وجهة نظر 2007

وجهة نظر 2007

﴿ مجلة آرام ﴾

﴿ زينب حفني .. روائية سعودية لا تخشى الرقابة ﴾
السبت 14 أبريل 2007 م

يسرى حسين

 
يمثل الأدب دائما مرآة الشعوب إذ يعكس إيقاعها الداخلي ونبض الوجدان وتحركات الطبقات الاجتماعية وطبيعة شكل الثقافة ونوعية التقاليد والتيارات التي تحاول أن تطرح التحديث والخروج عن أنماط حياة قديمة وتقديم الأخرى البديلة لها.
 
وهناك حركة بعث أدبي ملحوظة تأخذ شكل الرواية في تطور بارز يتم داخل مصر وفى بعض مناطق الخليج مع بروز موجة على ضفاف الحياة السعودية ، نتيجة حركة التعليم وعملية التحديث ومظاهر التمدن المختلفة التي تواجه ببعض المخاوف من المحافظين والتقليديين.
 
وعندما تقرأ الرواية السعودية الحديثة التي تصدر بلندن على وجه الخصوص تشعر بهذا التوتر الظاهر بين التحديث من جانب و أنصار الحياة التقليدية المحافظة في موقف مناهض وواضح.
 
يقدم فن الرواية دائما نبض المجتمعات و تبلورها في مشروع الحداثة وخروجها من شرنقة التقاليد و المحافظة والتزمت. ولعل الكاتب المصري محمد حسين هيكل ، كان صادقاً في رصد هذه الظاهرة عندما كتب عن(زينب)في روايته الأولى لكشف طبيعة الحياة في الريف المصري والصراع بين التزمت و الانفتاح.
 
اخذ شكل الصراع دائرة الحب والعاطفة من خلال إطار رمزي جامح دشّن صعود الرواية المصرية الحديثة مع بداية العصر الجديد الذي طل على الحياة المصرية.وتستطيع قراءة شكل هذه الحياة خلال الحرب العالمية الثانية في رواية نجيب محفوظ (زقاق المدق) ، حيث رسم صورة عريضة لناس في قلب ضرب ضيق يحاصرهم الفقر والعجز و الاحتلال .

وأخذت روايات محفوظ دائما تعكس سمات تطور المجتمع المصري والحياة الحديثة والصراع بين اتجاهات مختلفة مثلما برز في روايته (خان الخليلي) .
 
وعندما دخلت المرأة مجال الكتابة الروائية لمست كاتبة مثل (لطيفة الزيات) الوجه عن طبيعة الصراع الدائر بين المحافظين وأفكار جديدة مرتبطة بحرية المرأة وسيادة قرارها واستقلالها ، مع كشف علاقات مزيفة وأخرى سرية تجرى في الخفاء.
 
وكانت لطيفة الزيات التجسيد لحركة التعليم وخروج المرأة المصرية للتعليم والدراسة في مجتمع كان ينفتح ببطء مع وجود حركات راديكالية كانت تدفع نحو التغيير السريع وتواجه من جانب أخر الخصوم الأقوياء. وقد لمس إحسان عبد القدوس بجرأة معروفة عنه هذا الصراع في روايته الفزه (أنا حرة) حيث كانت بطلته أمينة ترى في العلم والعمل التأكيد لذاتها.
 
وعندما كنت أقرأ رواية الكاتبة السعودية (زينب حفني ) الصادرة في لندن عن ( دار الساقي ) دارت أمام الذاكرة النقدية كل هذه الأعمال التي تكشف تبلور الأفكار وصدامها مع الجانب التقليدي وظروف الحياة والتطور بشكل عام نتيجة التعليم ووجود الصحافة والانفتاح النسبي على حركة الثقافة.
 
وقد شهدت الرواية السعودية تطورا مهما للغاية مع ميل كُتّاب إلى استخدام هذا الشكل في التعبير عن أحداث وقضايا باعتماد أسلوب السرد الروائي وإقامة حبكة الموضوع ورسم الشخصيات المختلفة.
 
ويدل ازدهار فن الرواية في العالم العربي على نحو بارز لتأكيد ظاهرة أن هذا الفن مرتبط بالمدنية الحديثة والتطور وخروج المجتمعات من حالة انغلاق إلى ساحة مفتوحة بدرجات مختلفة.
وقد تقدم فن الرواية على يد نجيب محفوظ وفتحي غانم ولطيفة الزيات في عصر مختلف تماما مع تبلور الطبقة الوسطى المصرية وتعبيرها عن نفسها ووجود كُتاب من عينة يوسف إدريس وغيره من رموز المرحلة التي أعقبت سيادة محفوظ على تيار الفن الروائي الجديد.
 
وتمثل الرواية السعودية المعاصرة وثبة مع ظهور ( شقة الحرية ) للشاعر غازي عبد الرحمن القصيبي الذي استخدم للمرة الأولى أسلوب أكثر جرأة في الحديث والكتابة مما شجع روائيون على تقديم تجربة أخرى. وتعد أعمال تركي الحمد من أكثر الروايات جرأة في وصف تطور المجتمع السعودي الحديث.
 
وشجعت دار الساقي بلندن على وجه الخصوص بنشر تجارب لشبان يمارسون الكتابة الروائية . ويعد عبده خال من الأسماء البارزة في حقل التجريب والتطرق إلى موضوعات جديدة والكتابة عنها بأسلوب فني مبتكر في اكتشاف الأدوات والأساليب للسرد والبناء الروائي. وتعد تجربة خال مثيرة في عالم الغوص الفريد للبحث عن الشكل والعلاقة مع أزمنة مختلفة لهذا السرد وبناء الهيكل الروائي المرتبط به.
 
تجربة زينب حفني التي إتطلعت عليها لا تعتمد على بناء من التراكيب الغامضة أو الأشكال التجريبية الغارقة فى الرموز والغموض. إن الكاتبة تبدو مطلعة على تراث الرواية العربية ، وأعتقد أنها جيدا ( الباب المفتوح ) للطيفة الزيات حيث أن بطلتها تتشابه في طريقة عرض تجربتها مع ما قدمته ( ليلى ) في عالم غريب تسيطر عليه أنماط النفاق والكذب والهيمنة وإلغاء الآخر.
 
تنسج زينب حفني طريقة مهمة في السرد الروائي بالاعتماد على عدة صور ترسم في النهاية علاقة غادة الطفلة بعالمها الطفولي وصدمة الاكتشاف الأولى وطبيعة العلاقات التي أدت إلى طلاق أمها وحدوث الانهيار الذي كان وراء حياة أصابها هذا الشرخ.
 
وتكتب حفني بطريقة مدهشة تسقط الرموز بعيداً وتتحدث عن واقع تمثل في خدش الطفولة الذي تم على يد خادم يمنى كان يقيم مع العائلة.وتترك الرواية هذه الصفحة ونرى غادة طالبة بالجامعة تبحث عن الوعي الخاص بها في محيط ترسمه ببلاغة شديدة ، حيث تتداخل الثروة مع طبيعة مجتمع مغلق شديد المحافظة.
 
تسعى الكاتبة من خلال الحدث الاقتراب من مجتمع يعيش ازدواجية واضحة بين محافظة شديدة للغاية ومظاهر لحياة أخرى تجرى في السر ,يتم في قلبها مثلما يحدث في أي مجتمع أخر من انحراف وتورط في الرذيلة ونساء تبيع جسدها من أجل المال. أن القانون الثابت يعمل ، لكن في السر وخلف الأبواب المغلقة.
 
تكشف الروائية عبر أحداث عملها الفني حكاية صديقتها نشوة التي تزوجت طمعا في المال ,ثم ضحك عليها شاب واستولى على ثروة كانت حصلت عليها من زوجها المتوفى. ووجدت نشوة نفسها تتعرف على الحياة السرية للمجتمع حيث الصفقات والنساء والعلاقات غير الشرعية !
تكتب حفني ,حكاية نشوة بشكل مدهش ,يرسم صورة للحقائق في إطار دوافع الحصول على المال والثروة ,وطرق تملُك النساء عبر هذا الطريق.وتقدم الروائية الأحداث من خلال نموها المستمر عبر وعي غادة التي تشكل محور العمل كله والتي تلتحق بالعمل بصحيفة يومية.
 
وتتحدث عبر الأحداث عن طبيعة العلاقات وهيمنة الرجال على النساء وما يجرى من إغواء و صفقات في هذا المجال . وأعتقد أن الرواية هي الأولى التي تكشف عن طبيعة العلاقات داخل المؤسسات الصحفية السعودية. وكان للأدب المصري على يد فتحي غانم كشف هذه الحكايات في عمله المبكر ( الرجل الذي فقد ظله ) ثم الرواية الأخرى (زينب والعرش ).
 
زينب حفني تدخل بنا أروقة الصحافة السعودية في رصد لعلاقات ومظاهر وأنماط سلوك. تقدم الرواية المثقف طلال السعدي الذي تعلم في الغرب لكن الداخل لا يزال يعانى من ضغط التقاليد والموروث الثقافي عليه . وتكشف الرواية ضعف هذا النوع من المثقفين والتناقضات التي يعيشون بداخلها بين أسلوب حر مفتوح ، وأخر يفضل السرية في نفاق واضح. وعند أول صدام بين طلال والقوة المحافظة نتيجة نشر قصيدة تتحدث عن حرية المرأة يقرر الهجرة في ضعف واضح وهزيل. أما غادة فهي أكثر قوة رغم شرخ الطفولة وخبرات قاسية تعلمت منها الدرس في المقاومة والصمود. ويبدو الحل في نهاية طريق الآلام هو الزواج من كاتب قصة يدعى ناصر العامر حيث يبدو الأكثر توازناً وثقة من الشاعر الذي يهرب عند أول مواجهة! .
 
تعطي رواية (لم أعد أبكى ) لزينب حفني ثقة شديدة في طيار رواية سعودية يكشف عن نفسه بلغة قوية وإصرار على الإيقاع الروائي الذي يراعى ضوابط العمل الأدبي وينحاز إليها.
 
لقد استمتعت للغاية بهذه الرواية لكاتبة سعودية نمت أدوات تعبيرها في عمل أدبي متكامل يثير العواصف بسبب الجرأة التي تكشف عن مهارة في القص الروائي ,تستخدم الحدث والأجواء المحيطة به.
 
إن أهمية العمل الروائي في نضج أداواته. وقد شعرت بالكاتبة تحكي بصدق مدهش لأجواء الحياة السعودية المسكوت عنها من خلال عيون امرأة ورصدها لظواهر اجتماعية خصوصا وجود الخدم في المنازل. وقد عالج الروائيون المصريون هذه الظاهرة في أعمالهم .
 
وهذه الرواية مهمة للغاية بعد مرحلة بدأت في ازدهار هذا الفن ونشره بالخارج خصوصا لندن والتي تعد عاصمة للنشر والتوزيع للأعمال الروائية المرموقة .
 
وتدشن الكاتبة نفسها في عمل متكامل ورغم أن الرسالة الأخيرة لطلال إلى غادة قبل رحيله تعد منفصلة عن التطور الروائي ، غير أن طبيعة الشخصية الهروبية أدت إلى هذا التصرف . وكنت أفضل أن تلحق الرسالة بحدث داخلي في نمو طبيعي لفصول الرواية .
 
تدشن الرواية لغة خاصة بها ، اعتمدت على صراحة السرد والحديث بلا خوف في تسجيل عمل روائي يرتبط بالكاتبة وتجربتها المثيرة التي انتهت بهذا الإبداع الفني والجميل والراقي أيضا.
هذه الرواية وغيرها من الروايات المنشورة في لندن ممنوعة من التداول في السعودية!.
 
﴿﴾
 

عاد الربيع مواقع أدباء.. »

﴿ رواية ملامح.. زينب حفني ﴾
قراءة في كتاب [1]

26 أبريل 2007 م
لميعة عباس عمارة
( الشاعرة العراقية )

 

الكتاب الأول هو: الخزنوية، خداع وتضليل، لمؤلفه عبدالله بن عبدالعزيز الجزيري.

