتعنا به.
أحمد سماحة تساءل: هل كان النص يستدعي أربعة ساردين هم ثريا وحسين وهند والراوي، الذي جاء في آخر الرواية يريد الإسقاط بطريقة وعظية تلقي بظلالها على متعة القراءة؟
 
وقال هناك تشابه كبير بين الشخصيتين واقعاً وسلوكاً وازدواجية فلكل سلطته وأدواته، فأين الفارق الذي تحدثت عنه، لم يظهر إلا على استحياء في زوجة عم حسين وفي الخادمة وعن الجرأة في سؤال المحيميد ذكرت حفني: أن أدباء أوروبا وغيرها متفرغون لجماليات الحياة في الكتابة، لكننا هنا لسنا متفرغين لذلك، أنا قلمي منغمس في هموم مجتمعي، وعندما تنتهي هذه الهموم سأتفرغ لجماليات الحياة. وهو ما جعل أحمد سماحة يرد بأن حفني فهمت ما طرحه المحيميد خطأ، إذ كان يتحدث عن جماليات الفن الروائي، ولم يقصد جماليات الحياة.
 
– وعن مداخلة الزميل أحمد سماحة تساءلت حفني: كيف لم تشاهد قهر المرأة، إن قهر المرأة جداً واضح، وقالت: البطلان (حسين وثريا) أخطآ في سبيل الوصول إلى مطامعهم، ولكن في النهاية من دفع الثمن؟ إنها ثريا بكل تأكيد.
 

– نهى فريد تساءلت إنك نقلت عن نزار قباني إن الذي يريد أن يعالج أمته لا يعالجها بالأدعية وإنما بالكي، زينب حفني هل كوت الجرح وإلى أي مدى؟

 
قالت حفني: أنا اكتويت من المجتمع ومن ثم كويت، أنا أؤمن دائماً أن كل شيء فيه جرأة له ثمن، ومواجهة المجتمع لها ثمن. أنا بطبيعتي امرأة محاربة لآخر يوم في عمري.

– إلهام أحمد تساءلت عندما نتطرق إلى موضوع الجنس في الرواية ماذا نريد، أو هل هناك مغزى من طرحه؟ ماذا سنخرج منه؟ هل نخرج بأمر نستفيد منه أم أنه عبث؟

 
– وعن ذلك ترد زينب حفني قائلة: إن هذا السؤال يأتي بشكل دائم. أنا أسخر الجنس لصالح الرواية. فمن غير المعقول أن أتحدث عن علاقة غير سوية بين الرجل وزوجته ثم لا أتحدث عن الجنس. بالتأكيد سيخرج العمل باهتاً.
 

– أريج سليس تساءلت: هل جربت البكاء على الرغم من أنك امرأة قوية؟

 
– تقول حفني: أنا بكيت بقوة فقط عندما منعت من السفر والكتابة، شعرت أن حريتي سلبت مني.
 

•••
 

﴿ صحيفة الوقت البحرينية ﴾

زينب حفني
أنا أكتب لأنني بقلمي أفجّر ما أحس به على الورق

21 نوفمبر 2006
عبدالسلام العطاري
( شاعر فلسطيني )

 
هي وملامحها عند خط الاستواء تقف مشاكسة معاركة من دون أن تأبه للظى ألسنة تحرق أكثر من شمس الربع الخالي، لغتها متجددة وان قسوت عليها بذلك السؤال ليس إلا لمجرد أن نذهب معها ونحن ندرك أن السائل يعلم أحيانا ببواطن الجواب، عرفتها منذ وقت ولامست مدى رغبتها بمنازعة الظلم وقلمها الذي يرفض أن يكون غير ذي حد يكشط ويميط اللثام الذي يصفّد أفواه الكثيرات من النساء اللواتي يحلمن بطقوس الحرية وممارستها خلسة أحيانا، كانت زينب ومازالت تقرع وتدق ذلك اللثام لعلها تخرج ما تحته من غناء جميل وتظهر للعين كحلها البريء من سطوة الفولاذ.
 

