أحلامي ما زالت تنتظر

أحلامي ما زالت تنتظر

أحلامي ما زالت تنتظر
مقدمة الكتاب بقلم الكاتبة

 
هل الكتابة تُخلّد الكاتب أم أن الكاتب هو الذي يُخلّد الكلمة بقلمه الساحر وأفكاره المستنيرة؟ هل سؤالي هذا غبيّاً في مضمونه؟ لا أعرف! أحياناً أتخيّل البعض يرمقني بطرف عينه كأنّه يُريد القول بأنني امرأة ساذجة أهدرت حياتها بين الأقلام والصفحات البيضاء، وبدلاً من أن تعيش حياة الإناث وترقص على أغاني الهيام وتمضي لياليها في المرح والاستمتاع برفقة الصديقات، انشغلت بكتابة سطور تخرج للنور في كل مرّة بعد ولادة متعسّرة! وطحنت ذاتها بين أزقّة الفكر وفي اللهث خلف مطالب لم تجد أكثرها آذاناً صاغية داخل مجتمعها! لكن كما أن العشق قدر لا حيلة للإنسان بالوقوع فيه، تُصيب سهامه القلب على غفلة منه، كذلك الكتابة ضرب من الجنون، ولكنه جنون أخّاذ لا يزجُّ بصاحبه في غرفة منعزلة بمستشفى الأمراض العقلية، بل ترفعه لمرتبة القديسين بما تخلقه من عوالم مثالية يتطلّع لتحقيقها ذات يوم على ارض الواقع! وإن كانت الكتابة أحياناً تحطُّ من قدر الكاتب وتدحرجه لمرتبة المجرمين جزاء خلقه لعوالم متناقضة جريئة تكشف دواخل البشر الخفيّة!
 
بدأتُ الكتابة منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً، مرّت كالطيف، وما زلتُ أتذكّر شغفي بها منذ نعومة أظافري، لكنني لم أفكّر ولو للحظة في كبح جموح قلمي أو الوقوف أمام ثورة أفكاري التي توارت قليلاً مع مرور السنوات وضربات الأيام الموجعة وقسوة مجتمعي الذي ما زالت سياطه لحد اليوم تُلهب ظهري، وأحكامه الجائرة وأفكاره المتزمتة تتقصّد محاصرة قلمي! ظلّت جمرة التمرّد عالقة بجدار عقلي من زواياه الأربعة لم يُطفأها نضوج العمر ولا خيبات الحياة!
 
لم يخطر ببالي تدوين شهاداتي الروائيّة ولا ندواتي الأدبيّة التي قدمتها ولا أهم حواراتي التي أُجريت معي على مسار حياتي، لكن رأيتُ بعد تفكير عميق بأن من حق الأجيال القادمة أن تقرأ أفكاري، وتتمعّن في طروحاتي، لإيماني الراسخ أن تجاربنا الشخصيّة الممزوجة بتجارب الآخرين ونظرتنا لموروثاتنا هي التي تصنع إنسانيتنا، وهي التي تترك أثراً مدويّاً فينا وفي كل من حولنا.
 
لقد رغبتُ من خلال تدوين طروحاتي، أن تكون هناك صلة وصل قوية بيني وبين الأجيال القادمة لا تنفصم عراها برحيلي عن الدنيا، وكي يُدركوا بأن الحقوق لا تموت ولا تتوه في منتصف الطريق، ما دامت هناك عيون قويّة تُلاحقها في كل مكان تأوي إليه. وأن المرأة التي شغلتُ نفسي بمطالبها لسنوات، والتي لديَّ قناعة ثابتة بأنها صانعة حضارات الأمم، لا بد أن تكون واعية وشرسة فيما يتعلّق باسترداد حقوقها المسلوبة عقوداً طويلة. آملة أن أكون مثالاً جميلاً يحتذي به الشباب الصاعد، بما طرحت من رؤى تقدميّة في ندواتي ولقاءاتي، وبما جاهدت على مدى سنوات طويلة من خلق حيوات على الورق عبر نصوصي الأدبيّة.