عنوان الكتاب اغراني من أول نظرة له، قلبت الكتاب ورددته إلى الرف، بعد عدة ايام كنت في المكتبة وكنت اريد اي كتاب أقرأه لأن يدي خاليتين ذلك اليوم. ذهبت إلى كتابي وأخذته، ودفعت قيمته وخرجت.
الكتاب يتحدث عن طائفة تحسب من الإسلام تنتسب إلى [الملاّ] أحمد وابنه محمد الخزنوي. مؤلف الكتاب ذكر في مقدمته أنه قد شرب من خرافات هذه الجماعة وأكل حتى أن منّ الله عليه بالفكر السليم والعقل المتزن، كان من اتباع هذه الطائفة، وهي طائفة نمت وترعرعت في في الشمال الشرقي من سوريا على الحدود التركية.اتباع هذه الطائفة أغلبهم من الجهلة والعامة من البشر، يقدمون ولائهم لشيخهم على من سواه من البشر، لديهم بدع وخرافات ومعتقدات يشيب لها المسلم عند سماعها، اعتقادهم ان الشيخ يعلم كل شيء، يعلم مافي الصدور ومافي الأرحام، يعلم ماهو قادم وماهو ماضٍ. يعتقدون أيضا أن الشيخ هو المدبر في هذا الكون، كل شيء بإرادته، مرض الشخص بسبب معصية الشيخ، ومعافاة الشخص بسبب طاعة الشيخ. لديهم عبادة القبور واعتقاد النفع والضر فيها. يحرص مشايخ هذه الطائفة على بقاء اتباعهم على الجهل، العلم عندهم هو اتباع الشيخ وطاعته. منتشر لديهم الزنى وخاصة في مشايخهم، واللواط بينهم وقد ذكر في الكتاب بعضاً من الأبيات في التغزل في المردان. خداع وتضليل للبشر، واعتقادات فاسدة. بقي أن أقول أن الخزنوية من نتاج النقشبندية والنقشبندية من الصوفية.
اسم الكتاب: الخزنوية، خداع وتضليل.
مؤلفه: عبدالله بن عبدالعزيز الجزيري.
الطبعة: الثانية 2007م-1428هـ [لم يكتب فيه دار النشر].
عدد صفحاته: 197 صفحة. من الحجم المتوسط.
سعره: 8 ريالات
 

الكتاب الثاني: كشكول طالب ثانوي.. محمد الهويمل.

رددت كثيراً قبل أن اكتب حول هذه الرواية.. ولكني في النهاية قررت أن أكتب، لا لشيء وإنما الرغبة في الكتابة عما أقرأ ولكي يعرف من يريد الاقتناء مايقتني.. لا أود الإطالة في هذه الرواية. ماذا تتحدث عنه هذه الرواية؟ إنه بكل بساطه عن الجنس. من أول سطر فيها وحتى آخر سطر كله عن الجنس وحول الجنس. قسمت الكاتبة حياة فتاة الرواية إلى قسمين، قبل المفكر وبعد المفكر. فحياة ماقبل المفكر هي قبل ان تتعرف على المفكر وتقيم معه العلاقات الجنسية المختلفة بجميع الطرق. وحياة مابعده هي حياة التعرف على المفكر وعلاقتها معه. الرواية كما قلت جنسية بحتة فيها اقتباسات متعددة من كتب الجنس القديمة كرجوع الشيخ إلى صباه وكتاب روضة العاطر وغيرها. الفتاة دائما تقرأ في كتب الجنس القديمة. تستطيع ان تسميها باحثة جنسية. لا اريد ان اسرد مختصراً لقصة الرواية، لأنه وحسب قراءتي ورأيي ان الرواية كتبت لأجل الجنس فقط لم تركز الكاتبة على القصة. ذكرت فيها بعض اساليب وطباع المجتمعات العربية والغربية. اعتقد أن الرواية يجب ان ترفع عن ايدي القاصرين والمراهقين لصراحتها الجنسية . الكتاب : برهان العسل.
المؤلف: سلوى النعيمي.
الطبعة: رياض الريس.
الصفحات: 150 صفحة.
السعر: 22 ريال تقريباً
 

الكتاب الرابع: رواية الآخرون.. صبا الحرز

رواية سعودية جريئة، ظهرت مؤخراً ضمن الروايات السعودية الأخيرة. أجواء هذه الرواية أجواء غائمة، رواية تتحدث عن قصة او بالأصح قصص فتيات مثليات، وعرض لمشاكلهن ونحوها.. لغة الرواية قوية جداً وهي ما جعل البعض يحجم عن ذكر الرواية بصفة التفاهة. الرواية تتحدث في أجواء شيعية في السعودية وتحديداً في القطيف. تجرأت الرواية وتحدثت عن المثليات في السعودية وبعض علاقات الرجال، وتحدثت أيضا عن أحداث القطيف في عام 1400هـ وكيف قمع الشيعة في السعودية. ولم تتطرق لأفعالهم التي بسببها قمعوا ولا عن مقاصدهم فيها. عموماً الرواية كما قال الدكتور عبدالله الغذامي تتلخص في ماذكر في الغلاف الاخير للرواية. لا أود الإطالة فالرواية لاتستحق الكثير -في نظري- من الكلام.
الكتاب: الآخرون.
المؤلف: صبا الحرز.
الطباعة:دار الساقي
الصفحات:287 صفحة.
السعر:30 ريالاً.
 

الكتاب الخامس: رواية سعوديات.. سارة العليوي

وصلتني هذه الرواية ضمن طلبية طلبتها من موقع أدب وفن، قرأتها وأجبرت نفسي على إتمامها لأني أكره أن اترك بقية من الكتاب لم تقرأ. الرواية مثلها مثل (بنات الرياض) تتحدث عن الأجواء النسائية الراقية البرجوازية في السعودية. مغامرات فتيات وشباب داخل وخارج السعودية. لغة الرواية كبنات الرياض، يتخللها الكثير من العامّيّة. تتحدث عن بعض المشاكل بين الفتيات، وكيف تقضي الفتيات الإجازة في اوروبا.. عموماً الرواية ضعيفة البنية والمعني، لاتستحق بعض الوقت لقرائتها.
الكتاب: سعوديات.
المؤلف: سارة العليوي.
الطبعة:فراديس للنشر والتوزيع.
الصفحات: 304 صفحة.
السعر:37 ريالاً.
 

الكتاب السادس: رواية ملامح.. زينب حفني.

رواية صغيرة نوعاً ما، تصور [بعض] بدايات رجال الأعمال.. او المشاهير.. تصور انسلاخ الإنسانية من بعض البشر،، تصور كذب ونفاق وتملق من يدعي ويتمثل النزاهة من [بعض] مشاهير الشاشات.. قصة الرواية ذلك التاجر الذي بدأت تجارته من دياثته.. من نوم زوجته مع من يقدم له الخدمة والتسهيلات والترقيات.. اسلوب الرواية جيد، ولغتها جميلة سلسة.. حبكتها رائعة.. ليست بتلك الرواية التي أنصح بقرائتها ولكن لابأس بها.. فكرتها جديدة وجيدة نوعاً ما.. قد تستحق القراءة.
الكتاب: ملامح.
المؤلف: زينب حفني.
الطبعة: دار الساقي.
الصفحات: 160 صفحة.
السعر:20 ريالاً.
 

﴿ لماذا تثير الرواية النسائية العربية كل هذا الضجيج..؟ رواية »ملامح«..﴾

كسر المحظور وكشف المستور
1 مايو 2007 م

محيي المسعودي

 
لماذا تثير الرواية النسائية العربية كل هذا الضجيج..؟ رواية »ملامح«.. كسر المحظور وكشف المستور بصوت نسائي تمرد على بيت الطاعة .
 
ما الذي جعل من رواية »ملامح« للسعودية زينب حفني أن تحدث وقعاً مدوياً بين الأوساط الثقافية والاجتماعية العربية? وما الذي دفع ب »الرواية« أن تكون مطلوبة للقراءة بإلحاح ورغبة من قبل المجتمع? قبل الإجابة عن هذا السؤال تجدر الإشارة إلى أن حفني لم تكن الوحيدة التي كتبت بهذا الأسلوب وأثارت الضجة حول كتاباتها بل هناك مجموعة من الروائيات والقاصات العربيات اللواتي زامنّ حفني أو سبقنها في هذا الكتابة نذكر منهن عالية ممدوح وليلى العثمان وأحلام مستغانمي ورجاء عبدالله الصانع صاحبة رواية بنات الرياض – تلك الرواية التي أحدثت الوقع الأكبر لدى القراء والساسة معاً ولكي نحدد الإجابة على السؤال السابق تجدر الإشارة مرة ثانية إلى أن الكاتبات العربيات هن أكثر إثارة من الكتاب بسبب النظرة السائدة في المجتمع العربي حول المرأة ، على اعتبارها – حرم الرجل وشرفه »أي ملكه« – وليس شريكته التي لا تقل إنسانية وفعلاً عنه والتي لا يجب أن تقل حريتها وحقوقها عن حقوقه.. وبسبب هذه النظرة التراكمية حول المرأة ، أصبحت أشبه بالتابو لا يجوز فتحه ومعرفة أشيائه وأسراره وبالتالي لا يحق للمرأة الحديث فكيف وهي تتحدث عن تابو أشد حرمة وسرية ألا وهو – الجنس – من هنا تظهر ملامح الإجابة على السؤال ويبدو مبرراً إقبال القراء على ما تكتبه المرأة حول ذاتها وعلاقتها بالرجل والمجتمع.. وإذا كان حال المرأة العربية بشكل عام هو على هذه الشاكلة فإن حال المرأة الخليجية والسعودية خاصة أكثر تعقيداً وقدسية وان مجرد المرور عليه في الأمور العامة يجب أن يكون مروراً حذراً يتجنب خصوصيتها وفي ظل هذه الحال للمرأة الخليجية ومجتمعها المغلق عليها باتت الصورة الحقيقية لتلك المجتمعات مغيبة – قسراً – وغابت عن المشهد مشاكل ومشاعر ولواعج وأفكار وسلوكيات المرأة التي تشكل نصف مجتمعها في كل شيء إلا في الظهور للعيان والتعبير عن ذاتها – إذاً الكتابة النسوية – أي كتابة المرأة عن نفسها ومجتمعها هو أول الأسباب التي صبت في نجاح رواية »ملامح« للروائية زينب حفني.. السبب الثاني هو مجتمعها أي المجتمع الخليجي – السعودي – الذي يثير الحديث عنه شهية القراء والفضوليين لمعرفته والوقوف على أسراره وخفاياه خاصة وان البعض من العاملين العرب عايش ذلك الواقع الاجتماعي وعرف عنه الكثير ولكن الخطاب العام ينكر كل ما هو مخالف لعاداته وتقاليده.. والسبب الثالث وهو الأهم ليس على مستوى مجتمعات الخليج بل على مستوى العالم اجمع – ويتمثل بالكتابة التي تتخذ من السيرة الذاتية شكلاً أو مضموناً, أسلوبا لها.. ولو عدنا إلى رواية »ملامح« سوف نرى هذه الأسباب حاضرة أولها إن الرواية كتب اغلبها بضمير – الأنا – الأنثوي ناهيك عن الروائية نفسيها والتي تشكل الأنا الأعلى ونلمس في الرواية خصوصية المجتمع السعودي وبعض تفاصيل حياته الرئيسة, نعرف طبقاته الاجتماعية من الفقراء وحتى الأثرياء.. نعرف نواميس العلاقة الاجتماعية والأسرية التي لا تختلف كثيراً عما في المجتمعات العربية وخاصة علاقة ابوي ثريا – بطلة الرواية – ندرك إن المجتمع السعودي مثله مثل كل المجتمعات العربية – تقريباً – في التقاليد والعادات والسلوكيات.. ومثله مثل كل مجتمعات الدنيا في قضاياه الإنسانية من حب وكره وفقر وغنى وكذب وصدق وسمو ووضاعة وغيرها من الثنائيات.. اذن ما الذي جاءت به الروائية حتى أحدثت كل هذا الدوي بروايتها و»ملامح«?… نستطيع أن نختزل الإجابة بعبارة – كسر المحظور – على جميع المستويات وكسر المحظور يعني كشف المستور وتجاوزه على مستوى الأحداث والوقائع السرية وعلى مستوى الذات التي قامت بهذا العمل – أي المرأة الكاتبة- التي يعتبر حديثها في أمور اقل خطورة ممنوعاً ومحرماً اجتماعياً ودينياً, هذه هي عقدة موضوع كتابة الرواية وتداعياتها في الأوساط الاجتماعية والثقافية والفكرية وهذا ما جعل منها محطاً للاهتمام الكبير, أما عقدة موضوع الحدث أي عقدة النص فتتمثل في كشف »الشذوذ الجنسي والاجتماعي« في مجتمع محافظ لم تعرف به تلك السلوكيات كممارسة أو كظاهرة يتم الحديث عنها بشكل صريح ومباشر . نقطة انطلاق الشذوذ الاجتماعي – كما يصفه ذلك المجتمع – بدأت من أول الرواية متمثلة بثريا – الفتاة المراهقة التي تعيش في أسرة – شبه فقيرة وبينما نجد أسرتها راضية بواقعها ومتعففة بعلاقاتها, تظهر لنا تلك الفتاة طموحة جداً في النظر إلى حريتها, وإشباع غرائزها الجسدية والحصول على حاجياتها المادية ونلمس هوسها لبلوغ الثراء وازدرائها للحياة المستكينة المحدودة الموارد والحريات, ومع أن اللاوعي لدى ثريا مستسلم للقدر والتقاليد إلا إنها لا تريد هذا القدر وهي تسعى إلى تحقيق رغباتها من وراء ظهر المجتمع – في السر – على الأقل في البداية عندما ذهبت مع صديقتها نور لتلتقي بفؤاد وتتذوق معه طعم الشهوة الأنثوية ويظل اللاوعي مؤمناً بأن السرية هي الباب الوحيد لبلوغ الغايات. وهذا ما يمكن تحقيقه في مجتمع محافظ.. وينتقل الشذوذ الاجتماعي إلى الرجل حين يوافق زوجها حسين على ان تكون طريقه لبلوغ مناصب أعلى في وظيفته ومن ثم في أعماله التجارية.. هذا السلوك الاجتماعي من قبل ثريا وزوجها حسين حطم المنظومة الأخلاقية الاجتماعية لمجتمع يرى أن هذا السلوك سقوط أخلاقي اجتماعي في غابة القبح والحرام والوضاعة, وهو على أية حال – مرفوض في كل المجتمعات الإنسانية وان وجد في بعضها مكشوفاً ولكنه في مجتمع ثريا لا يسمح بكشفه.. وتشكل حياة ثريا وحسين محوراً تدور حوله الأحداث الأخرى التي تكشف صورا وحالات اجتماعية متباينة ومختلفة ولكن الرواية لا تقدم صورة مكتملة للفضيلة في كل الأحداث.. حتى مع فؤاد الذي مثل صورة اقل بشاعة فقد كان يخون زوجته التي يحبها ويحترمها حد التقديس خانها مع صديقة شبابه ثريا التي لم يكرهها طوال حياته.. وظلت الأحداث تدور حول حيوات الشخصيات التي تحيط بثريا وحسين وقدمت الرواية أنواعا من السلوك الاجتماعي المستهجن والمرفوض كالعلاقة المثلية بين النساء وصورت الرواية تفاصيل هذه العلاقة وحاولت تقديم الأسباب التي كانت وراءها عندما تعرضت للعلاقة بين ثريا وهند والأخيرة عندما كشفت عن علاقتها مع صديقتها إقبال منذ أيام الثانوية وهكذا دخلت الرواية في عالم المثليات, هذا العالم الذي يثير شهية القراء لكشف تفاصيله وأحداثه وأسراره.. وقدمت الرواية الفناء الخلفي للمجتمع ذلك الفناء الغرائبي المليء بالتجاوزات دون أن تعير اهتماماً يذكر للجوانب الطبيعية والحالات السليمة فيه.. وقد اتخذت الرواية الجانب الذاتي – الفردي – في حديثها عن الحياة وتفاصيلها حتى كأنك وأنت تقرأ أمام اعترافات أو سير لنساء ورجال هم غير سويين وأكدت الروائية هذا الجانب من خلال ضمير المتكلم الذي تقمصت به كل شخصياتها وجعلتهم يتحدثون عن حيواتهم بأسلوب لا يترك لك إلا تصديقهم.. وثمة إشارة تركتها الكاتبة من خلال الأسماء والأحداث تقود القارئ الواعي إلى أن أحداث الرواية وقعت بين شرائح اجتماعية ذات لون واحد ومتقاربة في الاعتقادات أو ربما ثقافة الروائية وخلفيتها الاجتماعية هي من ترك تلك الإشارة دون قصد أو حال حقيقية.
 