– قوة الكاتب تُقاس بمدى اختراقه للمحظور، أو كما ترغبين بالمسكوت عنه، ما هو المسكوت الذي عرّته زينب حفني؟

 
– القوة في تعرية الواقع المستتر، لا تُعد دخيلة على مجتمعاتنا العربية، بل هي مغروسة منذ قرون طويلة في موروثنا الفكري، لكن مع ارتفاع المد المتطرف، وسيطرة أعراف وتقاليد متزمتة على نمط الحياة الاجتماعية، أدّت إلى النظر للأمور المتعلقة بالدين والسياسة والجنس، على أنها تابو محرّم لا يجب الاقتراب منه، مهما كانت الدوافع والأسباب.
أريدك أن تعلم أنني لم أعتدْ إسدال الخمار على وجهي، وأنا أسير في طرقات الحياة، لإيماني بأن الشفافية والوضوح والصراحة، اسلم الطرق للوصول إلى نهاية الدرب. نعم.. عرّيتُ من خلال مقالاتي وقصصي ورواياتي، كثيراً من آفات مجتمعي، عريّتُ الازدواجية، عرّيتُ الزلات، عريّتُ الوجوه التي تتعمد وضع قناع الفضيلة على وجهها نهارا، ونزعه عندما يخلد الجميع للنوم. عرّيتُ كل ما استفزني، ودفعني للصراخ، وسن قلمي، للنـزال على الورق.
 

– الخروج من تحت عباءة الجسد، ليس بالأمر السهل. ألم يكن في حسبان زينب حفني تلك الصورة؟

 
– قلتُ في واحدة من مقابلاتي التليفزيونية إنني لم آتِ بجديد، وأن الأدب المكشوف كان سمة من سمات موروثنا الفكري. اقرأ شعر أبو نواس. اقرأ العقد الفريد، ألف ليلة وليلة، طوق الحمامة وغيرها من كتب التراث، ستجد أن مساحة الحرية الفكرية كانت متاحة على آخرها. لم يكن حينها المفكر أو الأديب يتعرّض للملاحقة القانونية، أو يخضع للاستجواب، أو يُنعت بالمارق لأنه خرج عن المألوف. لكن مع هذا أؤمن بأن لكل شيء أثماناً في الحياة، وقد دفعت كثيراً منذ أن ولجت إلى عالم الكتابة. وهنا أتذكّر عبارة قالها لي يوما أحد الشعراء.. الكاتب أو الشاعر الذي لا يُحارب ولا يُشتم ولا يُرجم، ميت.
 

– تقول زينب حفني ‘’هناك صفة جميلة في المرأة لا توجد لدى الرجل، أنها حين تؤمن بشيء تحارب من أجله بضراوة، ملقية بنفسها في رحى المعركة من دون درع يقيها من الضربات القاتلة’’.. صورة حزينة وخائفة أليس كذلك؟

 
– لماذا قلتَ إنها صورة حزينة وخائفة، لماذا لا تقول إنها صورة تدل على بسالة المرأة، التي عانت على مدى عقود من جبروت المجتمع الذكوري، ومن موروثات اجتماعية عقيمة. امرأة اليوم لم يعد هناك ما يخيفها، فقد خرجت من عباءة الاستسلام، وقررت خوض المعركة بشجاعة منقطعة النظير. أتعرف لماذا؟ لأنه لم يعد لديها ما تخسره، وهي تراهن على قدراتها، في أن تترك بصمة بارزة، وتستعيد مكانتها الحقيقية التي كانت عليها في عصور الإسلام الزاهية.
 

– أيهما نحتاج للحوار. الآخر الغربي أم الآخر العربي، وكيف وجدت زينب الآخرين؟

 
– أولا، نحن بحاجة للحوار مع ذواتنا، أن نُصادق أنفسنا، أن نُقلّب الأمور على أوجهها كافة لنرى الواقع على حقيقته. وفي الوقت نفسه، نحن بحاجة للحوار مع الآخر العربي، أن نفهم تطلعات الجيل الجديد، مطالبه، احتياجاته، نبلور ذهنه، نجعله يُدرك أين يقف، ومتى يسير، وإلى أين يتجه. ومن جهة ثالثة، نفتح جسر من الحوار البناء مع الآخر الغربي، فمن غير الممكن في عصر الثورة المعلوماتية، والانفتاح الإعلامي، أن ننغلق على أنفسنا، ونرفض كل مايأتي إلينا من الآخر الغربي، بحجة المحافظة على بنية مجتمعاتنا من الانحدار، وبذريعة الخوف على أبنائنا من الانسياق خلف المعتقدات الغربية.
 
تسألني كيف وجدتُ الآخرين، من الصعب على المرء وضع الجميع في سلة واحدة، يحملها بين يديه ليؤكد نظرياته، أو ليشتكي من ظلم الناس عليه. فمن غير الممكن أن تجد الجميع يُصفق لك، أو تجد الكل يُعطيك ظهره إمعانا في إذلالك. لكن الحياة تتقلب كل يوم، مع مرور الزمن، ونشوء أجيال جديدة، لذا ستجد غدا من يسير على دربك، وستلقى أفكارك التي تُنبذ اليوم أرضا خصبة في مجتمعك.
 