﴿﴾
 

﴿ صحيفة الجزيرة ﴾

﴿ الملحق الثقافي ﴾
مساقات

الاثنين 25 يونيو 2007 م
الشاعر الناقد الدكتور / عبد الله الفَيْفي *
( عضو مجلس الشورى السعودي )

 
الضجّة التي تثار حول عملٍ ما تَرْفَع عادةً سقف التوقّعات لدى المتلقّي، بفضولٍ، أو بحسّ مسؤوليّةٍ نقديّة، كي يَحْكُم على العمل عن بيّنة. وكثيرًا ما يتكشّف النَّقْع عن قَدْر من العاطفيّة، تَحْكُم المواقف الثقافيّة العربيّة، كما تَحْكُم المواقف السياسيّة العربيّة، مع أو ضِدّ. إذ يكفي أن يُرفع شعارٌ ما لينساق وراءه قطاعٌ من جماعة (مع أو ضِدّ)، دون أن يعلموا مع مَن وضِدّ مَن؟ يكفي أن تُثار مثلاً شُبهة دينيّة أو أخلاقيّة في عملٍ، ليصطفّ أُناسٌ ضدّ ذلك العمل، وضِدّ صاحبه، بل قد يندفع منهم من يندفع إلى الفعل لا القول فقط، وعندئذٍ تقع الواقعة! كما يكفي أن يُرفع شِعار (مع المرأة) من وراء عملٍ، لتقف كثيراتٌ تأييدًا للعمل وصاحبه، وشجبًا لخصومهما! وهكذا تجري الأمور في أعنّنتها غالبًا، دون أن يُقرأ العمل، فمَن لديه الوقت هنا للقراءة؟ وإذا كان قد قرأ العملَ من نثق به ونأتمّ، فذاك يكفي! تلك عاداتنا وتقاليدنا الثقافيّة، وبها تضيع الحقوق الثقافيّة، كما تضيع بعض الحقوق الاجتماعيّة. بل تضيع حقوق الكُتّاب أنفسهم في أن يُقرؤوا بما لهم وما عليهم، حين يقابَلون فقط بالإقصاء المطلق أو التطبيل! ويصدُق هذا على كثير من الأعمال والأعلام، ومنها رواية (ملامح) للكاتبة زينب حفني. التي لم يقف انتقادها أحيانًا عند حدود النصّ، بل تعدّاه إلى الشخص، وكأنّ قبولنا أو رفضنا يتقرّر كذلك على مرتكزات النَّسَب والأصل والفصل! مِن حق القارئ أن يختلف مع نهج الكاتبة في الإلحاح مثلاً على تفاصيل العلاقات العاطفيّة النابية عن الذوق الاجتماعي، وباعترافها هي، وفي المجاهرة بأدقّ الجزئيات، مما لا يقتضيه لا العمل الروائي، ولا البُعد الاجتماعي الذي حاولتْ أن تكشف خباياه. فلقد كان بإمكانها أن تقول كل ما شاءت دون حاجة إلى شرح ما لا يحتاج إلى شرح، والإمعان في عرض ما يُغْني الحال فيه عن المقال. مِن حقّ القارئ أن يسأل: لماذا؟ وهل الرواية لا تنبني إلا بمصادرة الذوق الأدبيّ والفطرة الاجتماعيّة السليمة، التي تنبو عن كشف السوءات، أو تطبيع النفوس على تقبّل ذلك بصدر رحب؟ ثم هل يخدم ذلك الأهداف النبيلة التي تُعلنها الكاتبةُ على الملأ، أم يتناقض معها، بحيث يُصبح جزءًا من الدعوة إلى ما تقول في نهاية المطاف إنها إنما أرادت التوعية به والتنفير منه؟ ولمَنْ يكتب الراوائيّ؟ أليس إلى أولئك الجماهير الذين رأينا حالهم؟ فأنّى لهم إذن أن يستنبطوا تلك المرامي الدلالية البعيدة التي وُظّفت التفاصيل الخادشة، بل الجارحة للحياء، من أجل بلوغها؟ ألا يرى الروائيّ أن سواد قُرّائه: مراهق، وغِرّ، وذو وعي متواضع، وليسوا من صفوة الفلاسفة والنقّاد الاجتماعيّين، ليكاشفهم بكل ما يحدث في قاع المجتمع وغرفه المغلقة؟ أم هل الهوس بإثارة ردّات الفعل الاجتماعيّة والإعلاميّة – من جهة أخرى – يشفع للعمل في مصادمته الناس؟ إن الحقّ – وهو حقٌّ – لا يتأتّى إلى دحر الباطل إلا بالتدرّج واللِّين. والتوصّلُ إلى الإصلاح لا يكون إلا بعقلانيّة، لا بتطرّف لتطرّف مضادّ، أو بإنكار منكر بطريقة أكثر نُكرًا، وقد تؤدّي إلى أنكر! ما هكذا تورد الإبل، وإلاّ فستجني على نفسها – قبل سواها – براقش .
 
على أن بعض الكتابات النسويّة قد تنساق إلى عكس ما تدعو إليه أيضًا، وبمكر المجتمع الذكوريّ نفسه، الذي تُظهر الثورة عليه. ومن ثَمّ تُقدّم من خلال نصوصها أسوأ صورة يمكن أن تَقْبَلها المرأة نفسها عن نفسها، إذ تَظْهَر بلا عقل، ولا ضمير، ولا وعي، ولا إنسانية! وهذا ما تقع فيه بعض أعمال حفني، وتحديدًا روايتها (ملامح). إذ بتخطّي مشروعيّة توظيف العمل الأدبيّ لبثّ هواجس خطاب إيديولوجي – يتعلّق هنا بالنسويّة، مع ما يجنيه الحماس لذلك الخطاب من استباحة كل وسيلة في سبيله، بما في ذلك تعظيم الصغائر وتصغير العظائم، كأيّ خطاب ثوريّ – فإنه يتبدّى من وراء الأكمة أن النصّ لا يخدم رسالته النبيلة التي يُعلنها؛ من حيث رَسَم للبطلة (ثُريّا) أبشع صورة لكائن إنسانيّ على الإطلاق، لا من الناحية الأخلاقية فحسب، ولكن من الناحية الذهنيّة كذلك! وفي ذلك أكبر تشويه لعقليّة المرأة وشخصيّتها! فلقد صُوّرت ثُريّا ضحيّةً سهلة لأطماعها، ثم لأطماع زوجها (حسين) واستغلاله إيّاها. إلا أنها ظلّتْ مستسلمة لهذا القَدَر إلى الرمق الأخير. ظلّت منقادة لأهوائها، وأطماعها، وغرائزها، وابتذال نفسها، بإصرار عجيب، حتى ماتت في وضعٍ مُزْرٍ. لم يستيقظ ضميرها، ولم يشبع نهمها في الملذّات، حتى بعد أن استغنت، بل جعلتْ توظّف أموالها وخبراتها في المزيد من اكتشاف ما لم تكتشف وتذوّق ما لم تذق، أو حسب قولها: (التنقّل كالفراشات بين الحدائق!) ((2006)، ملامح، (بيروت: دار الساقي)، ص148). مما ينفي مصداقية كونها ضحيّة فقر، أو ضحيّة مجتمع؛ كيف وقد ظلّت على وتيرة متصاعدة في هذا الاتجاه؟ قبل الزواج، وبعد الزواج، وقبل الطلاق وبعد الطلاق، وقبل الغنى وتحقيق الأحلام وبعد الغنى وتحقيق الأحلام، وفي داخل المجتمع المحلي وفي خارجه، وإلى نهايتها المحتومة! على حين استيقظ ضمير الرجل، زوجها حسين، فتغيّر وتبدّل، وتاب، بل كان يبكي ويعاني حتى خلال تجربتهما كزوجين. وكذلك جاءت شخصية (فؤاد) – خليل (ثُريّا) – الذي استيقظ أخيرًا، وتغيّر خطابه، وأخذ يتحدث عن الأسرة وينصح ثُريّا. (ص 152). فماذا هذا الذي فعلته الكاتبة بالمرأة من خلال نموذج ثُريّا؟! ولقد كان الرجل هو الذي يبدأ لُغة العقل، والقِيَم، مهما طال به المطال، في حين تبقى المرأة – كما تصوّر الراوية نموذجها – مسلوبة الإرادة، والشخصيّة، والتفكير. هي عدوّة نفسها قبل غيرها! فهل حقًّا المرأة بتلك الصورة الشيطانيّة، أو الواهية المريضة؟ كلاّ! لكن حفني نفسها لم تستطع أن تخرج بوعيها عن القاموس الاجتماعي والبيئويّ الذكوري – وهي صنيعته – في تصوّره المرأة وتصويرها، شخصيةً شهرزاديّة، تتخذ الإغواء سلاحًا. بل إن شخصية ثُريّا لأسوأ من ذلك؛ إذ لم يَعُد الإغواء لديها وسيلة، بل صار غاية لغايات، وبات معيار الحريّة التعرّي! وهي تعترف – وقد فشلت في أن تكون ابنة وفيّة، أو أمًّا حانية، أو زوجًا صالحة – قائلة: (إنني أُمٌّ أنانيّة، لم تترك ولو حصّة ضئيلة لطفلها، لكنني أعود فأضع اللوم على زوجي الذي استخدمني وسيلة لتحقيق مآربه. ثم أسأل نفسي بخُبث متعمّد: تُرَى هل كان سينجح في قيادتي لو لم أكن مطيّة سهلة؟!) (ص123). وهي محاكمة عادلة، المُدانة فيها ثُريّا، ومن ورائها بنات حوّاء! محاكمة عادلة حسب الواقع المعطَى في الرواية، لا الواقع الاجتماعيّ الحقيقيّ، بدليل أن النصّ يعرض نماذج نسائيّة، (كأُمّ ثُريّا، وعمّة حسين)، عاشت واقع الفقر والضغوط الاجتماعية، الأشد مما عاشته ثُريّا، ولم تؤدّ بهنّ تلك الظروف إلى ما برّرته الكاتبة لبطلتها من سلوكيّات تارة وأدانتها فيه تارة. وعليه، فبسقوط ذريعة الفقر عن ثُريّا، وذريعة الكبت الاجتماعي، يظهر أنها شخصيّة مريضة شاذّة، لأسباب غير تلك التي تذرّعت الكاتبة بها، وبالغتْ في دافعيّتها، كي تُسقط عليها خطابها في إدانة المجتمع اقتصاديًّا وتربويًّا. ونمط شخصية ثُريّا يمكن أن يوجد في مختلف المجتمعات، وفي أكثرها مناقضة لتلك العوامل التي اتّكأت عليها الكاتبة لتسويغ شخصيّة البطلة. ممّا يعني أن النصّ قد اتجه إلى انتقاء شريحة إنسانيّة، وافتعل تضخيمها، بهدف وَصْم المجتمع كله بها، وعَزْوِ حالاتها إلى سلبيّات نظامه العام . تلك هي الثغرات (التكنيكيّة) التي جعلت (ملامح) تبدو على المستوى الثقافي تسير بعكس الاتجاه الذي أعلنتْ الاتّجاه إليه، ولاسيما من خلال تصريحات المؤلّفة، التي تُنبئ إجمالاً عن مقاصد حسنة. أمّا على مستوى البناء الفنّي، فعلى الرغم من طريقة الكاتبة في تكرار الحكاية على لسان كل شخصية – وكأننا إزاء مرايا متجاورة، تُرى فيها الشخصية من زاويتها الذاتيّة وزوايا شركائها؛ إذ جعلتْ لقصة كل شخصية فصلاً، ما أورث العمل درجة من الرتوبة، نظرًا لعود القارئ على بدء بين حين وآخر – بالرغم من ذلك، فالحق أن الكاتبة كانت بارعة ومؤثرة كثيرًا في وصف مشاهد الصراع النفسي والظروف البيئيّة للشخوص، وبخاصّة شخصيّة حسين. وإن كانت غالبًا ما تُلقي على ألسنة الشخوص من المقولات الفلسفيّة – التي تمثّل صوت المؤلّفة نفسها لا أصواتهم – ما لا يتناسب والبنية الذهنيّة لتلك الشخوص .
 
ومع ثغرات لغويّة غير يسيرة في العمل، فإنه يُحسب للكاتبة أيضًا تمسّكها بلغة عربية جيّدة في السرد، وعدم تنازلها – كغيرها – عن الفصحى للعاميّة في الحوار.
 
﴿﴾
 

﴿ الذات والهوية في كتابات الروائيات العربيات ﴾

3 سبتمبر 2007 م

حسن الأشرف
( صحفي مغربي مهتم بالشأن الثقافي )

 
علن الأستاذ والناقد المغربي محمد معتصم منذ بداية كتابه الصادر قبل أسابيع عن دار الأمان للنشر والتوزيع بالمغرب “بناء الحكاية والشخصية في الخطاب الروائي النسائي العربي” أن المقصود من الحكاية في الكتاب ليست “الخرافة” أو قصة تقوم على البعد العجائبي أو الغرائبي، ولكنها إجراء يميز بين القصة (مادة الحكي) وبين القصة كنوع أدبي له أصوله وفروعه المتعددة، ويتميز عن “المحكي” كمظهر سردي للقصة.
 
ويميز معتصم في مقدمة كتابه بين الكتابة النسائية والكتابة النسوية؛ فالكتابة النسائية تدل على الكتابة التي تبدعها المرأة عموما، أما الكتابة النسوية فترتبط بنوع خاص من الكتابة، “تلك التي تنبع من خلفية أيديولوجية، وتنصب المرأة الكاتبة فيها نفسها مدافعا عن حقوق المرأة، كاشفة عن المواقف المعادية لها في ميادين مختلفة”.
 

“الذات والهوية “

يتطرق المؤلف لعنصري الذات والهوية في كتابات بعض الروائيات العربيات المعاصرات لإبراز أن المرأة الكاتبة تنطلق في كتابتها من قضية مركزية ذاتية أولا، ويمكن نعتها بالشخصية، كالهموم الصغيرة المرتبطة بالحاجيات الضرورية في الحياة، وأنها لا تكتب بدون قصد أو هدف، فمن أهم مقاصدها في الكتابة مساءلة الذات ليس في عزلتها بل في أتون الحياة.
 
في السياق ذاته، يعتبر معتصم أن المرأة الكاتبة تسائل الوجود من موقع المتهم حينا وهو يدافع عن نفسه، تقول المرأة: “هذه الطبيعة التي جبلت عليها ولا دخل لي في تغييرها خلقيا لكن يمكن تغييرها أدبيا وفكريا وسلوكيا”.
 
كما أنها -أي المرأة الكاتبة- تسائل الوجود من موقع آخر موقع المهاجم، فتحمل المرأة المجتمعات الذكورية المسئولية في تأخر المرأة وبالتالي تأخر المجتمعات العربية.
 

“مريم الحكايا”

ويقوم الناقد المغربي في معرض كتابه بتحليل بناء الحكاية والشخصية في الخطاب الروائي لبعض الروائيات العربيات، ويبدأه برواية الكاتبة السورية “علوية صبح” المعنونة بـ”مريم الحكايا”، حيث اعتبرها رواية تقوم على نمطين من السرد الروائي، “الأول يستند إلى الراوي الواحد المستبد بالسرد والذي يظهر أنه ممسك بتلابيب الحكايات المروية جميعها وتمثله شخصية مريم، والنمط الثاني من السرد يسمح فيه للشخصيات الروائية بالحديث عن نفسها وعن تجاربها في الحياة من زوايا النظر المختلفة”.
 
وتعتبر الرواية من حيث أسلوبها في الكتابة اجتهادًا في التوفيق بين الواقع وبين الكتابة كمتخيل، والالتزام بين هذين النمطين من الوجود في رواية علوية صبح له ما يبرره كسند نظري، فالكتابة والواقع رغم اختلافهما في التجربة وفي حقيقة الوجود، إلا أنهما -يقرر معتصم- من خلال أسلوب وغاية الرواية ومقصديها يلتقيان في “التأثير” و”الوظيفة”، فالتأثير بين الواقع والكتابة يظهر جليا في الرواية في التأثير الشديد بين الشخصيات الروائية والواقع الذي تنقله الرواية، فإذا كان الواقع اللبناني قد شهد حالة من التيه ومن التلاشي ومن التسيب وفقدان التوازن والمنطق والنظام لتوجهات الميلشيات المتناحرة بهدف أو بغيره، فإن الكتابة ومن خلال حالات الشخصيات الروائية تعبر عن الوضعية المأساوية ذاتها وعن الاضطراب والتفكك وعدم الانسجام ذاتهما.
 
يذكر أن رواية “مريم الحكايا” هي الرواية الثانية للكاتبة السورية علوية صبح بعد روايتها الأولى “نوم الأيام” الصادرة سنة 1986، والرواية تقع في 426 صفحة، وصدرت عن دار الآداب ببيروت عام 2002.
 

” حكاية هدى بركات “

في رواية الكاتبة اللبنانية هدى بركات “حارث المياه”، يرى الناقد الأدبي المغربي أن بناء الشخصية عندها يأتي نفسانيا، لهذا تركز الكاتبة على السلوك الخاص للشخصية لأنها تجسد أفكارها ولأنها تتحول داخل الحكاية من حالة إلى أخرى عكس الروايات التي تبني شخصياتها معتمدة على الأحداث والتطور في الأفعال.
 
وقد عمدت الكاتبة -يضيف المؤلف- إلى بناء الحكاية على 3 مستويات مختلفة:
 
ـ خطاب العودة نحو بيروت الذي من خلاله يسرد النص الظروف والملابسات التي رافقت أبطال الرواية إلى المدينة التي قدر لها أن تحيا الاضطراب بعد كل استقرار.
 
ـ خطاب التيه وتوظف فيه الكاتبة تقنيات الخطاب العجائبي أو الغريب، لا يبقى فيه من المعقول سوى القرائن المكية غير اللسانية. وهذا الخطاب اعتبره الناقد المغربي بنية مستقلة يمكن عزلها عن السياق العام واعتبارها فصلا خاصا لتمايزه الخطابي وتركيبه.
 
ـ خطاب العشق: وهو أيضا بنية مستقلة بذاتها، وفيه تمييز بين حال من الانجذاب والخطاب التعليمي التربوي ثم خطاب النهاية.
 
لكن الزمن في الرواية -حسب معتصم- يتخلى عن منطقه الصارم ويتحول إلى زمن داخلي نفسي، ولا يتوسل بالأسباب والذرائع لإقناع المتلقي بل يسعى إلى خلق نوع من الدهشة عنده، ويزج به في حال من التصديق الإيماني بالوقائع.
 
جدير بالذكر أن رواية حارث المياه الصادرة عن دار النهار ببيروت عام 1998 هي الرواية الثالثة لهدى بركات، استحقت عليها “جائزة نجيب محفوظ للأدب الروائي” لعام 2000 منحتها إياها الجامعة الأمريكية في القاهرة، بعد أن رأت لجنة التحكيم بأنها “تجمع بين فتنة الكلمة وعمق المعرفة”.
 

علاقات “مرافئ الوهم”

تبني الروائية الفلسطينية ليلى الأطرش روايتها “مرافئ الوهم” على التقاطع والتداخل بين عدد من العلاقات العاطفية، وتصور حالات رومانسية وتفجر المكبوت من خلال علاقات عاطفية لمجموعة من المثقفين. لكن أهم شيء في هذه العلاقات الخطرة أنها ليست سوى الإطار الذي ضمنه تتم معالجة قضايا جوهرية وعميقة اجتماعيا وفكريا وعاطفيا، أي أن الحكايات ليست سوى مرآة عاكسة تعكس قضايا من قبيل الكتابة النسائية.
 
ومن القضايا التي رصدها محمد معتصم في رواية مرافئ الوهم قضايا الخطاب، كيف نكتب المحكي الاسترجاعي الذي يعتمد على الذاكرة ويستند على السرد المتدفق المسترسل المسكون بالسؤال وبعدم اليقين عكس السرد الذي يعتمد المحكي اليقيني وهو محكي الحاضر في الحكاية الذي لا يقبل بالتأمل بل يقوم على التأكيد والإقرار بالعيني.
 
مرافئ الوهم هي الرواية الأخيرة للكاتبة ليلى الأطرش فلسطينية الأصول والمقيمة حاليا في الأردن، وصدرت هذه الرواية الواقعة في 176 صفحة من الحجم الصغير عن دار الآداب في غشت 2005.. وقد سبق للأطرش أن أصدرت 5 روايات ومجموعة قصصية في بيروت وعمان.
 

الحكاية في “حجر على حجر”

أما في رواية “حجر على حجر” فتعتمد الكاتبة الكويتية فوزية شويش السالم اللعب على الخطاب الروائي من أجل خلق حس جمالي وإبداع متفرد بكتابة الرواية. ومن خصوصيات هذه الرواية التي رصدها كتاب معتصم أنها كتابة طوبوغرافية أو تقوم على المفهوم الطوبوغرافي، أي أن الكاتبة قبل كتابة روايتها ونسج علائق الشخصيات وتحديد الزمان والصيغ وتأهيل البرنامج السردي تبني قواعد وأعمدة لخطابها الروائي، فقد قامت في “حجر على حجر” برحلة استكشافية ووصفية لليمن ووقفت على عادات أهله وتقاليدهم واتخذت من ذلك إطارا لحكايتها المركزية.
 