– لمن تكتب زينب حفني، ومن تحرّض في كتابتها وعلى من؟

 
– لم أسأل يوما نفسي وأنا امسك بقلمي، لمن أكتب تحديدا، الكاتب الحقيقي، هو من يكتب حين يشعر بثورات من الغضب تجتاح دواخله. أنا أكتب لأنني بقلمي أفجّر ما أحس به على الورق. أكتب من أجل أن أرى مجتمعي أجمل مجتمعات الدنيا. القلم أمانة، لا يمكنك الإمساك بالقلم، إذا كانت أناملك ترتعش جبنا، أو خوفا، يجب أن تكون مقتنعا بمبادئك وقيمك.
أنا لا أغوى التحريض، وليس من طبعي الشجار من أجل التشفّي بسماع أنّات الجرحى. كل ما أطمح إليه، أن أرى تطلعاتي مغروسة في عقول وأذهان أفراد مجتمعي.
 

– سعفة نخيل لا تظلل عابر سبيل طويلا، أين تستظل زينب حال أقفرت الصحراء من نخيلها؟ ما اقصده على ماذا تتكئ زينب في صراحتها التي توصف بأنها بلا حدود؟

 
– الصراحة هي جزء لا يتجزأ من شخصيتي. علمني والدي أن أكون واضحة في مقصدي. صريحة في تعاملي مع الآخرين. هذه الشفافية والجسارة، تحمّلتُ من اجلها كثيراً، لكنني مازلتُ أؤمن بأنها النبراس الآمن لكل امرئ مهما علا أو قل شأنه.
تسألني على من أتكئ، إنني استند على ذاتي، على آمالي التي ربيتها في حجري، على أحلامي التي آمل أن أراها يوما تسير بقدمين صلبتين على أرض الواقع.
 

– قلت في حوار سابق انك نوال السعدواي الأخرى، ما الذي وجدتيه في نوال، على رغم أن هناك من حطم ناموس نوال، وكنّ أكثر جسارة منها؟

 
– أن لم أقل إنني نوال السعداوي السعودية. لقد اخبرني الزميل تركي الدخيل في اللقاء التلفزيوني الذي أجراه معي، أن هناك بعض المواقع على الإنترنت، تنعتني بأنني نوال السعداوي السعودية. وأجبته ما الضير في أن أكون نوال السعداوي السعودية كما يُقال عني. لكن هذا لا يعني أنني أوافق نوال السعداوي على كل ما تقوله خصوصاً في مجال التشريعات الدينية، التي أرى أنها قد شطحت في كثير منها. مع هذا لا استطيع أن ابخس من حق نوال السعداوي، في كونها رائدة في مجال حقوق المرأة، ولا استطيع إنكار إنجازاتها الفكرية التي قدمتها على مدى ثلاثة أو أربعة عقود.
لا أدري لماذا في عالمنا العربي ننسى الإيجابيات ولا نتذكر سوى السلبيات. الإنسان كائن متكامل، يجب أن نُثني على محاسنه، كما نُحاكمه على تجاوزاته. عبارة أن هناك من حطّم ناموس السعداوي، هذه عبارة غير منطقية، لأن كل جيل يُسلّم القيادة للجيل الذي يأتي بعده. فأنت لا يمكن أن تطمس تاريخ من سبقوك، لكن باستطاعتك ترك بصمة مغايرة إن شئت، وهذا من حق كل صاحب فكر أياً كان نهجه.
 

– أجدك كثيرة المنابر، اللغة هي اللغة، أين وصلت زينب من جمهورها ومعه؟

 
– ما الضير في أن أكون كثيرة المنابر؟ وماذا تقصد بأن اللغة هي اللغة؟ أنا لستُ أديبة فقط، أنا كاتبة، وناشطة حقوقية في قضايا المرأة. لقد شاركت في كثير من المنتديات والمحافل العربية والدولية، وقد ساهمت مشاركاتي في فتح آفاق كثيرة أمامي، في رؤية عوالم جديدة، من خلال تبادل الأفكار، والاطلاع على تجارب المثقفين، على اختلاف مستوياتهم وتوجهاتهم.
 

– ماذا تقول زينب حفني للمرأة الخليجية؟

 
– قد يكون النفط أدى إلى رفاهية المرأة الخليجية عقودا، لكنني أراها اليوم تجاوزت الترف الاجتماعي، وخرجت من مرحلة اللاتوازن التي كانت تحيا فيها، وقررت تحطيم طوق الفولاذ الذي يُحيط بخاصرتها،وأصبحت في العصر الحالي، بفضل علمها وثقافتها تملك وعيا، ورؤيا ناضجة تجاه قضايا مجتمعها، وهو ما يؤهلها لقيادة المستقبل جنبا إلى جنب مع الرجل .

 
•••