ولاحظ معتصم في كتابه أن الكاتبة أحجمت عن تجنيس العمل فجاءت الرواية مجردة من كل إشارة، وتصنيفها ضمن الخطاب الروائي ينبع من تركيب الحكاية الكبرى والحكايات الصغرى المتخللة والمصاحبة للحكاية المحورية.
 
على أن الرواية عند فوزية شويش السالم لا تندرج ضمن ما يعرف بالكتابة النسوية المعروفة بعدائها لجنس الرجال والتي تصورهم في خطابها كوحوش بشرية وكمرضى جنسيين، تتحكم فيهم الشهوة الجنسية في كل ميل أو رغبة ونزوع، بل يسجل عند هذه الروائية تقديرا كبيرا للرجل خاصة الزوج. يذكر أن رواية “حجر على حجر” لفوزية شويش السالم صادرة عن دار كنوز الأدبية ببيروت عام 2003.
 

” الحكاية عند هدية حسين “

تقوم الكتابة عند الكاتبة العراقية هدية حسين على أسس واضحة تجلت في رواياتها “بنت الخان” و”ما بعد الحب” وهي أثر حربي الخليج والحصار على الفرد العراقي، والذاكرة كمخزون ثري للحوادث والمشاهد المفزعة والمفرحة في آن، والحب كهدف وملاذ لكنه حب يؤول إلى الفشل.
 
وفي البناء الخارجي لروايتي هدية حسين، يبرز المؤلف أن هناك تواترا وتسلسلا بين الوقائع والأحداث، إلا أن الوقائع التي تعتمدها الكاتبة لا تنحصر في الوقائع النصية المستوحاة من حرب الخليج الأولى والثانية، بل تتجاوزها إلى الوقائع الحكائية التي تولدها الحكاية ذاتها.
 
وإذا كانت الكاتبة -وفق مؤلف معتصم- قد ركزت في روايتيها على التشريح القاسي للأوضاع النفسية والاجتماعية والعاطفية فإنها ليست كلها قصص حب فاشلة بل حكايتها مبنية بناء محكما جماليا، ومتوالياتها السردية متواترة وتسير بانتظام وتسلسل نحو الغاية المثلى والقصد الهادف للخطاب الروائي العراقي المعاصر خارج الوطن وفي المنافي، كما أن هدية حسين لا تهمل شخصياتها بل تعتني بها عناية كبرى وتتبع حالاتهم الداخلية وتصف ما يضطرم في صدورهم من حالات الهلع والقلق دون تجريد هذه الشخصيات من إنسانيتها.
 
تجدر الإشارة إلى أن روايتي “بنت الخان” و”ما بعد الحب” صادرتان عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عامي 2002 و 2003 على التوالي.
 

” تسلسل الحكاية “

دأبت الروائية الفلسطينية سحر خليفة منذ روايتها الأولى على الاهتمام بوضعية المرأة العربية في البلاد العربية المعاصرة. وقد اتخذت سخر خليفة من المرأة العربية مقياسا تقيس به درجة الوعي والتحضر في البلاد العربية، فالرواية عندها ليست حكاية مسلية، وشخصياتها ليست ورقية وأحداثها غير منفصلة عن الواقع؛ واقع الحال العربي وخاصة فلسطين. فهي تكتب رواياتها من منطلق القضية ومن الواقع الحي لذلك لم تأت رواياتها تجريبية في الوقت الذي كانت فيه الرواية العربية محمومة بنزعة التجريبية، فالواقع لدى سحر خليفة يفوق كل تجريب.
 
وفي روايتها “صورة..”، يجد المؤلف أن الكاتبة تبني حكاية قصتها على ما بعد العودة وعلى التاريخ وتقدم العمر والزمان واختلال واختلاف المشارب والتغريب، كما تبنيها على النمط المتسلسل الذي يؤمن بمنطق الترابط والانسجام. لهذا تحرص الكاتبة على وضوح الحكاية وعلى الانسجام بين فصولها والتدرج من البسيط إلى المركب، أي من البداية إلى التنامي المطرد وصولا إلى الذروة والعقدة ثم النزول التدريجي نحو النهاية.
 
ورواية “صورة وأيقونة وعهد قديم” لسحر خليفة صدرت عام 2002 عن دار الآداب في 264 صفحة، وهي رواية تؤرخ للكفاح الوطني الفلسطيني، فتكتب عن تجربة الفلسطينيين في “الداخل” من خلال ثنائية المرأة – الوطن، حيث “لا سبيل إلى تحرير وطن دون رجل حر يعترف بكيانية المرأة دون شروط”.

 

” بناء شخصية زينب “

من النصوص التي اختارت المغامرة والبحث في الوجه الآخر للحياة، وواقع الحال اختار الناقد محمد معتصم رواية “لم أعد أبكي” للأديبة السعودية زينب أحمد حفني، حيث تميل الرواية إلى اللغة البسيطة والبناء غير المتراكب والمعقد، ولا تميل إلى التجريب الذي هيمن على السرد العربي منذ النصف الثاني من القرن المنصرم وتطرح الرواية العديد من الأسئلة وتعتمدها محفزا ومحركا قويا على تطور الأحداث وتنامي الشخصية الروائية ورقيها في الفكر والوعي وتحاور وتصف.
 
رواية “لم أعد أبكي” لزينب حفني صدرت في 159 صفحة عن دار الساقي للطباعة والنشر عام 2004، وزينب حنفي روائية بدأت العمل في الصحافة عام 1987، وكان لها مقال أسبوعي في صحيفة “الشرق الأوسط” على مدى 5 سنوات، من أعمالها: “الرقص على الدفوف”، “هناك أشياء تغيب”، “نساء عند خط الاستواء”.
 

” تعدد المحكي في “المحاكمة”

يأتي كتاب “المحاكمة” نتيجة للمحاكمة التي تعرضت لها الكاتبة الكويتية ليلى العثمان، ولاحظ محمد معتصم أن الناشر قد دون على الغلاف المحدد الأجناسي التالي “رواية”، بينما تعتبرها الكاتبة “مقطعا من سيرة الواقع” والكاتبة تحكي ما حصل لكنها تحكيه ضمن اهتماماتها الحياتية الأخرى كمشاعرها المتضاربة والمتأثرة بما حصل، وكمقروئها الأدبي وسفرها إلى أماكن مختلفة..
 
و”المحاكمة” قرأها المؤلف المغربي على أنها نص سردي يجمع بين خصائص السيرة الذاتية والكتابة الروائية، وهنا مكمن “المحكي الناظم” الذي فيه تحكي الكاتبة لأنها تصرح بأنها هي المتكلم في النص وليس غيرها فهي تريد تقديم “شهادة اعتراف” عما لحق بها من انتهاك لحريتها في التعبير بصدق عما يجيش به قلب العالم الذي تعيش فيه “الكويت” بعد التحرير.
 
وإذا كان المحكي الناظم محصورًا ومحدودًا سرديًّا وزمنيًّا ومكانيًّا، فإن الكاتبة وسعت من فضائه بواسطة المحكيات الضمنية، وقد تراوحت بين محكيات أساسية وأخرى ثانوية مختصرة وطارئة. “المحاكمة” رواية صادرة عن المدى للثقافة والنشر والتوزيع في 240 صفحة عام 2001 .
 
ويقول الناشر على ظهر غلاف الكتاب لإبراز أهميته: “الذي يقرأ روايات ليلى العثمان سرعان ما يدرك أنه إزاء إعادة صياغة (فنية) لقطاعات محددة من واقع معين، ومن يقرأ (محاكمتها) يجد نفسه شاهد عيان لمجريات الواقع المعين حيا نابضا بتواتر أحداثه، من غير رتوش، أو تدخل إبداعي مقصود. (المحاكمة) -ولا نغفل أننا أمام بوح امرأة في زمن يسوده الرجل- يتعرض لظاهرة مصادرة حرية الرأي، بمعنى مصادرة الآخر -الذي هو نحن- لدرجة زجه في السجن، أو تغريمه إثر محاكمته، ومنع كتبه من التداول، نتيجة لقراءة سطحية منحازة للتخلف، بقدر ما هي جاهلة بالإبداع”.
 
يخلص محمد معتصم بعد أن طاف بتحليله النقدي ملامسا بنيات الحكاية في روايات نسائية عربية إلى أن هؤلاء الروائيات اللائي درس رواياتهن في الكتاب يلتقين في القدرة على بناء الحكاية سليمة مقنعة ومؤثرة، مليئة بالمحفزات وخالقة للتوقعات ومنفتحة على آفاق التأويل الرحبة ولها ارتباط وثيق بمرجعها الثقافي والواقعي. وينوي معتصم وهو يختم كتابه بأن يفرد كتابا خاصا بالكاتبات المغاربيات نظرا لتزايد عدد كاتبات الرواية في المغرب العربي، خاصة المغرب والجزائر وتونس وليبيا، وأن يكون خطوة جديدة في استكشاف مقومات كتابية نسائية جديد .

 

الجزيرة الثقافية

﴿ فضاءات ﴾
﴿ الأنوثة المطعونة في قصص زينب أحمد حفني ﴾

الاثنين 19 نوفمبر 2007 م
الدكتور / عبد الله أبو هيف

 
تعد قصص الكاتبة السعودية زينب أحمد حفني (هناك أشياء تغيب) شهادة طيبة على تطور السرد الأنثوي لأسباب كثيرة أذكر منها؛ أولاً دوران المجموعة بكاملها حول موضوع محدد هو حرية جماعتها المغمورة، فلا تزال المرأة عندها تنتمي إلى جماعة مغمورة تعاني وطأة العيش في شرط تاريخي واجتماعي قاهر، وثانيها هو مقدرتها الفنية العالية على صوغ سردي شديد الإيماء ضمن تحفيز واقعي غالباً ما يفلح في إنتاج دلالاته وتثمير غرضه، وثالثها تنوع نماذجها النسائية وتعدد مشكلاتهن، ورابعها ابتعادها عن التماهي السيري أو الذاتي مع نماذجها المقهورة، وخامسها ضبط المنظور السردي وتلوينه بترميز شفيف. تهدي القاصة مجموعتها، على سبيل الترميز اللماح (إليه.. بالرغم من كل شيء (ص 7)، وفي (11) قصة قصيرة حوتها المجموعة، حيث يظهر التوق إلى الحرية لدى نساء في أوضاع مختلفة، وهن واعيات لشرطهن الاجتماعي والإنساني، فتتباين مواقفهن من حال إلى حال، مدركات لمصائرهن المعذبة.
 
تتجه المرأة في القصة التي تحمل عنوان المجموعة (هناك أشياء تغيب) إلى موعدها معه، في مطعم الروشة ببيروت، فقد بعثت له رسالة بالبريد الإلكتروني مبدية رغبتها في جسر من التواصل بينهما، وسرعان ما ينتصب الحاجز: مراودة توكيد الأنوثة وحريتها، وتوكيد الذكورة وقيودها وسطوتها. وهي اللعبة المستمرة في هذا الظرف، وكانت المعادلة الصريحة التي تتبدى في التعرية المتبادلة بينهما، وتعهدها أن يكون الأوحد في حياتها، فهو رجل شرقي الهوى أرفض أن يزاحمني شيء في عواطفي (ص 17)، على أن المرأة ترفض الخنوع في داخلها من جهة، وتعلن قبولاً أنثويا من جهة أخرى.
 
تتناول القصة، على وجه الخصوص تعذر الاتصال بين الرجل والمرأة، إذ سرعان ما جاهرت الأنثى بمعاداة الذكورة لتسلطها عليها، وخاطبته نافية للخنوع، وألا تتقبل ديكتاتوريته، فهو رجل معقد، مغرور لا ثقة له بالنساء! (ص13).
 
وتعالت انفعالية الأنوثة من الذكورة، واتهمته أن (النتيجة واحدة سواء كانت المبادرة منك، أم مني.. ألم تكن راغباً في لمس يدي؟!) (ص14)، ثم أعلنت تباهيها بأنوثتها، وتفاخرها بنجاحاتها على الرغم من طغيان الذكورة وهيمنتها، بينما واجهها الرجل ساخراً من تمجيدها لذكائها، وأدان حريتها على أنها امرأة رخيصة، فريسة من السهل اصطيادها(ص15)، وتفاقمت نبرته العدائية عند مخالفة خدش الحياء، وأشار إلى تجاربها القاسية، ورفضه للاعتراف بذاتها الخاصة.
 
أما هي فأكدت فشل العلاقة من جديد، بتأثير الضباب في رؤيته، (وهذا لا يعني وجود عيب قهري في شخصيتك، أو شخصية الطرف الآخر!) (ص16)، وانتقدت عشق الرجل للمرأة التي تظهر الضعف والاستكانة، وتبطن الحيرة والذكاء، وداهمته في دواخله، وأعلن أنه شرقي الهوى، ورافض لمزاحمة عواطفه.
 
وعاودت مخاطبته ليقبل الأنوثة ضمن خصوصياتها واستقلاليتها وإرادة الحياة عندها، فلم (يجد حرجاً في ضمّها، ثم استغرقا في حديث هامس) (ص18).
 
كشفت قصة (بيت خالي) عن مقدرة حكائية ماهرة في بنية سردية قوامها تحفيز واقعي مفعم بنبرة إنسانية موحية وداخلية في الوقت نفسه، فثمة انتقال ذكي بين الارتجاع والراهنية حين تمتزج صورة الفقدان ثقيلة ضاغطة على الوجدان، إذ فقدت ابنة خالها صفية التي تتلامح صورتها في صورة خالها نفسه. ثم دعيت للتعزية بوفاة خالها… وتتداعى أحزان فقدان الخال وأحزان فقدان صفية الذي لا يبارحها، ما تزال صورة صفية حية على الرغم من رحيلها المبكر بتأثير الحب، فقد تطوحت في الهواء عن السلم وسقطت على الأرض الصلبة لتموت بعد ثلاثة أيام؛ لأنها أرادت أن ترمي رسالة لصديق ابن الجيران، وكأنه نقد خفي للفصل بين الجنسين. وعندما خرجت من بيت خالها إثر التعزية، دمعت عيناها، و(أمرت السائق بالتحرك، أيقنت أني لن أخطو عتبة البيت مرة أخرى) (ص25).
 
نجحت المرأة في قصة (لم تكن تدري!) بتسوية قضايا التركة العالقة مع أهل زوجها المتوفي، ولعلها وقعت بحبّ المحامي من أول نظرة، ولا يفارقها عشقه، وعندما أفلح ماضيها، من وجهة نظرها، في كسب الدعوى، ركضت إليه، وأعلنت حبّها له، غير أنه عاجز عن التواصل معها، فقد تلاشى إيمانها بتملكه و( أحست بحاجتها إلى نسمة توقظها من كابوسها الضاحك الباكي) (ص17). أظهرت قصة (أغنية منسية) ولع الذكورة بالأنوثة، وبالعكس، على أن يكون عابراً، وغير مستقر، فقد التقى بها في مقهاها بلندن، واستمعت إلى خطبته السياسية عن وضع بلاده العراقية البائس، على أن (الحرب أكبر وصمة في تاريخ البشرية. إنها دليل قاطع أن الإنسان ما زال بربرياً في دواخله!)(ص75).
 
ودعاها لربط أواصر المحبة والألفة بينهما في رحابة الحرية، بعيداً عن التلازم أو الالتزام، واعتذرت له عن دعوته لأنها لا ترغب التورط في علاقات عابرة، وقد اجتاحتها رعشة مفاجئة، وتلفتت جزعة، وعقدت ذراعي في بعضهما، (بتعبيرها)، أحكمت ردائي بقوة، طردت خيبتي، غادرة المكان بسرعة (ص78).
 
وهجت المرأة في قصة (وغسلت حياتها) الرجل، إذ قُبض على زوجها المدمن، وبدأت هي مع أولادها حياة جديدة، واعترفت علانية أنها مسرورة لخروجه من حياتها، وخلاصها منه، وأنها ستبدأ حياة مضيئة باستقلالها عن عبث الرجل وهدره للمرأة.
 
أبانت قصة (وسقط كوبي الزجاجي) نبرة أخرى لرفض التبعية للرجل، إيماناً باستقلالية المرأة، وها هي ذي تتذكر صورته ورحلتها معه إلى روما، وكيف رفضت أن تكون مطيته، وكيف اقتنعت أن الهرب هو أفضل الطرق للنجاة، فلاذت بنفسها، ومسحت دمعتين، وعادت لنبش أشيائها.
 
تبتعد قصص زينب حفني عن ذلك التماهي السيري أو الذاتي، فلا تقف عند مشكلة واحدة، ولا تنسب القهر إلى الرجل وحده، لأن الروح الإنسانية هي علامة الرجاء، ولا فرق في ذلك بين ذكر وأنثى، كما في قصة (وغرقت في نفسي)، حين عرفت المرأة حكاية العم جابر الثري الذي صار أبله الحارة في جدة، لأن زوجته خانته مع رجل آخر، مما يعيد إلى البال قصة خيانة زوجها مع خادمتها الآسيوية، وطلاقها منه.
 
تناولت حفني في قصتها (امرأة فقدت وجهها) قلق المرأة من دخولها سن اليأس وخوفها من نهايتها كامرأة. وتشابك هذا القلق مع حكايات انتحار نساء في صقيع الشيخوخة، مما جعلها تقرر عودتها إلى الحياة بالعمل، غير أنها لا تفارق الخشية من سيرة المرأة وأثر صقيع الشيخوخة عليها، مما أنهك طاقتها، وأضعفها، فخمدت في الهزال، وكأن الرجل لا يقبل المرأة إلا في شبابها، فطلبت من خادمتها إغلاق الباب، (وغصت من جديد في بحيرة النوم) (ص48).
 
طالبت الزوجة البائسة زوجها بحقها في الحبّ والحياة في قصة (وباتت متورمة الجفنين)، وطالت سنوات عذابها، عند استئصال نهدها الأيسر من قبل طبيبها، قبل أن ينتقل الورم إلى نهدها الآخر، (بقاؤه فيه خطر على حياتك) (ص50)، ثم اتسعت الفجوة بينها وبين زوجها، وتأكدت أنه يعبث بمفرده في وعاء فحولته، حتى أنه، برأيها، يخونها، (هناك امرأة أخرى في حياته!) (ص52)، وأرعبها أن زوجها يتمنى موتها، وصارت الجفوة بينهما مؤذية، على أنه يمارس ذكورته بمفرده، فقتلته بأحد أمواس الحلاقة، و(مررتها ببرود على عنقه، انفجر الدم في وجهي ، تناثر على منامتي ، مفترشاً غطاء سريره، الرائحة الغريبة تختفي، تذوي، تذوب، جثوت على ركبتيّ، شممت بنشوة رائحة دمه الفاتر، وضعت رأسي على صدر زوجي، ورحت في سبات عميق!) (ص55).
 
لجأت القاصة إلى أسلوب الأمثولة في كتابة قصتها (الخرزة الزرقاء)، حين مهدت لها بعتبة احترازية مفادها أن وقائع هذه القصة حدثت (في مكان ما بأحد البلدان العربية) (ص16)، والقصة عن لقاء مفترض بين امرأة ورجل يحاكم النسوية العربية، ولكنه يندفع بشبق نحوها فتقاومه، إلى أن يحكم عليها، ويأمر الحارس بتقييدها. إنها الأنوثة المطعونة من ذكورة تتلبس نمط العيش والتفكير بعد ذلك، وهذا ما تقوله قصص، (هناك أشياء تغيب) الأخرى ببلاغة سردية لا تخفي.
 
استغرقت قصص زينب حفني بالنسوية المناهضة للذكورة على أن الأنوثة مطعونة تحت فساد العلاقة بين الرجل والمرأة.
 
﴿﴾
 

﴿قراءة في ملامح زينب حفني﴾
2007

جابر محمد مدخلي
كاتب سعودي

 
دار الساقي، ولوحة، وملامح، وزينب حفني. أمورٌ لا توجد كثيراً إلا بالأعمال الرائعة، أو تلك التي لا تلدُ إلا فوق خط العادة ، أو فوق بساط العمل الاستثنائي.
 
منذُ لمسة يداك الأولى للكتاب ستشعرُ أنكَ بين أحضانْ الليالي الحمراء ، أو الجرح الكامن في بقاياها، أو الخسوف الإنساني القادم على مجتمعٍ اختارت منه صورة غلافها لتلمح صورة رجلٍ غيبي يرتدي السواد، أو ملامح أنثى في وجه هذا الرجل الغيبي. في ملامح الطبعة الثانية التي امتنعت عن بيعها المكتبات السعودية – إلا ما ندر وخفيت ملامحه – تجدُ متعة الناشر وهو يقدمُ الرواية من خلال ظهر غلافها الذي أطّرها بعبارات مختارة من رحِم السطور النورانية التي اقتطعها قطعة من أجساد الأبطال تقول: ( ليلتذاك تكوّن لدي اقتناع بأن الحياة مكتظة برجال من طراز أبي ، قادرين على جعل حيوات نسائهم سعيدة، حتى لو كان المال قد جافى حياتهم .. إلخ ) غلاف الكتاب من الخلف.
 
هكذا اختارا واتفقا الكاتبة والناشر على مفاجأة القارئ من الخلف إلى الأمام ليبدأ من حيث هذه المقاطع التي توجّتْ مذاقَ القارئ وزجّتْ به بذات الحب الذي سيجده ، وذات الفرح الذي سيلتقي به حينَ يكونُ وجهاً لوجه مع الفصل الأول ، ومع اعترافات جان جاك روسو:
 
( حين يدقُ ناقوس الساعة، سأقف أمام خالقي المعظم وهذا الكتاب في يدي، قائلاً بشجاعة:
 
( هذا ما فكرت به وفعلته …) هذا الفيلسوف والكاتب والمحلل السياسي الفرنسي الذي ولِدت الثورة الإنسانية في مؤلفاته وفي فكره وفي فلسفته الاجتماعية وحقائقه التي يراها من خلال ثقافته ودراسته ورؤيته العميقة هذا الذي جاء بأجمل ما يقدمه للإنسان ومن مؤلفاته ” العقد الاجتماعي ” الذي يوصف بأنه ” إنجيل الثورة ” وقد بدأه بالاحتجاج الصارخ على طغيان عصره حيثُ يقول: ( ولد الإنسان خيَّرا بطبعه ولكن المجتمع هو الذي يفسده … إلخ )ص7.
 
وأن تفتح رواية زينب حفني لتجد أول الملامح التي تستهدي بها وتستدل على الرواية فإنك إذاً أمام بئرٍ أدبي ورونق إحساسٍ لن تندم أبداً على لحظاتك التي ستقضيها في إكمال مسيرة هذا العمل الأنيق والكتابة الإنسانية التي تلامسُ الفؤاد وتغسل النفس لتزيدها اطمئناناً ، وتحفرُ في ملامح الإنسان بهجة الماضي وتعيدُ إذابة حقائق الزمن القديم في بحر هذا العصر المزبد.
 
( لا أبالغ إذا قلت أن فصل الشتاء في جدة لا يزورنا إلا في شهري يناير وفبراير، وهو ليس شتاءً قارصا… إلخ ) ص7.
 
المكان الذي تلدُ فيه الملاح عادة ما يصبح كالمدينة التي تشبه الأرواح التي تعيشها. وفي هذه الرواية ولدت الملامح مشابِهة تماما لمدينة النافورة ، هذه المدينة العائمة في البحر الأحمر ، والتي تلدُ من نفسها مجتمعاً سارحاً في آلامه وأفراحه معاً ، هذه المدينة التي تشبه الملامح البشرية على كثرة تنوعها وعلى كثرة اختلاف أجناسها إلا أنها تبقى المكان الذي ولدت فيه ملامح وتابعت أمها فيها تربيتها وفقَ قانون الآسرة الاجتماعية المحافظة. مدينة تشبه الملاح حقاً ولم يثير الكاتبة هذا المكانْ لإنتماءها ومولدها ومسكنها فيه فقط ؛ بل لأنها مدينة تشبه الأقمار الصناعية تماماً فيها كل القنوات وفيها كل الاشتهاءات وبها كل التناقضات؛ لهذا دخلتْ هذا البحر وهي مقرّة بأنَّ الوطن هو المدينة التي تلدُ فيه الكتابة ، وتمنح المدادَ شراباً عذباً يلغي ظمأ السنوات التي مضتْ بما فيها وبما لها وما عليها. أضافت إلى جوارِ جدة ، مكة المكرمة مدينة المسلمين. المدينة الوحيدة التي لا مكان للكفار فيها. مدينة الإسلام والمسلمين فقط. مدينة لا تزدحم رغم الملايين. وأنت بمكة تتساءلُ أين ينامُ كل هذا العدد بمدينة تنافسُ أسعار العمران فيها مدن العالم أجمع!؟
 
الكاتبة لم تؤخر عنوان الرواية حتى تفاجئ به القارئ إنما أتت به ليكون هو المحور الذي تبدأ من خلاله الاندفاع نحو المحاور الأخرى للرواية وتقرأ ذلك في ( كنتُ لا أزال مرتدية
 
( الروب) فوق قميص نومي، آثار النوم بادية على ملامحي خصلات شعري مبعثرة على ظهري..إلخ)ص7. حسين ، ثريا العمق البطولي المشطور بينَ أبناء هذه الرواية وإن أضافت الكاتبة لهما أبناء وإخوان وأخوات وآباء وأمهات. كل ذلك تنسيقاً بنيوياً لرواية ولِدتْ من رحِم فِكر الكاتبة وأتت بأحسن خِلقة وأحسنِ حال وأنجبت البناء الروائي بأفضل هيئة وهذا ما كانت تطمح له وهو الحلمُ الذي يراودُ الكاتبة أو الكاتب قبل مواسم الكتابة وبعد مواسم البذر وأثناء فوضى الإعلام وملامحه التي قد ترأف بالكاتب ، أوقد تجزُّ به في مواسم الإحباط والهجوم الإرهابي للفِكر وإدراجه ضمن قائمة المتهمين، والفلاسفة والمفكّرين المغضوب عليهم.
 
تتفاجئ في صفحات الرواية الواقعة في 160 صفحة ، وفي فصولها الخمسة أنَّ الترابط القوي بين الشخصيات يزيدكَ من الإحساس بذنوبهم وأوجاعهم وآلامهم الكبرى ، ويزيدكَ من مس الجروح والنتوءات التي أتت من صميم قلب الأبطال الذين خلقتهم بذات النزف الذي مسَّ المجتمع وحضّهم على معايشة ذلك الزمن كما هو بحلاوته ومرارته .
 
تقول: ( يقالُ أن أحلامنا تُعبّر أحياناً عما سيحدث لنا مستقبلا…) ص 9.
 
تأتيك زينب حفني في الأحياء التي تدخلِك إليها لتستقبلكَ بنفسها وكأنما تعيشُ هذا واقعاً لتصفَ لك بوصفٍ سهلٍ بسيط. ( لقد علّمتني الكاتبة هنا أن الكتابة نزعة ذاتية إنسانية تعبّرُ عن فكر، وأنها لذة لا تنتهي. فأحيانا كثيرة لا نملك تجربة الكتابة لكننا نملك إحساسها. ويملكُ الذين يعبّرون عن المجتمع بأكمله قدرة بشرية تختلف عن شكلية وقدرات البشر العاديينْ.
 
إن المعلم الواضح للواقع أن تأتي بنفسكَ لمشاهدته بعد أن يصفه لك الآخرون، وهذه حقيقة يكتشفها القارئ من خلال سوق الكاتبة الأحداث تباعاً في شكلٍ متماسك وغير مرهق للذهن.
 
أتذكرُ في أسلوبها السهل الممتع محمد شكري في روايته ( الخبز الحافي ) علماً أن المفارقة كبيرة جداً بين مواسم الكتابة وبين الكاتبين لكنها في سهولة اللغة واختيار العبارة وإيصال الفكرة المرادة والوصول إلى القارئ دون إرهاق ، أحضرتْ في ذاكرتي ذلك الأنيق في السردية السهلة، واللغة المستحضرة بأناقة الواقع أو قبحه، ووصف الحالات والنزوات بأقل تكلفة من العبارات ومع هذه القلة تجدها تجذب القارئ للمتعة التي رتبتها له الكاتبة سلفاً.
 
( ثريا ) البطلة التي تبدأ الرواية منها وتنتهي بها. ثريا هذا المحور الذي اعتصرت حياته بين سيقان الرجال، وبين عِقاب البحث عن الرقيّْ. والثراء رغمَ الحالة الاجتماعية المتدنية، أو لنقل الحال المستورة. ثريا التي استنجدت بكل الطرائق والوسائل لبلوغ نور والعيش معها للتعرّف على الطبقة المخملية بذالك الجيل وأشارتْ بذلك في قولها: ( كنت أتمنى لو كانت عندي رفيقة ثرية، مثل اللواتي ألمحهن ونحن في طريقنا، في غدوِّنا ورواحنا إلى المدرسة..إلخ ) ص 23 .
 
الكاتبة في رواياتها أرادت مخاطبة العقل القارئ، والمحلل، والناقد، قائلةً: إنّ الغنى الذي يلدُ من رحِم المرأة ويأتي من خراجْ فرجها ، الغنى الذي جاء من ثريا ليس الغنى الحقيقي الذي يستحقه الإنسان ويفاخرُ به ويغرس فضلاته في نوايا العمل الخيري !.
 
ثم يحلّ وجه جديد من وجوه الرواية ( نور ) هذه الفتاة الثرية ، الكاملة الحسن ، والذكية التي تعيشُ حالاتها كما ولدت لا كما تتصنعها كثريا. تتابع الكاتبة في ملامح محور النزوة الذي يلدُ مع الفتاة لتؤكد غريزتها وقوة شهوتها أن لا جدوى في الاستسلام أمام الإغراءات والحالات الأنثوية التي لا يطفئها بظن الفتاة غير المعايشة الواقعية والتجربة الشجاعة مع شاب يغري غرور أنوثتها ويلهمها اللذة ولو لم يمسسها بسوء!. أجادت نور في إدراج هذه الفكرة في داخل ثريا ( أخذنا الكلام إلى أمور كثيرة كانت نور جريئة في حديثها ، تفكيرها أكبر من عمرها. سألتني فجأة وبدون تمهيد : هل لديك صديق؟ ، تخضّبَ وجهي خجلاً ، هززت رأسي نفياً ..) ص 26
 
لقد استطاعت الكاتبة إدراج هذا الحوار بسهولة ودون تكلّف وإن كانَ الممر الذي دخلت من خلاله مكتشف عند القارئ فبعدَ الجرأة مباشرة يكتشف القارئ أنَّ ثمة أحاديث سوف تُطرق أكبرُ من هذا السؤال!. كانَ على الكاتبة هنا من وجهة نظري الغوص بالقارئ في الوصف الدقيق لحالة الحياء التي تعتري الفتاة عندَ هذه الأسئلة الشجاعة والجريئة حقاً، لكنها اكتفت ( بتخضّبْ الوجه خجلاً ..! ). وهذا ليس عيباً وقعتْ الكاتبة فيه بقدرْ ما هو إثبات لسهولة الكاتبة في الوصول إلى القارئ دونَ توهيمْ القارئ أو قطع أفكاره.
 
واستطاعت الكاتبة أن تجمع ثريا وفؤاد ، نور وخالد في حب فوق سطح الماء البارد من دونَ أن يخترق الماء الدافئ رحم كلتيهما. تقول: ( حين ألفيت يده تحاول أن تعبث أكثر في خبايا أنوثتي ، أزحتها برفق ، كانت تعليمات أمي برغم كل ما جرى معي ، مسيطرة على عقلي ..إلخ ) ص29.
 
كما تواصل الكاتبة في عرض أحلام بطلتها الفقيرة واختلاف الظروف المحيطة بها ووصف الواقع الذي عاشته والوقت الذي أمضته بحثاً عن استقرار وفق شروطها. وتفتيشاًً عن حالة هذا الاستقرار بعدَ زواج نور حبيبتها وصديقتها والتي فتحت داخلها آفاق جديدة ورؤى وتجارب لو~لم تكن نور ما بلغتها ثريا ولو بشق الأنفس.
 
المفاجأة التي أرادت إدراجها كأكبر جملة اعتراضية هي نهاية نور من حياة ثريا والإخبار بغيابها بأميركا طيلة عشرِ سنوات ثم عودتها واستقرارها بمدينة الدمام بالمنطقة الشرقية. لماذا أعادت الكاتبة نور محجّبة ملتزمة علماً أنَّ الكثيرات والكثيرون الآتونَ من أمريكا وخلافها من الدول النامية والمنفتحة لا يعودونَ بهذا التشكيل الذاتي وهذا الزهد وهذا الالتزام .. أليس هذا مثير للتساؤل وملفت للنظر !؟ ألم تكنْ نور تلك الفاحشة ، تلك الأنثى التي تعشقُ خالدْ وتمارس معه لذاتها دوما !؟ ثم هل أتت بها الكاتبة بهذه الحالة تكفيراً عن سيئاتها السابقة، وإخبار ثريا أن الطريق الذي أنت به غوائي، ظلالي ، مظلم، فعودي إلى الهداية وطريق الرشاد !؟ هل الكاتبة كانت متناقضة، أم أرادت خلق وجه جديد لدول العالم الغربي المنفتح والمتفتح وإعادة المهاجرين إليه والعمل به والتعامل مع طبقاته أسوياء !؟ هذا جزء خفي يفهمه القارئ بأوجهه المختلفة، ويتناوله الناقد وفق ما يدّخره بفكره من رؤى، وربما يسجله علماء الاجتماع والسياسة مدخلاً جديداً لعلومهم. إنما الكاتبة رأت أن تنهي طور نور بالوجه الإيماني وإن كانت تجيد سياقة السيارة !. هذه النهاية التي لن يشاهد بعدها القارئ نور إلا من خلال طيف يعاودُ ثريا كل ما خالجها التوق.
 
الكاتبة تخرجك من الفراق إلى الحرب، إلى السياسة، إلى قضية العالم، إلى ثورة 67. تدخلك في الحرب دون أن تشعر بالمسافات التي تقطعها إليها. استطاعت أن تفرض حرباً وتستحضر حرب 67 دون أن ترهقك في تشويه الأفكار. فهي تجلسك مع عائلة ثريا لتسمع معهم من خلال موجات الراديو أنباء الحروب ونتائجها وتستمر في التعرّض إلى المحور السياسي لكنه المحور المتكرر فلسطين ، إسرائيل، أفغانستان، والعراق هذه المناطق الموبوءة بالأسلحة والموتى والقتلى. هذه المناطق التي ينزح أهلوها منها إلى مدن العالم ويتقاسمونَ فيه أوجاعهم بينهم ويلتحفون تهمة الغرباء كرغيف متبقى لهم من الوطن.
 
لماذا الاستعراض المتكرر في البعد السياسي ومتى سينتهي هذا الاستغلال الغربي لدول الشرق الأوسط بهذا المحتل الذي لم يستطع هزمه أحد ، أو التصدي له ولغروره وكبرياءه حتى الآن!.
 
الملفت للنظر عند قارئ الطبقة المثقفة، والناقدة أن الكاتبة دخلت في ثورة الحرب دون أن تذكر قتلى أو شهداء، أو تستشهد بحزنٍ عميق لهذه الدول. كانَ هذا البعد السياسي متوقع لدى القارئ ولم تفاجئ الكاتبة القارئ من خلال السياسة بما يهيّجه ويروي غروره السياسي كقارئ نهم يفتش عن خيال الكاتب/ة ، ويقبّله حين يبكيه ، وحين لا يجدُ حضناً دافئاً غير سطوره يأويه ويطفئ هذه الأحزان الكبرى داخله. كانَ وجهاً في الرواية مألوف كما هو الحال عند كل الروائيين العرب. وربما لأن الكاتبة لا تريدُ توجيه القارئ إلى بعد يلغي إحضار قضايا مجتمعه الهامة. ربما أرادت إكساب هذا الجانب ضعفاً برغبتها لتفّرغ القارئ إلى ما يهمه وما يروي نهمه , وما يمكنُ أن يهيّجه احتجاجاً على الكاتب إن هدمَ ركناً من أركانه.
 
في الفصل الثاني تعيد الكاتبة تاريخاً سريعا لزوج ثريا.. حسين هذا الذي اختارت له مكة موطناً وبيئةً وبطولة وأحداث صعلوك ولِد ليجد نفسه وحيدا يعيش على فتات وبقايا لبن ورحمة وشفقة في صدر زوجة عمه الذي كان قاسيا عليه لدرجة أنه صادر وأنكر حتى حقوقه وتجارة والده بحجة أنه اشتراها منه قبل وفاته. الفصل جاء على هيئة سردية مليئة بالآسي والحزن واستطاعت الكاتبة أن تخرجه إخراجاً يستحق تمثيله فيلماً سينمائيا لما فيه من الموت وما فيه من الرحمة والعذاب ، وما فيه من الأوجاع الكبرى. الفصل الثاني كانَ دليلاً على عبقرية الكاتبة وتمكنّها من استخراج الدهاء الأدبي والدراية بما يتماشى مع ذوق القارئ. صّورت عمته بأنها مخلوق من الرحمة والعطف، وبالمقابل خلقت من صورة عمه الجبروت والقسوة والظلم بهيئة رجل. بهذه الرواية يستطيع القارئ أن يجد متنفسه – وعليه استحضار علبة المناديل – إلى جواره إذا ما ولج إلى الفصل الثاني منها.
 
تقول: ( ذرفتُ دمعا كثيراً عليها، لم أشعر باليتم إلا حين فارقتني، لم أعرف أمّاً غيرها، أمي التي أنجبتني كانت مجرد صورة، أو رسم خيالي أما هي، فقد كانت واقعاً حلواً.. إلخ ) ص 76/ 77
 
الفصل الثاني رواية بحد ذاته وهو محور الرواية الذي تنطلق منه البطولات وتتجمع عند نقطة افتراق ثريا ، وحسين وانعزال كل منهما بحياة وطقوس مختلفة. وحدوث الطلاق نتيجة انزعاج ذكوري أنثوي وكراهية الأجساد الغير مألوفة نتيجة الإذعان لشهوات المال رغم كل التضحيات.
 
وفي الفصل الثالث من ملامح تعود الحياة إلى ثريا وتعزلها الكاتبة في مشهدٍ فردي تغلق عليه ثريا وتجمعها بذكرياتها وحاضرها وثروتها وابنها الذي يرفضُ حياتها وأسلوبها الحياتيّْ ، تنطلق الكاتبة في التنقيب عن محاور جديدة تفاجئ بها القارئ علّها ترضي غروره ، ولكن كان على الكاتبة أن تكون أكثر حرصا على أن لا ينزلْ مستوى المفاجأة في الفصل الثالث عما كانت عليه بالفصل الثاني. غير أنها أتت بفؤاد من جديد وجمعته بثريا في مشهدٍ متوقّع وشبه عادي على متن طائرة محلقة إلى لندن. من وجهة نظري هي ما أرادت إلا استعادة الشهوة التي تثيرُ ثريا والتي تلعبُ دوراً كبيراً في حياتها وإن كانت بهذا المنطلق فهي استطاعت إعادة شريط الذكريات وهذا أمرٌ يمنحها الأحقيّة في إعادة من تراه مناسباً لسبك وربط أحداث وأغوار روايتها من جديد. غير أن عودته برغم أنها عادية لكنها أحدثت ضجّة كبيرة في الفصل الثالث وجعلت من الرواية نكهة مستحبة في إعادة شوط الحنين داخل ثريا لممارسة شهوتها مع الرجل كما تحب وترضى.
 
( خلال سفري ذات مرة إلى لندن ، وجدت نفسي قبالة فؤاد… إلخ ) ص 105.
 
في المقطع الثاني من الفصل الثالث تُفرغ الكاتبة بطلتها لتعريف المجتمع بعالم المرأة المتسم بالغموض، هذا العالم الذي تدور فيه كل الأمور المحرّمة بسريّة تامة. تفرغت ثريا بناءً على طلب الكاتبة إلى عالم ( المثليات ) الذي دخلته مصادفة (دخلت عالم المثليات مصادفة ، ربما تسرّب هذا الشعور إلى داخلي ، عندما التقيت هند أول مرة … إلخ ) ص 110 .
 
وهذا محور جريء جداً دخلت إليه الكاتبة وأشارت إليه بكل ما يحدث خلف الكواليس بين بعض بنات هذا المجتمع المتناثر المتناقض الغريب العجيب جداً. أتساءلُ لماذا لم تذكر الكاتبة لفظ
 
( السحاق ! ) المتعارف عليه. لماذا لم تلمّح له بأنه هو الهوية الحقيقية للمثليات !؟
 
لماذا المثليات بالذات ؟ هل لتزعج القارئ والمجتمع وتوصل ضجيج هذه العبارة إلى النفوس التي يجب أن تعدّل من هذا السلوك وهذا المعبر المحرّم وهذا الحقل الملغوم بشهوات غبية غيبية سريّة لا يمكن للرجال اكتشافها ولا يمكنُ أن تؤثر على المرأة ولا على عذريتها !؟ المثلية بين النساء انتقلت فيها ثريا من هند إلى سماهر التي اشتهرت بمثليتها على مستوى مجتمع جده ، ووقوفاً بفاطمة التي أوقفت تفكير ثريا عن هذا العالم المُخزي.
 
تعود العلاقة بين ثريا وبين فؤاد في سريّة تامة ، يرفض زاهر حياة أمه وطريقتها في اكتشاف الحياة ورؤيتها الخاطئة في تحقيق مآربها من المال ، ومن النساء وخلافه. يقرر زاهر السفر إلى أفغانستان ليجاهد ويكتب رسالته لأمه بصورة متوقعة من القارئ. وسهلة لكنها رسالة ثورية فيها لحظة سفر إلى خارج حدود الوطن بغير إذن ولي الأمر رغبة زاهر أتت من نفس مؤمنة ، لكنها نفس لا تؤمنُ إلا بما تراه صواباً ناسيةً شروط الجهاد.
 
بنظري تجاوزت الكاتبة هذا المنحدر الخطِر حتى لا تدخل في طقوس سياسية من جديد.
 
غير أنها أنهت الفصل الثالث بمهارة وما زالت تشغل القارئ بأمور ثريا، وحياتها وتفاصيلها التي لا تكاد تنتهي.
 
تدخلك الكاتبة إلى الفصل الرابع من خلال عالم المثليات مجدداً ، ومحاورات لا تنتهي بهذا الشأن. وحديث بين ثريا وبين هند وبين المجتمع الذي يدخلُ معمل ثريا عن طريق الشراء أو عن طريق الفراش. وتستعيد الكاتبة من خلال الفصل الرابع ذكريات قديمة بحياة ثريا وواقعا عاشته مع أول حب لها وتخلق من خلال ذاكرة ثريا.. إنها ( إقبال ) التي كانت بمثابة الحب الطيفي لثريا.
 
وتأخذك الكاتبة إلى علاقة ثريا بأخوتها وعلاقتهم بها وحلمهم الكبير في ميراثها وأن لا شأن لهم بحياتها ومثليتها ، وطقوس شهواتها الصامتة أو المعلن عنها ما دام الرجل بعيدا عنها وعن كنز الميراث القادم. تستعيد الكاتبة علاقة المثلية لدى ثريا وتمارس الكتابة عنها بإسهاب وتجعلها المنفذ الحقيقي لحياة ثريا الباقية وأنها المرحلة الحاسمة لإدارة عجلة الوقت والسنين في تاريخها وأنها تتبلدُ يوماً بعد يوم دون أن تشعر بأن حياتها تبدو عادية جداً ولا طعم ولا نكهة فيها.
 
وتنهي الفصل الرابع بغياب ثريا عن عالم المثليات وعن كل التفاصيل التي تكتب معناً لحياة لحياتها.
 
في الفصل الخامس من ملامح تستعرض الكاتبة بلغتها اللذيذة السهلة الحكاية الواقعية في تفاصيلها التي يلمسها القارئ. الجميلة في ثوبها وسردها وبساطتها . في أناقتها ولهفة القارئ في المتابعة دون إجهاد فكري، ودون عصف ذهني. الكاتبة استطاعت أن تصل للقارئ من خلال فلسفتها العذبة.
 
تعرّضت في هذا الفصل إلى العلاقة الاجتماعية والأسرية التي مع امتداد العمر تتقلص ومع موت ولي الآمر الذي يجمع الأبناء ربما تنتهي وتذوب مع زحام الحياة ولا يمكنُ لجامع لها سوى حفلات زواج، أعياد، عزاء، وخلافه من مرض وميراث.كأنما تخاطب القارئ في فصل غيبي بينها وبينه يكتبه ضمير الصمت قائلةً : ( هذه نهاية الأحلام الكبرى والحياة الفاخرة التي يتمناها الإنسان ويأتي بها بطرق مخالفة لمبادئه وعقيدته ومذهبه وطبيعة الخلق المقسومين بين فقراء يأكلون ويشربون وأغنياء يأكلون ويشربون أيضا مع اختلافات وإن كبرت.) إن البعد الاجتماعي الذي يعيشه المجتمع في هذا الجانب مؤسف حقاً وقد تلمسُ تأطير الكاتبة هذا الجانب بشكل قوي ورائع جداً وواقعي وممتع للغاية.

في الأسطر الأخيرة من الرواية قررت الكاتبة أن تفرغ بطلتها لحياة قادمة مليئة بالمفاجأة والشيخوخة مستخدمة عبارات دلالية قوية جداً لقد أدارت الكاتبة لغتها في المراحل الأخيرة من روايتها واستنجدت بثقافتها وقاموسها الخاص كهذه العبارات : ( هل أصابهم هم أيضاً داء الهرم ؟ )، وعبارة: ( بعضهم الآخر دفنته رمال الشيخوخة من صحرائها.) عباراتها غنية دسمة. أتت بها من قاموسها الكبير والخاص. حتى لكأنها أرادت أن تخبر القارئ المتابع لها أنَّ هذا النمط الكتابي هو لزينب حفني وهذا القاموس الجميل الفاخر لها أيضا.
 
بقيت الكاتبة تسير بالقارئ في منعطفات ثريا وفي رحلاتها وسفرها وفي سياحاتها وعلاجها المكلّف وحياتها الأخيرة التي لم يبقى لها منها سوى أيام معدودات. لتفاجئك بحلم في منام ثريا تستعيد فيه ابنها زاهر وهو ميّت ناسية أنه مات قبل هذا الحلم بالواقع. ولكن آثار الشيخوخة وما خلفها من وحدة وبؤس وشقاء متعرضة في ختام هذا المنعطف من حياة ثريا إلى السياسة من جديد وطريقة الاحتلال الأمريكي وأسلوب القتل الذي يمارسه الاحتلال على سكّان هذا العراق الذي ينزفُ مذ فرشت بغداد صدرها للاستسلام بغير إرادتها.
 
ماتت ثريا وهي مصابة بالشلل الجسدي والنفسي ، وبتحسن لصحتها بشكل طفيف، هذا التحسن لا يشفع للعمر المتبقي منها فهي في الموجة الأخيرة من تردد قناة الرئة ونبضات القلب اللذان استسلما للموت بصورة انتهاء العمر وانقضاء الأجل. ماتت ثريا في صورة امرأة ثرية لم تجد من حولها سوى خادمة آسيوية الملامح لتنتهي حياتها بشكل غير مرضي وبائس وحزين.
 
(( سبب الوفاة، سكتة قلبية وقد وافتها المنية عند الثالثة فجراً )). قُدّرت ثروتها بملايين عدة ، عادت جميعها لأهلها.
 
حسين أصبح من رجال الأعمال البارزين في لندن. حصل على إقامة دائمة. تزوج أخيراً بسكرتيرته الإنكليزية التي لم تتجاوز الخامسة والعشرين من عمرها، أنجبت له صبياً سمّاه زاهر. ص 160 .
 
انتهت الرواية بشكل لائق وبحياة اجتماعية فيها التناقضات ، وفيها نضجت المثلية ، في زمنٍ كان الجوع والبؤس والشقاء به له مذاق شيّقْ وللحياة الطاهرة والشريفة فيه نكهة لا يمكن أن تستعاد ولو بآلة الزمن.
 
أجادت الكاتبة ولستُ أنا الذي يصنّف إجادتها من أي نوعٍ كانت. غير أنني تعلّمتُ من خلال غوصي بملامح زينب حفني ( أن الكتابة شهوة تؤثر على العقل إن لم يتخلص منها، وهي كالحيوانات المنوية تظل تزعج الكاتب حتى يفرغها بقالبها المناسب. هي شهوة طاهرة أنيقة ومسالمة لا تزعج إن أحدثت إزعاجا إلا الكاتب نفسه. وأن الكتابة الشهوة الوحيدة التي لا يعلم القارئ بأي شكل خرجت ولا لأي ظروف ستؤول بكاتبها. لهذا أتت ملامح زينب حفني رواية مؤثرة فيّ بشكل ربما يلحظُ في كتابتي لهذه القراءة. لقد أتت هذه الرواية آثرها فيّ ، وستنالُ إعجاب القارئ وستبلغ مأربها منه وتستطيع فعل ذلك مع جميع القراء فهي تجامع القارئ حلالاً بعقد قران القراءة والكتابة والملامح.
 
﴿﴾